غزة تكشف المواقف

تتعرض غزة من جديد لحملة عسكرية صهيونية مجنونة تدمر الأخضر واليابس وسط ضعف وتخاذل النظام العربي، ونفاق وانحياز النظام الدولي، وتضع هذه الحرب من جديد مصداقية النظامين العربي والدولي بمؤسساته ومنظماته على المحك، فقد سقطت تلك المصداقية مراراً وتكراراً على أرض فلسطين، واليوم تسقط سقوطا مدويا، فعلى مدى أكثر من ثلاثة أسابيع لم نر موقفا واضحا وجديا من المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة والتي راح ضحيتها (حتى كتابة هذه السطور) 511 شهيداً، و50150 جريحاً.
لقد وقف الجميع عاجزا - كالعادة - أمام
غطرسة الصهاينة، بل بالعكس أكد الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) انعدام إنسانيته
عندما أكد دعمه للكيان الصهيوني والحرص على حماية أمنه، متناسيا عشرات الأطفال
والنساء والعجائز الذين يقتلون بدم بارد داخل بيوتهم بالآلة العسكرية الجهنمية،
وقد عقد مجلس الأمن الدولي جلستين متقاربتين، ولم يخرج عنه سوى الدعوة لوقف إطلاق
النار متغافلا الجرائم ضد الإنسانية التي يواصل الصهاينة ارتكابها.
أما الجامعة العربية، فقد عقدت اجتماعها
على مستوى وزراء الخارجية بعد أسبوع من العدوان، وانعقد المجلس وانفض دون أن يشعر
به أحد، وهو ما يشير إلى موقف عربي متخاذل، بل ومصاب بالشلل.. ويجدر بنا التنويه
هنا لموقف دولة الكويت وأميرها الذي دعا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة
«حماس»، لزيارة الكويت حيث أكد سموه دعم الكويت للشعب الفلسطيني في كامل حقوقه،
وهو موقف ليس غريبا على الكويت صاحبة المواقف الإنسانية والإغاثية الناصعة على
امتداد القضية الفلسطينية كما أن موقفي قطر وتركيا يصبان في نفس الاتجاه، وهي
مواقف حق تثلج صدور الشعب الفلسطيني والجماهير العربية
وإن الجديد في الحرب على غزة هو بروز
ظاهرة إعلامية عربية تقف بلا مواربة في خندق العدو الصهيوني، وتدافع عن عدوانه، في
الوقت الذي تكيل فيه السباب والشتائم للمقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة «حماس»..
وتروج عنها الأباطيل والأكاذيب، ولا شك أن تلك الظاهرة الإعلامية هي صدى لمواقف
الدول التي تنطلق منها، ويؤكد ذلك ما تسرب من معلومات عن تعاون بعض الجهات العربية
مع العدو الصهيوني في عدوانه، وهو ما يعد انقلابا خطيرا في مواقف البعض، وذلك في
الوقت الذي برز فيه الدور العربي كوسيط بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني،
والغريب أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي من المفترض أن يصطف مع مقاومة
الشعب الفلسطيني بدا هو الآخر وسيطا، بل ووسيطا غير محايد، وهو ما سيسجله التاريخ
في صفحات التخاذل.
لكن هذه الحرب الوحشية أكدت من جديد
استمرار فاعلية الشعوب العربية وتبنيها للقضية الفلسطينية، والتفافها حول
المقاومة، كما تؤكد أن الطريق لتحرير فلسطين هو طريق المقاومة.. والمقاومة وحدها.
وغني عن البيان هنا، فإن المقاومةالفلسطينية، وفي القلب منها حركة «حماس»، تسطر ملحمة بطولية في الدفاع عن القضيةالفلسطينية والشعب الفلسطيني، وإن عملياتها المظفرة التي أسقطت خلالها العشرات من
جنود العدو قتلى وجرحى وأسر جندي صهيوني تمثل انتصارات نادرة لم تسبق في تاريخ
الصراع العربي الصهيوني.
إننا هنا نضم صوتنا لصوت الشعب الفلسطيني
وكل الأحرار في العالم بضرورة فك الحصار المجرم عن غزة من البر والبحر، وفتح معبر
رفح وكل المعابر، وأن يكون ذلك في إطار ضمانات دولية حتى يعيش الشعب الفلسطيني
حياة طبيعية كبقية شعوب الأرض.
إن معركة غزة هي واحدة من المعارك الكبرى
الممتدة حتى المعركة الفاصلة مع العدو الصهيوني التي ستتحرر فيها فلسطين بكامل
ترابها.. إن شاء الله تعالى(1).
___________________
(1) نُشر بالعدد (2074)، 1 شوال 1435هـ/
1 أغسطس 2014م، ص 4.