هل تلقي المقاومة سلاحها؟!

يحاول الكثيرون هذه الأيام أن يغرروا بالمجاهدين في سبيل الله تعالى على أرض الرباط بعسقلان لتسليم سلاحهم، فتارة يحملونهم نتيجة الدمار الذي أصاب أهل غزة، وتارة يمنونهم بالسمن والعسل لو سلموا سلاحهم، وتارة يخوفونهم بالدمار الأعظم إذا لم يسلموا سلاحهم، وما اجتماع بعض الدول في أمريكا واتفاقهم على مسألة حل الدولتين، ومناداتهم بذلك سوى حيلة من الحيل الهابطة لجعل المقاومة تسلم سلاحها، وما ذلك إلا ما تم الاتفاق عليه مع العدو الصهيوني، ولذا وضعوا شرط تسليم السلاح، وما ذلك إلا جرم عظيم منهم إذ يطالبون من يدافع عن بلده وعرضه وأهله أن يسلم سلاحه لعدوه، في حين أن العدو المجرم المحتل يمتلك الأسلحة النووية ولا يستطيع أحدهم أن يطلب -مجرد الطلب- منه أن يترك سلاحه.

مدرسة المقاومة الفلسطينية.. دروس للأمة وعِبَر للتاريخ |  Mugtama
مدرسة المقاومة الفلسطينية.. دروس للأمة وعِبَر للتاريخ | Mugtama
إن تاريخ فلسطين المعاصر زاخر بصور المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الصهيوني
mugtama.com
×

لماذا يصرون على تسليم المقاومة سلاحها؟

لأن هذا السلاح هو الذي يغيظ الكافرين والمنافقين، وهو الذي مرغ أنف الجيش الذي لا يقهر في التراب، وهو الذي لم يقدر العدو على نزعه طيلة عامين من الحرب المستمرة، وهو الذي منع العدو من تهجير أهل غزة، وهو الذي جعل جنود العدو بين قتيل وجريح وكسيح، ودفع العشرات من جنود العدو للانتحار بعد الحالة النفسية المزرية، وهو الذي يبدد حلم دولة الكيان المزعومة، ويرى العدو أنه لا حياة ولا استقرار له مع وجود السلاح بيد المقاومة، بل وهذا السلاح هو الذي سيوصل أهل فلسطين لتحرير كامل أرضهم بإذن الله تعالى.

حمل السلاح فريضة على المسلمين

لقد أمر الله تعالى المسلمين بالإعداد لعدوهم، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال:60)، وهل إعداد القوة إلا حمل السلاح؟! بل وبين لهم أن العدو يتمنى لو غفل المسلمون عن سلاحهم، والغفلة تكون للحظات، فكيف بترك السلاح كلية، لا شك هذا حلم وأمنية العدو، ولذا أمر الله المسلمين بحمل سلاحهم وأخذ حذرهم وهم في الصلاة، أثناء لقاء العدو، قال تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) (النساء:102).

يقول الشهيد سيد قطب -رحمه الله-: "والأمر الثاني الذي يلفت النظر في هذا النص هو هذه التعبئة الروحية الكاملة تجاه العدو، وهذا الحذر الذي يُوصَى المؤمنون به تجاه عدوهم الذي يتربص بهم لحظة غفلة واحدة عن أسلحتهم وأمتعتهم، ليميل عليهم ميلة واحدة!

ومع هذا التحذير والتخويف، التطمين والتثبيت؛ إذ يخبرهم أنهم إنما يواجهون قوما كتب الله عليهم الهوان: (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينًا)، وهذا التقابل بين التحذير والتطمين؛ وهذا التوازن بين استثارة حاسة الحذر وسكب فيض الثقة؛ هو طابع هذا المنهج في تربية النفس المؤمنة والصف المسلم، في مواجهة العدو الماكر العنيد اللئيم!

ويقول أيضًا: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً)، وهي رغبة في نفوس الكفار تجاه المؤمنين دائمة.

والسنون تتوالى، والقرون تمر، فتؤكد هذه الحقيقة، التي وضعها الله في قلوب المجموعة المؤمنة الأولى. وهو يضع لها الخطط العامة للمعركة. كما يضع لها الخطة الحركية أحيانا. على هذا النحو الذي رأينا في صلاة الخوف، على أن هذا الحذر، وهذه التعبئة النفسية، وهذا الاستعداد بالسلاح المستمر، ليس من شأنه أن يوقع المسلمين في المشقة. فهم يأخذون منه بقدر الطاقة

ويقول أيضًا: (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)، ولعل هذا الاحتياط، وهذه اليقظة، وهذا الحذر يكون أداة ووسيلة لتحقيق العذاب المهين الذي أعده الله للكافرين. فيكون المؤمنون هم ستار قدرته؛ وأداة مشيئته، وهي الطمأنينة مع ذلك الحذر؛ والثقة في النصر على قوم أعد الله لهم عذابا مهينا. (1)

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: (إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)

ومن العذاب المهين ما أمر الله به حزبه المؤمنين وأنصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم، ويأخذوهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مرصد، ويحذروهم في جميع الأحوال، ولا يغفلوا عنهم، خشية أن ينال الكفار بعض مطلوبهم فيهم، فلله أعظم حمد وثناء على ما مَنَّ به على المؤمنين، وأيَّدَهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية، ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الأوقات. (2)

وفي نفس الآية 102، قوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ)، نقل الإمام ابن عطية -رحمه الله-، عن القاضي أبي محمد -رحمه الله- قوله: كأنهم تلقوا الأمر بأخذ السلاح على الوجوب، فرخص الله تعالى في هاتين الحالتين، وينقاس عليهما كل عذر يحدث في ذلك الوقت، ثم قوى الله تعالى نفوس المؤمنين بقوله: (إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)" (3)

قال الإمام البيضاوي -رحمه الله-:  (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض، وهذا مما يؤيد أن الأمر بالأخذ للوجوب دون الاستحباب، (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر كي لا يهجم عليهم العدو، (إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار بعد الأمر بالحزم لتقوى قلوبهم وليعلموا أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ والتدبر فيتوكلوا على الله سبحانه وتعالى. (4)

الابتزاز «الإسرائيلي» في المفاوضات.. المقاومة ترد من تحت الركام |  Mugtama
الابتزاز «الإسرائيلي» في المفاوضات.. المقاومة ترد من تحت الركام | Mugtama
منذ اندلاع الحرب على غزة، لم تكن «إسرائيل» تفاوض من موقع الباحث عن تسوية
mugtama.com
×

إلقاء السلاح يعني هلاك المقاومين

ولنا العبرة والمثل في التاريخ بطوله، ففي القريب ماذا حدث لمنظمة التحرير لما ألقت سلاحها؟

ذبحوا المسلمين في صبرا وشاتيلا، والأكثر وضوحًا ما جرى في البوسنة والهرسك، يقول الأستاذ فهمي هويدي: "لكن الجريمة الأشهر كانت حصار سربرنيتسا، كان الجنود الدوليون يسهرون مع الصرب، ويرقصون، وكان بعضهم يساوم المسلمة على شرفها مقابل لقمة طعام، حاصر الصرب سربرنيتسا سنتين، لم يتوقف القصف لحظة، كان الصرب يأخذون جزءًا كبيرًا من المساعدات التي تصل إلى البلدة، ثم قرر الغرب تسليمها للذئاب: الكتيبة الهولندية التي تحمي سربرنيتسا تآمرت مع الصرب، وضغطوا على المسلمين لتسليم أسلحتهم مقابل الأمان!، رضخ المسلمون بعد إنهاك وعذاب، وبعد أن اطمأن الصرب، انقضوا على سربرنيتسا، فعزلوا ذكورها عن إناثها، جمعوا 12,000 من الذكور (صبيانًا ورجالًا) وذبحوهم جميعًا ومثَّلوا بهم، ومن أشكال التمثيل:

-كان الصربي يقف على الرجل المسلم فيحفر على وجهه وهو حي صورة الصليب الأرثوذكسي (من تقرير لمجلة "نيوزويك" أو "تايم").

-كان بعض المسلمين يتوسل إلى الصربي أن يُجهز عليه من شدة ما يلقى من الألم!

-كانت الأم تمسك بيد الصربي، ترجوه ألا يذبح فلذة كبدها، فيقطع يدها ثم يجز رقبته أمام عينيها!" (5)

فهل بعد هذا تلقي المقاومة سلاحها؟!

 

___________________

(1) في ظلال القرآن الكريم للشيخ سيد قطب، في تفسير الآية 102 من سورة النساء.

(2) تفسير السعدي، تفسير الآية 102 من سورة النساء.

(3) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية، تفسير الآية 102 من سورة النساء.

(4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي، تفسير الآية 102 من سورة النساء.

(5) مقال للأستاذ فهمي هويدي.

 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة