هل تتسع الخلافات بين القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية بشأن احتلال غزة؟

د. خالد سعيد

10 سبتمبر 2025

237

أولت وسائل الإعلام العبرية الاهتمام الكبير بمدى اتساع الخلافات بين القيادات السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني بشأن احتلال مدينة غزة، حتى أفردت لها مساحات واسعة من الكتابة والتحليل، في ظل استمرار المظاهرات والاحتجاجات في أنحاء واسعة من «إسرائيل» تطالب بوقف الحرب على القطاع، ودخول بنيامين نتنياهو في صفقة تبادل أسرى مع حركة «حماس».

الثابت أن جُل تلك الوسائل قد طرحت مساحات واسعة للحديث عن الخلافات الجوهرية، السري منها قبل العلني، بين القيادات العسكرية والمسؤولين السياسيين في الكيان، ليس صحيفة «هاآرتس»، فحسب باعتبارها يسارية بعض الشيء، ولكن أفردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية مساحات واسعة لهذا الأمر، وكأنها الناطقة بلسان حال قادة أجهزة الأمن الصهيونية، ومعها «القناة 12» العبرية.

«عربات جدعون 2» تكبد الكيان الصهيوني أثمانًا باهظة في غزة

سواء في كتاباته بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أو بتحليلاته على بعض القنوات «الإسرائيلية»، فإن المحلل العسكري يوسي يهوشواع، كثيرًا، ما يتحدث عن تأييد متواصل لقادة أجهزة الأمن الصهيونية؛ الجيش و«الموساد» و«الشاباك»، لاتفاق جزئي مع «حماس»، ونقله لتحذيرهم من نتائج سيطرة عسكرية «إسرائيلية» على مدينة غزة، بشأن مدى تكبد العملية العسكرية «عربات جدعون 2» لأثمان باهظة في غزة.

ويبدو أن اطلاعه على مجريات وتسريبات اجتماعات الحكومة «الإسرائيلية» المصغرة للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، قد جعل من يهوشواع المتحدث باسم هذه الأجهزة، خاصة مع إطلاقه للكثير من التحذيرات المتعلقة بصعوبة احتلال مدينة غزة، وكشفه للتباينات الواضحة بين «تل أبيب» السياسية و«الكرياه» العسكرية.

نتنياهو.. شاهد لم ير شيئًا!

الواضح أن نتنياهو أصبح سعيدًا ببروز تلك الخلافات وتصديرها للرأي العام الداخلي في كيانه الغاصب؛ إذ ترى الصحيفة نفسها «يديعوت أحرونوت» في أكثر من موضع، أنه يشاهد تلك الخلافات وقليلاً ما يتدخل لفضها، فيما يسمح، ضمنيًّا، بتسريبات للإعلام العبري بأن أعضاء «الكابينيت» ليسوا على توافق، وإنما مختلفون على كثير من القضايا، كما أن المجتمع الصهيوني قد ابتعد، من جهة ثانية، في حديثه عن وجوب تقديم رئيس الوزراء للمحاكمة، والالتفات فقط لإعادة الأسرى والمحتجزين، رغم أن عائلات ذوي هؤلاء الأسرى يناشدونه، دومًا، ضرورة التوصل لاتفاق يعيد أبناءهم إلى منازلهم.

وللدلالة على تصاعد نبرة تلك الخلافات الداخلية، ما ذكره الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال تامير هايمان، من أن تحقيق النصر في الحرب على غزة يستلزم التوصل إلى صفقة أسرى وإعادة المحتجزين والدفع نحو إقامة إدارة بديلة في القطاع، وذلك في رسالة بعثها إلى نتنياهو، عبر مقال للرأي في «القناة 12» العبرية، في 6 سبتمبر الجاري، الذي كشف خلاله عن معظم الأهداف التي وضعتها بلاده للحرب على غزة غير قابلة للقياس، وما تبقى في الجوهر هو القضاء على «حماس» وإعادة الأسرى، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

صفقة تبادل الأسرى ليست على جدول الأعمال

فكان طبيعيًّا، أن تركز «هيئة البث الإسرائيلية» جزءًا كبيرًا من تقاريرها على رفض نتنياهو لإبرام صفقة جزئية مع «حماس»، كاشفة عن خلافه العميق مع رئيس أركان الجيش إيال زامير، ورئيس «الموساد» دافيد برنياع، والقائم بأعمال رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، الذين يرون أن رفضه يعني زيادة كبيرة في عدد قتلى الجيش «الإسرائيلي»، فيما ترى الهيئة، وهي وسيلة إعلام رسمية، أن رئيس الوزراء لا يريد طرح هذه الصفقة على جدول الأعمال، في الوقت الحالي، بدعوى أن رؤيته اليمينية المتشددة في رفضه لوقف الحرب تنبع من دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب له في استمرار تنفيذ خطة «عربات جدعون 2»، التي تهدف إلى احتلال مدينة غزة.

اتفق رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان العامة بالجيش «الإسرائيلي» العميد يسرائيل شومير، مع رؤية الجنرال تامير هايمان من عدم اقتناعه بأن احتلال غزة سوف يهزم «حماس»، وهو ما نقلته عنه «إذاعة الجيش الإسرائيلي»، في 7 الجاري؛ مؤكداً أنه من الصعب تحديد الموعد والنقطة التي سوف تستسلم فيها «حماس»، ومن الصعوبة بمكان معرفة كم عدد أيام الاحتياط التي سوف يتم استدعاء جنود الاحتياط إليها في العام 2026م.

فيتنام «إسرائيل»!

الغريب أن القائد العسكري البارز في هيئة الأركان لم يستبعد دخول الجيش «الإسرائيلي» في عمليات «عربات جدعون 3 و4 و5 و6»! لذلك لم نفاجأ من تحذير وزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم، من تحويل غزة إلى «فيتنام إسرائيل»، وهو ما لفت إليه المحلل العسكري في صحيفة «هاآرتس» عاموس هرئيل، من تحذير ليس قيادات عسكرية فحسب، بل وزراء من حزب الليكود الحاكم أيضًا، منهم وزير الخارجية غدعون ساعر، ووزيرة العلوم والتكنولوجيا غيلا غمليئيل، ووزير القضاء ياريف ليفين، الذين طرحوا أسئلة صعبة خلال أحد اجتماعات «الكابينيت» بشأن تدهور مكانة الكيان الصهيوني الدولية بسبب استمرار الحرب على القطاع.

الحديث عن هذا الأمر قد لفت «القناة 13» العبرية، في 2 الجاري، من أن مشادات وخلافات عميقة تنشب، دائمًا، بين سموتريتش، وبن غفير من جهة، وزامير من جهة أخرى، حيث هاجم رئيس الأركان وزير المالية، واتهمه بعدم الفهم وعدم التفريق بين الكتيبة واللواء، وكأنه يقول له: اترك ساحة المعركة للعسكر، وارتع في ملعب السياسة وحدك.

زامير: إذا أردتم طاعة عمياء.. أحضروا شخصًا آخر

ثمة إجماع إعلامي على أن رئيس الأركان الجنرال زامير يرى أن استمرار الحرب معناه تكليف الجيش «الإسرائيلي» بحكم عسكري في غزة وزيادة عدد قتلى ضباطه وجنوده، وهو ما لم يقبله خلال اجتماع الكابينيت بحسب «هاآرتس» في الأول من الشهر الجاري، قائلاً لأعضاء «الكابينت»، لأكثر من مرة: «إذا أردتم طاعة عمياء، أحضروا شخصًا آخر»؛ للدلالة على مدى التفاوت في الآراء حيال احتلال مدينة غزة، فضلًا عن صعوبة استدعاء عشرات الآلاف من الاحتياط ومدى تسليحهم.

حتى إن صحيفة «معاريف» العبرية، اعترفت في الثاني من الشهر نفسه، بأن هناك حالة من الغضب الشديد داخل الجيش نتيجة لتردي ورداءة حال ملابس الجنود، وهي واحدة من الحالات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام العبرية، بشأن حالة الغضب التي تجتاح الضباط والجنود الصهاينة داخل غزة، ناهيك عن حالة الإجهاد التي تسود أروقة الجيش في القطاع

يتوازى ذلك كله مع الحديث الإعلامي عن أن العملية العسكرية «عربات جدعون 2» لن تؤدي إلى هزيمة سريعة لـ«حماس»، مثلما يرغب ترمب ومن قبله نتنياهو، وإنما يمكن أن تستمر الحرب لعام قادم، كما يسوء وضع «إسرائيل»، دوليًّا، في ظل ارتفاع مؤشرات الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة