إبادة جماعية في غزة.. وحقيقة وصلت أخيراً للعالم!

لم ترتكب «إسرائيل»
مدعومة بأمريكا خلال الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023م، جرائم حرب فقط، بل مارست
جرائم ضد الإنسانية وفق كل المعايير الدولية، أبرزها الإبادة الجماعية بشكل ممنهج.
منذ اليوم الأول
للحرب، اتبعت «إسرائيل» سياسة قتل جماعي استهدفت فيه السكان من دون تمييز، ودون
خطوط حمراء، وركزت على المناطق المكتظة بالنازحين، مستخدمة أسلحة مدمّرة في مناطق
سكنية، بما فيها قنابل ارتجاجية تؤدي إلى قتل جماعي وتدمير شامل.
كما استهدفت
عائلات بأكملها داخل منازلها ومراكز الإيواء وخيام النازحين؛ ما أدى إلى محو مئات
العائلات من السجلات المدنية، وما زالت تتبع تلك السياسة.
هذه المعلومات
أكدها تقرير للأمم المتحدة صدر في نوفمبر 2024م، إضافة لتقارير منفصلة لـ«العفو
الدولية»، و«هيومن رايتس ووتش».
القتل العشوائي
نفذت طائرات
الاحتلال «الإسرائيلي» عشرات عمليات القصف العشوائي التي استهدفت المواطنين في
الشوارع وعلى المفترقات وأمام البيوت؛ ما أدى لسقوط آلاف الضحايا.
كما استهدفت
عشرات المواطنين بالقصف العشوائي خلال ما يطلقون عليه «عملية تمهيد الأرض لاجتياح
منطقة» مهما كلف الأمر من ضحايا يقتلون بهذا القصف العشوائي ودهساً تحت جنازير
الدبابات.
يضاف إلى ذلك،
قصف سيارات الإسعاف، وطواقم الإنقاذ، والنازحين، والمستشفيات، ومراكز الإيواء،
والصحفيين، والأطفال والنساء وكبار السن وهم النسبة الأعلى من عدد الضحايا، وفق
التقديرات الفلسطينية والدولية.
أبرز عمليات
القتل العشوائي في الفترة الأخيرة، كانت للمجوعين منتظري المساعدات؛ حيث سقط
المئات قتلاً وإصابة أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات الغذائية في ظل حالة
التجويع «الإسرائيلية» على أبواب مقار المساعدات الأمريكية الشريكة في عمليات
القتل تلك.
سياسة التجويع والإغلاق
سياسة التجويع، هي السياسة «الإسرائيلية»
المتبعة منذ اللحظات الأولى للحرب، وبدأت بإغلاق المعابر والمنافذ ومنع إدخال أي
من المساعدات والبضائع والأدوية، وفق تقارير عدة، أبرزها الاتحاد الدولي لعلماء
الإبادة (IAGS)، وتقرير تصنيف الجوع من قبل الأمم المتحدة
(IPC).
وما زال
الاحتلال يستخدم بشكل منافٍ لكل القوانين الدولية، سلاح التجويع، كأحد أبرز
الأسلحة في وجه أكثر من مليوني مواطن، بهدف تهجيرهم قسريًا.
وسقط مئات
الضحايا خاصة من فئة الأطفال نتيجة التجويع وسوء التغذية، وما يزال التجويع يستخدم
في غزة رغم محاولات الاحتلال إنكار ذلك، بالسماح بدخول بعض الشاحنات من أجل إظهار
صورة مغايرة للعالم عن حقيقة الوضع الكارثي والمأساوي في غزة.
التدمير الممنهج للبنية التحتية
دمر الاحتلال
بشكل كامل عشرات المستشفيات والمدارس والجامعات ومحطات الكهرباء وشبكات المياه
والصرف الصحي والبنية التحتية، والمساجد والكنائس.
وهدم شوارع
بأكملها بأحزمة نارية أو بتجريفها، وحالياً يقوم بهدم مربعات سكنية وأحياء
بالكامل، وتحويلها إلى أرض محروقة لا تصلح للحياة، من خلال إدخال عربات مفخخة
وتفجيرها ما يدمر مناطق بأكملها، حيث تعد محافظة رفح مدمرة بشكل شبه كامل، وكذلك
مناطق بيت حانون والشجاعية والزيتون وجباليا.
كيان مظلوم أم ظالم؟
حرب الإبادة على
غزة كشفت حقيقة الاحتلال «الإسرائيلي» أمام العالم والمجتمع الدولي، وباتت صورته
الحقيقة مفضوحة، فبعد أن كان يروج أنه كيان مظلوم، كشفت حقيقة أنه كيان ظالم وقاتل.
هذه الحقيقة لم
تكن وليدة لحظة واحدة أو جريمة واحدة، بل نتيجة تراكم طويل من الأحداث والمجازر
والمذابح.
فبعد نكبة
الفلسطينيين وتهجيرهم وطردهم من بيوتهم وأراضيهم عام 1948م، نجحت «إسرائيل» في
الترويج لنفسها ككيان ديمقراطي صغير محاط بأعداء عرب، موظفة سردية الناجين من «الهولوكوست»
والشعب الذي عاد لأرضه بعد الشتات للحصول على تعاطف غربي واسع.
كما صور
الاحتلال المقاومة الفلسطينية في الإعلام الغربي كـ«إرهاب»، ولقي ذلك صدى واسعاً
واقتناعاً في العالم نظراً لقوة الإعلام الأجنبي الذي تبنى رواية الاحتلال.
جاءت حرب غزة
عام 2023م، بعد سلسلة حروب بدءاً من العام 2008 حتى 2021م، وكانت كل حرب تُعرّي «إسرائيل»
أكثر وتفضح استهداف المدنيين والمنازل والعائلات وقصف المستشفيات والمدارس
والمساجد ومراكز الإيواء، وقتل آلاف الأطفال والنساء وكبار السن، والأطباء
والصحفيين.
تغير تلك النظرة
بدا واضحاً، من تغير مواقف الشعوب الحرة حول العالم، وخروج مظاهرات ضخمة في لندن،
وباريس، ونيويورك، وإسطنبول، وجنوب أفريقيا.. وغيرها.
هل خسرت أم كسبت؟
فهل بالفعل خسرت
«إسرائيل» في حربها المستمرة على غزة أمام العالم أكثر مما كسبت، فقد انفضحت أمام
العالم، وظهرت صورتها الحقيقية وعرف العالم أن الضحية كما روجت للرأي العام
العالمي لا يمكن لها أن تكون المظلومة لطبيعة الانتقام الذي تمارسه ضد مدنيين عزل
لا حول ولا قوة لهم.
وتحوّلت في
أنظار ملايين حول العالم إلى قوة احتلال تمارس الإبادة الجماعية ضد شعب أعزل لا
يطلب سوى حقه في العيش الكريم، وفي أرضه المحتلة.
وتصاعد الحديث
الحقوقي عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ ما أسقط ورقة التوت عن الرواية «الإسرائيلية».
وعلى الصعيد
الدبلوماسي، بدأت بعض الدول تراجع علاقاتها مع «إسرائيل»، وظهر انقسام واضح داخل
الاتحاد الأوروبي حيال الموقف من الحرب.
ورفعت دعاوى
أمام محكمة العدل الدولية ضد «إسرائيل» بتهم الإبادة الجماعية، فيما دول جنوب أفريقيا
وبلجيكا وأيرلندا وبوليفيا ودول أخرى تبنّت مواقف صريحة ضد «إسرائيل».
وتصدعت
التحالفات الغربية، فرغم الدعم الأمريكي العلني ظهرت انقسامات داخل المؤسسات
الأمريكية نفسها (الكونغرس، وزارة الخارجية، الجامعات).
كما انتهت حصانة
«إسرائيل» الإعلامية، حيث فقدت لأول مرة السيطرة الكاملة على الرواية الإعلامية؛
إذ أصبحت وسائل التواصل تنقل الواقع من قلب غزة، بالصوت والصورة.
لكن هل هذا ما
خسرته فقط، بل ستخسر أيضاً المزيد، فهناك ملاحقات قانونية دولية متواصلة، وصدرت
مذكرات توقيف دولية بحق مسؤولين «إسرائيليين»، إضافة لتآكل مكانتها في الأمم
المتحدة مع تزايد التعاطف مع فلسطين داخل الهيئات الأممية.
المطلوب لتعزيز المظلومية
لتعزيز مظلومية
الشعب الفلسطيني وإيصالها بفاعلية للعالم، لا يكفي الاعتماد على عدالة القضية
وحدها، بل يجب العمل بخطاب مدروس، وتحرك جماعي، وتحرك قانوني وحقوقي لتفنيد رواية
الاحتلال.
في الخطوة
الأولى، مطلوب توحيد الخطاب الإعلامي الفلسطيني والعربي والتركيز على القضايا
الإنسانية، والحديث عن العائلات التي أبيدت والشهداء من الأطفال والنساء والصحفيين
والأطباء، والحديث عن تجويع غزة، وتدمير البنية التحتية والمدارس والمستشفيات
والمؤسسات، بلغات عديدة تصل جميع العالم ومؤسساته.
يرافق ذلك تحرك قانوني وحقوقي دولي، يعتمد على ما يتم ويجب توثيقه من جرائم بالأدلة والشهادات
لرفعها أمام محكمة الجنايات الدولية والمؤسسات الأممية والقانونية الدولية، إضافة
لدعم الجهود القانونية الحالية مثل القضايا المقدمة من جنوب أفريقيا وأيرلندا
وبلجيكا ضد «إسرائيل».
يجب أيضاً تنظيم
مظاهرات ضخمة مستمرة في كل دول العالم، واستثمار حراك النقابات والطلاب والجامعات،
مع استمرار الضغط الشعبي على الشركات والمؤسسات المتواطئة مع الاحتلال في إبادة
غزة.