إن لنفسك عليك حقاً

محرر المنوعات

11 أغسطس 2025

112

غالبًا ما يغرق الإنسان في أمور دنياه منشغلًا بماله، وعمله، وأهله، وولده، غافلًا عن نفسه، وحقوقه، وكأنه خُلق للكدّ والتعب والمعاناة فحسب، إلا أن ديننا يسر، قال تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسَدَّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (متفق عليه).

فالدين الإسلامي دين يسر لا غلو فيه ولا تشديد، فحينما زار سلمان الفارسي أخاه أبا الدرداء وجده قد انقطع للعبادة حتى أهمل حق زوجته وحق نفسه، فقال له: «إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صدق سلمان».

إن لنفسك عليك حقاً دينيًا

أمرنا الإسلام بالعبادة والعمل، ونهى عن المعصية والكسل، وفي الوقت ذاته حذرنا من المشقة والمبالغة في العبادة، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) (النساء: 171)، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتيسير وكان حريصاً على عدم المشقة علينا، فظل يخفف في الصلاة إلى أن جعلها الله 5 صلوات في اليوم والليلة بدلًا من 50 صلاة.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتيسير، حيث جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بما يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: وأين نحن مِن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فزعم أحدهم أنه سيصلي الليل أبدًا، وزعم الآخر أنه سيصوم الدهر ولا يفطر، وأما الثالث فقال: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا، قال لهم: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمَن رغِب عن سنتي فليس مني».


انظر أيضًا: فقه الأولويات.. بين الحاجة للعبادة والحاجة للعمل


إن لنفسك عليك حقاً تربويًا

لا بد أن يربي الإنسان نفسه وأولاده على التوازن والاعتدال بين العمل والراحة، فالراحة جزء من النجاح، ولا يمكن أن يستمر المسلم في العمل –دينياً أو دنيوياً- بجد واجتهاد دون أن يأخذ قسطًا من الراحة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه».

لذا، يجب على المسلم ألا يشق على نفسه في العمل أو العبادة، وأن يأخذ قسطًا من الراحة بين الحين والآخر، وأن يرفه عن نفسه وأهل بيته في ضوء الضوابط الدينية، ليكونوا قادرين على المداومة والاستمرار في أمور دنياهم وآخرتهم.

إن لنفسك عليك حقاً صحياً

إن اهتمام الإسلام بالصحة والجسد لا يقل أهمية عن اهتمامه بالعبادة والعمل، فعن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عبدالله، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟»، قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: «فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».

لذا، وجب على كل مسلم أن يهتم بجسده وصحته، ولا ينشغل عنهما بأمور دنياه، لأن الصحة لو فقدت ما استطاع الإنسان أن يداوم على عمله وعبادته، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مارسوا العديد من الأنشطة البدنية كالرمي وركوب الخيل والمصارعة والمشي، وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» (رواه مسلم).


انظر أيضًا: 5 أنواع للصحة.. أهمها «الروحانية»


إن لنفسك عليك حقاً نفسياً

لم يهمل الإسلام يومًا الناحية النفسية للمسلم، بل اهتم براحته النفسية كاهتمامه بصحته الجسدية، فطمأنينة القلب تطفئ القلق والتوتر، والطمأنينة تكون بالذكر والدعاء، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28)، وكان صلى الله عليه وسلم دائمًا ما يستعيذ من الهم والحزن، فكان يقول: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الهم والحزن» (رواه البخاري).

فالتخلص من القلق مطلب شرعي؛ ذلك لأن التوتر النفسي والاضطراب والقلق المزمن يستنزف طاقة الجسد، ويضعف التركيز، وهذا في حد ذاته يؤثر على أداء المسلم في العبادة والعمل، وعلى الجانب الآخر؛ فإن النفس الهادئة تمنح صاحبها الخشوع، وتجعله يستشعر حلاوة العبادة وتهون عليه مشقة العمل، وتزيد من إبداعه وقدرته على حل المشكلات، فاهتم بقلبك وراحتك النفسية لتكون عونًا لك على الطاعة.

إن لنفسك عليك حقاً اجتماعياً

كثير من الناس ينشغل بالمال عن العلاقات، متناسيًا حقه وواجبه الاجتماعي تجاه نفسه ورعاياه، فعن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، فالإنسان سيسأل عن رعاياه، هل أعطاهم الوقت الكافي للتحدث والجلوس معهم وسماعهم أم لا.

ولأهمية العلاقات جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلة الأرحام من علامات كمال الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»، فالجانب الاجتماعي، وتوطيد العلاقات من أهم الجوانب التي اهتم بها الإسلام؛ لذا وجب على المسلم الاهتمام بهذا الجانب وعدم إغفاله.

من هنا يتبين أن الإسلام اهتم بالنفس البشرية، لأنها المركب الذي تحمل المسلم في طريقه إلى الله تعالى، فإن أهملها تعطّل المسير، وإن أرهقها توقفت به قبل بلوغ الغاية، فلا بد أن نعطيها حقها من الراحة والغذاء، والعبادة والذكر، والطمأنينة والسكينة من غير إفراط أو تفريط.

 



__________________

1- عبدالكريم بن عبدالله، إرشاد الأخيار إلى شرح جوامع الأخبار.

2- كتاب «من مشكاة النبوة».

3- https://n9.cl/75py5.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة