نصرة فلسطين بالأعمال لا بالأقوال
المؤتمر الشعبي
العالمي لنصرة فلسطين، الذي عقد بمدينة إسطنبول التركية يومي 22 و23 مايو مَثَّلَ
نقلة نوعية في العمل من أجل فلسطين
جاء المؤتمر تحت
شعار «نحو نصرة دائمة لفلسطين»، وهذا يعني أن المؤتمر لم يكن تظاهرة سياسية آنية،
أو منصة للخطباء يفرغون منها شحنات الغضب، لكنه ركز على العمل أكثر من الكلام.
المنظمون اهتموا
بالكيف لا الكم: ونوعية المشاركين في المؤتمر برهنت على أن فلسطين هي قضية عربية
وإسلامية وإنسانية، إذ نجح المؤتمر في حشد ما يقرب من 500 شخصية عربية ودولية
إسلامية ومسيحية أعادت الأذهان إلى ما عرف قبل الإسلام بحلف الفضول الذي تعاهد فيه
مجموعة من شرفاء العرب في مكة على نصرة المظلوم ومقاومة الظالم وهذا ما دعا
العلامة الشيخ يوسف القرضاوي إلى التفاؤل والاستبشار والتأكيد أن قضية فلسطين التي
جمعت في هذا المؤتمر كل هؤلاء على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم.. قضية منتصرة
بمشيئة الله، قائلا: إن دعوات المظلومين، ودموع اليتامى، وأنات الثكالى ودماء
الشهداء لا يمكن أن تذهب هباء أو تضيع سدى.
صرخة استغاثة
ولعل من حسن
الترتيب في المؤتمر الذي ترأسه المشير عبد الرحمن سوار الذهب –رئيس السودان
الأسبق– أن بدأ بصرخة الشيخ المجاهد رائد صلاح حارس الأقصى الذي حذَّر من أخطار
هدم المسجد الأقصى بفعل الحفريات والأنفاق التي تتم من تحته وحوله، ونداء
الاستغاثة الذي أطلق للعالم عامة والمسلمين بخاصة، المساندة أهل القدس الذين
يتعرضون اليوم الحملة جديدة من هدم البيوت والطرد والتهجير.
ثقة في النصر
واختتم المؤتمر
بالكلمة الرائعة الواثقة التي ألقتها السيدة رشا العدلوني زوجة الشهيد القائد
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي التي أكدت فيها على استعداد الفلسطينيين للتضحية في
سبيل تحرير فلسطين ومقدساتها وأقصاها، وأن جرائم العدو لم تنل من عزيمة المجاهدين،
وأنهم ماضون في المقاومة باعتبارها الخيار الوحيد لتحرير فلسطين، مؤكدة ثقتها في
النصر واسترداد فلسطين ومقدساتها.
حشد القوى وتعبئة الجهود
المؤتمر نجح في
حشد قوى المجتمع المدني الفاعلة في ائتلاف وتحالف شعبي للتضامن مع فلسطين عبر نصرة
دائمة تتجاوز الاستجابة الآنية والفعل الظرفي الطارئ، ووجدنا شخصيات ومؤسسات
ومنظمات عربية وغربية توحدت جهودها لنصرة فلسطين.
المؤتمر يطلق مجموعة من المشاريع العملية
ويتحول إلى مؤسسة للنصرة الدائمة لقضية فلسطين
ونجح في تنسيق
جهود اللجان وفرق العمل الناشطة في مجال نصرة فلسطين وإعادة إعمار غزة ودعمها
بالإمكانات والخبرات والتمويل المتاح، وأعلنت فيه مبادرات عملية كالتوأمة التي
أعلنها عمدة أكبر مدينة في اليونان نيابة عن تسع مدن يونانية قررت التآخي مع مدن
فلسطينية بصورة عملية سبقت فيها مدنا عربية وإسلامية.
مشاريع عملية
كما أطلقت في
المؤتمر مجموعة من المشاريع العملية، ففي مجال الإعمار والتنمية مشروع رفع الأنقاض
وإعادة تدويرها، ومشروع إعادة بناء المباني المدمرة جزئيا في غزة، ومشروع إنشاء
محطة معالجة مياه الصرف الصحي، وشراء عدد من المولدات الكهربائية المتنقلة ومشروع
وقفية استملاك وحماية عقارات البلدة القديمة بالقدس.
وفي الجانب
القانوني: تم إنشاء اللجنة القانونية الدولية لنصرة فلسطين بهدف حشد قوى الأفراد
والمؤسسات وتنسيق جهودها في الميادين القانونية والقضائية، والتعاون بين الهيئات
البرلمانية والعدلية المختلفة، وتنفيذ معارض متنقلة تحوي إثباتات وقرائن للجرائم
الصهيونية.
وفي الجانب
الإغاثي والإنساني: تم الإعلان عن منسقية لشؤون الإغاثة تتولى جهود العمل الإغاثي
والإنساني بين الجهات المهتمة بدعم الفلسطينيين في المجال الإنساني في الخارج،
والجهات العاملة في الداخل الفلسطيني.
وفي مجال
التعاون والتضامن والتعبئة: تم تشكيل لجنة تنسيقية دائمة لتحقيق التفاعل التعبوي
السريع مع تطورات الأحداث في فلسطين وتقديم الدعم والإسناد المعنوي لأهلنا في
فلسطين والتوعية بحقائق العدل والحق في القضية الفلسطينية، إضافة إلى اعتماد عدة
مشروعات، منها: حملة «كلنا مقدسيون»، وحملة «الأقصى ينادي»، وحملة «حقهم في العيش
والعدل والعودة»، وحملة «معارف فلسطينية».
وفي مجال المقاطعة الاقتصادية
اتفق المؤتمرون
على إطلاق الهيئة العالمية الشعبية للمقاطعة لتصبح إطارا تنسيقيا جامعا يضم أهم
مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بالمقاطعة، ومد جسور التعاون مع المؤسسات
والجهات التي بادرت بمقاطعة المؤسسات والشركات الصهيونية، أو الشركات الداعمة
للعدوان الصهيوني.
9 مدن يونانية تعلن في المؤتمر تآخيها مع
تسع مدن فلسطينية بصورة عملية
وفي مجال مواجهة
الحصار وفتح المعابر اتفق المؤتمرون على تنشيط الضغوط الشعبية والفعاليات الداعية
لإنهاء الحصار الظالم، وفتح المعابر عمومًا، ومعبر رفح خصوصًا، ودعوة الشخصيات
السياسية والأكاديمية والدينية والشعبية من مختلف البلدان الزيارة قطاع غزة، ورفض
الحصار المفروض على أهله، وتنسيق حملات إنسانية عالمية مستمرة لكسر الحصار المفروض
على الشعب الفلسطيني.
أوراق مهمة
توزعت أعمال
المؤتمر على عشر ورش متخصصة، وثلاث ندوات عامة، وتضمن العديد من المشاريع
والأوراق، من بينها ورقة الإعلامي غسان بن جدو حول الإعلام والمقاومة في زمن
التحديات، حيث أشار فيها إلى وجود إعلام للمقاومة، وإعلام مقاوم، وإعلامي مقاوم..
تمامًا كما يوجد بلاء الإعلام المعادي للمقاومة، والمحرض عليها والعامل ضدها.
وأشار «بن جدو»
إلى أن الإعلام العربي المنحاز للمقاومة نجح خلال السنوات الأخيرة في وضع حد
للممنوعات الإعلامية التي تسمى بالمحظورات المهنية التي ثبت بعد التجربة أنها لم
تخدم إلا المحتل والمعتدي، بل كأنها وضعت أساسًا لصالح المجرم على حساب الضحية.
وقال: إن أحد
أبرز الأمثلة على كسر هذه الممنوعات المهنية المغشوشة، هو إلزام القنوات المرئية
بعدم بث صور المجازر بحجة أخلاقية كاذبة، كالقول بأن بث صور الأطفال والجرحى
والجثث هو أمر يخدش الذات البشرية ويسيء إلى الضحية الجريح أو القتيل، وقال: إن
أصحاب هذه المدرسة السائدة منذ عقود هم أنفسهم من تستروا على المجازر«الإسرائيلية» ضد الفلسطينيين واللبنانيين مثلًا، لكن بعض الإعلام العربي تحدى هذه
القوالب وأظهر صور المجازر في حرب يوليو 2006م، وبشكل أكبر وأوضح في الحرب على غزة
2009م.
نصرة فلسطين في الغرب
وتحت عنوان
«نصرة فلسطين في الغرب.. خيارات وآفاق ومتطلبات جاءت ورقة الإعلامي حسام شاكر،
التي أشار فيها إلى أن نصرة القضية الفلسطينية في الغرب تقتضي اعتماد خيارات
أساسية من قبيل: استثمار فعالية المجتمع المدني في الغرب، الذي يتميز بالفعالية
وله دور مهم في التأثير والضغط».
والتركيز على
الأبعاد الحقوقية في قضية فلسطين، والتركيز على المسؤولية التاريخية لأوروبا
والغرب نحو فلسطين باعتبار أن احتلال فلسطين لم يكن ليقوم أو ليستمر لولا الدعم
الغربي بشتى صوره والاهتمام بتوضيح المظلمة الهائلة التي وقعت على شعب فلسطين وما
زالت فصولها تتلاحق، وتنويع خيارات التواصل ومضامينه مع فئات الجمهور في العالم
الغربي حسب الشرائح والأوساط والبيئات.
الشيخ صلاح يحذر من الأخطار التي تهدد «الأقصى»
ويطلق نداء استغاثة المساندة المقدسيين الذين يتعرضون للطرد وهدم البيوت
وأشار «شاكر»
إلى ضرورة الاهتمام بالمنطق المطلبي في التواصل مع صانعي القرار في الغرب، معتبرًا
أن استدرار العطف منهم لا يمكن أن يقود إلى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني،
والتعامل اللائق مع قضيته ومقتضياتها، بل ينبغي اعتماد مطالب محددة والاحتجاج
بأسانيد قوية خلال التواصل مع صانعي القرار الغربي بهدف نصرة قضية فلسطين.
وأضاف «شاكر
قائلًا: إن عزل الاحتلال من المسؤوليات الأساسية الملقاة على عاتق نصرة فلسطين في
الغرب، وقطع الطريق على أي دعم مقدم للاحتلال القائم على أرض فلسطين وحث الشعوب
الغربية الحرة على مساندة العدل والحرية والوقوف ضد الظلم والاحتلال، ودعوة قادة
الرأي الغربيين إلى إدراك خطورة المظلمة التاريخية الواقعة على الشعب الفلسطيني..
هوامش على المؤتمر
1- جاء المؤتمر
بجهود متكاملة لعدد من الشخصيات الخليجية والأوروبية الذين قاموا بالإعداد
والترتيب والتنظيم لهذا المؤتمر العالمي الكبير.
2- لفت نظري أن
الشخصيات التي كانت وراء هذا المؤتمر لم تتسابق على المنصات والميكروفونات، بل
كانت تتعمد الاختفاء والبعد عن الأضواء والكاميرات محتسبة الأجر عند الله.
3- المؤتمر أمه
عدد كبير من الشخصيات الأوربية المؤثرة في بلدانها والمناصرة لقضية فلسطين، وكان
حضورها ثمرة لجهود مجموعة من الشباب العرب الناشطين في أوروبا، الذين نجحوا خلال
سنوات قليلة في تحقيق إنجازات عظيمة فشل في تحقيقها عشرات السفراء والسفارات
العربية والإسلامية.
4- حظيت كلمة
الشيخ رائد صلاح –حارس المسجد الأقصى– باهتمام كبير من أعضاء المؤتمر، وكان لها
أبلغ الأثر في تحفيز الهمم والتركيز على الأعمال لا الأقوال.
5- عندما قدم
المؤتمر السيدة أم محمد على أنها أرملة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي أبدت تحفظها
موضحة بأنها زوجة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وليست أرملته؛ لأن الشهداء ليسوا
أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، وقالت: اسمي رشا صالح العدلوني الحاصلة على
ليسانس أصول الدين، وماجستير التفسير من الجامعة الإسلامية بغزة ومسؤولة العمل
النسائي بالمجمع الإسلامي.
6- د. يوسف
القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وشيخ فلسطين والقدس والأقصى، حرص
على حضور المؤتمر، والمشاركة في كل جلساته رغم ظروفه الصحية.
7- المؤتمر أكد
أن فلسطين حاضرة في قلوب كل الأجيال وعقولهم، حيث شاهدنا شبابًا في العشرينيات
وشيوخا في الثمانينيات، وكان المشاركة الشيوخ ومناقشاتهم أبلغ الأثر، ومن هؤلاء
المستشار عبد الله العقيل من السعودية والشيخ يوسف الحجي من الكويت والدكتور عمرالأشقر من الأردن، والشيخ محمد أمين سراج من «تركيا»
8- نجح المؤتمر
في جمع شخصيات مؤثرة من مختلف الساحات العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية،
واهتم بالكيف لا الكم، حيث تميز المشاركون بقوة التأثير في ساحاتهم.
9- هذا النجاح
كان وراؤه عدد من العرب الناشطين في الساحة الأوروبية من أمثال: عادل عبد الله
وماجد الزير وشكيب بن مخلوف، ود. محمد صوالحة وغيرهم من الجنود المجهولين(1).
للمزيد:
1- وانقلب السحر على الساحر الصهيوني!
3- «هولوكوست» اليهود و«محرقة»غزة.. هناك فرق!
5- تدمير مساجد غزة.. جريمة لا تُغتفر
7- المشرَّدون ما زالوا في العراء
_________________
(1) نُشر بالعدد
(1855)، 13 جمادى الآخرة 1430هـ/ 6 يونيو 2009م، ص16.