قضية فلسطين في كفة الإسلام

نحن على يقين أن
حربنا ضد الصهيونية لن تؤتي ثمارها؛ إذا لم يتحدد الهدف وتنكشف وجهة المقاتل.
وقبل أن نتحدث
عن الحرب نحب أن نقول إن الحرب في حد ذاتها ليست غاية، ولكنها وسيلة لغاية،
وغايتنا من الحرب لا ينبغي أن تخرج عن الإطار الإسلامي الذي حدده قوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج :41).
لسنا مستعدين لإقامة دولة علمانية في فلسطين
وعلى طريق
الإسلام نحب أن نكون على بينة من قتالنا في فلسطين، نحب أن نلتزم بالإسلام في
وسيلتنا وغايتنا.
إننا لسنا
مستعدين لنكتب بدماء أبنائنا وثيقة إقامة دولة علمانية في فلسطين.. ولسنا مستعدين
لأن نكتب بدمائنا إقامة دولة شيوعية في فلسطين.. لسنا مستعدين لهذا ولا ذاك،
والشيء الوحيد الذي نقبله ونقبل بذل أرواح ملايين المسلمين في سبيله هو فلسطين المسلمة.
هذه فلسطين التي نعرفها
إن فلسطين التي
نعرفها هي الأرض التي شرفت بميلاد سيدنا المسيح عيسى بن مريم، وشرفت بهجرة إبراهيم
من قبل، وشرفت بإسرائيل (يعقوب) عليه السلام، وشرفت بإقدام كليم الله موسى، وشرفت
بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى سدرة المنتهى..
هذه هي فلسطين
التي نعرفها.. نعرفها دينًا ونعرفها بعد ذلك أرضًا.. نعرفها مسجدًا ونعرفها بعد
ذلك بيارة وزيتونة.
إن الذين
يتصورون أن صرخات المسلمين في الهند والتي تسببت في مذابح الآلاف منهم كانت لنصرة
الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية والإمبريالية.. قوم لا عقل لهم.. والذين يتصورون
تدافع أبناء نيجيريا والصومال وغرب أفريقيا والشباب الثائر في أمريكا اللاتينية..
لنصرة شعب فلسطين فقط قوم لم يفهموا طبيعة المعركة.
الحافز الإسلامي هو الذي دفع بقضية فلسطين إلى القمة
إننا نقول بوضوح:
إن الحافز الإسلامي هو الذي دفع بقضية فلسطين إلى هذه القمة العالية، وليس الحافز
الوطني أو الشعبي.. ولعل صفحات تاريخ الأمة العربية تعطينا هذا المفهوم وتؤكده
لنا..
إن الأمة
العربية من المغرب إلى الخليج العربي كانت مقسمة بين المستعمرين منذ أكثر من قرن..
ومع هذا كان الصراع لا يتجاوز الإقليمية إلا في حدود ضيقة.. كانت تسمع صيحات تأييد
خافتة في الدول العربية وصيحات تأييد أضعف منها في الدول الإسلامية.. ومرجع هذا أن
هذه الثورات كانت تنتمي للشعوبية والإقليمية ولم تتجاوزها إلى الإسلامية.
أما قضية فلسطين
فهي الآن تشد ملايين المسلمين إليها حافزهم واحد وهو تحرير أرض الإسلام بمحتواها
التاريخي والإقليمي.. تحرير الأرض التي تنتمي تاريخًا وعقيدةً إلى الإسلام،
وتحريرها من الصليبية المتعاطفة مع الصهيونية المتآمرة مع الشيوعية ضد الإسلام.
ورحم الله
البشير الإبراهيمي الذي كيّف طبيعة المعركة منذ ربع قرن قال: «هل يُلام العرب
والمسلمون إذا اعتقدوا أنها حرب صليبية بعض أسلحتها اليهود؟!».
المؤتمر الإسلامي بالقدس
ولعلنا نجد آلاف
الأمثلة من التاريخ لتأييد وجهة نظرنا، ونؤكد أن قضية فلسطين لو لم تحظ بالتأييد
الإسلامي لما كان لها كل هذا الضجيج في العالم كله.. إننا لا ننسى أنه منذ أربعين
سنة انعقد مؤتمر إسلامي في القدس شهده مندوبون عن اثنتين وعشرين دولة إسلامية
واتخذ قرارات تأييد ومناصرة فلسطين المسلمة، ولم ينتهِ الأمر عند القرارات، ولكن
تجاوزه إلى جمع تبرعات من الهند ودول العالم الإسلامي.
ولعلنا نذكر أن
هذا المؤتمر وأمثاله كان بتجميع إسلامي رغم كل الظروف المحيطة بالعالم الإسلامي.
إننا لا نستطيع
أن نضع في هذه المقدمة الموجزة كل ما يثبت صحة ما نقول، ولكن الذي لا يستطيع أن
ينكره إنسان عاقل أن قضية فلسطين لا يمكن أن تأخذ هذا الدور الكبير والمجال
العريض، إلا لأن المسلمين ينظرون إليها من خلال دينهم وتاريخهم وآثارهم، وكل ما
نخافه أن يغفل القائمون على العمل الفلسطيني هذه الحقيقة، ويومها لن نجد هذا الحشد
الكبير من حولنا.. ثم نلوم أنفسنا بعد ذلك ولن ينفع الندم(1).
للمزيد:
- الحركة الصهيونية.. عوامل النهوض والانهيار
- أيها
المنهزمون.. اتركوا الساحة لأهل الجهاد في فلسطين!
- القدس
ستبقى همنا الأكبر مهما كثرت المشكلات
- محاولة
لفهم الجذور الثقافية للتأييد الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل»
- خطأ
مقولة: «نقبل بما يقبل به الفلسطينيون»!
_________________
(1) نُشر بالعدد
(12)، 28 رجب 1390هـ/ 2 يونيو 1970م، ص12.