الفجوة بين التعليم وسوق العمل.. هل فشلت الجامعات في معالجاتها؟

محرر المنوعات

02 نوفمبر 2025

127

في زمن تتسارع فيه المعرفة كما تتسارع أنفاس المدن وقمم الناطحات، تبقى المدارس والجامعات جزيرة معزولة، علمها لا يتخطى –غالبًا– حاجز القاعات التي بنيت وصممت بأيدي ذوي الخبرة والتجربة، بينما الواقع يصرخ خارج الأسوار أنه بحاجة إلى علم حيّ ينطلق من تجاربه، ويلبي رغباته واحتياجاته، هكذا تنشأ الفجوة بين التعليم وسوق العمل، تلك المسافة القاتلة بين ما يدرس في الكتب والجامعات، وما يمارس على أرض الواقع، فجوة حقيقية بين الفكر الذي يقال والعمل الذي يفعل.

الفجوة بين التعليم وسوق العمل.. أزمة كل عصر

الفجوة بين التعليم وسوق العمل ليست مجرد ظاهرة تعليمية عابرة، بل أزمة متجذرة في النظام الأكاديمي نفسه، فالجامعات تخرج أجيالًا تحفظ المعرفة أكثر من فهمها وتوظيفها -هذا إن كانت المعرفة نفسها مناسبة لسوق العمل، ومتطورات العصر- بينما تبحث سوق العمل عن الكفاءة والخبرة لا الشهادة والدرجات.

الفجوة بين التعليم وسوق العمل.. أسبابها

تتعدد أسباب الفجوة بين التعليم وسوق العمل ما بين أسباب منهجية متمثلة في اعتماد المناهج على التلقين وعدم تحديثها ومواكبتها للتطورات شبه اليومية في سوق العمل، وأسباب مؤسسية متمثلة في غياب –أو انعدام– التواصل بين الجامعات وسوق العمل، وأسباب ثقافية متمثلة في النظرة إلى العلم كمكانة ومنصب لا كوسيلة وأداة للعمل، كما أن هناك أسباباً اقتصادية تتبلور في ضعف الاستثمار في الأبحاث التطبيقية والتدريب المهني، وهناك أسباباً أخرى مثل انفصال الأساتذة عن الميدان العملي والواقع السوقي، إلى جانب غياب التدريب العملي وما إلى ذلك.

انعكاسات الفجوة بين التعليم وسوق العمل على الواقع

الفجوة بين التعليم وسوق العمل مثلها مثل داءٍ ألمَّ بشاب في ريعان حياته، فغيَّر ملامحه، وأذبل وجهه، وأطفأ بريق عينيه، وأوهن ظهره، حيث تظهر آثار الفجوة بين التعليم وسوق العمل بشكل واضح في بطالة الخريجين الذين تخرجوا دون مهارات تطبيقية، وأبحاث علمية لا طريق لها إلى سوق العمل، وهجرة العقول –وفرارها– إلى بيئات تقدرها فعليًا على أرض الواقع.

وإن من انعكاسات هذه الفجوة أن تحولت الأبحاث العلمية إلى أوراق محفوظة على رفوف المكتبات، وأضحت المشروعات أفكاراً يتيمة لا تجد من يحتضنها، وكأن المعرفة تسبح في اللاشيء، بلا جسر يربطها بالحياة الحقيقية.

هل فشل الجامعات في معالجة الفجوة بين التعليم وسوق العمل؟

بعد أن فشلت الجامعات في معالجة الفجوة بين التعليم وسوق العمل على مدار العقود الماضية، بدأ بعضها يدرك أن الإصلاح الحقيقي، وعلاج هذه الفجوة يبدأ من الميدان وسوق العمل، فظهرت مبادرات تربط بين التعليم وسوق العمل، وأصبحت المناهج توضع حسبما تقتضيه هذه العلاقة، وأصبح الطلاب مشاركين فعليين في مشروعات واقعية، وتحول البحث العلمي إلى طاقة إنتاجية كبرى، كما منح التعليم الإلكتروني والمنصات التطبيقية الفرصة للمؤسسات العلمية في تضييق هذه الفجوة عبر تدريب الطلاب على المهارات الواقعية في بيئة رقمية تفاعلية.

إن معالجة الفجوة بين التعليم وسوق العمل لا تقتصر على تحديث المناهج العلمية، بل تتطلب إعادة نظر شاملة في معنى العلم ذاته، والبحث عن آليات نفعه، وطرق الاستفادة منه، إلى جانب معلم يدرس ما يدرّس، وجامعة تخرج الباحث لا الحافظ، وتعليم يجعل من القلم جسرًا إلى ميدان سوق العمل، لا جدارًا بينهما.




________________

1- كتاب: مخرجات التعليم وسوق العمل في دول مجلس التعاون.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة