محور المقاومة و«حماس».. تحالف ثابت في مواجهة المتغيرات الإقليمية

د. أمجد بشكار

10 أغسطس 2025

138

منذ عقود، يُعد «محور المقاومة» مصطلحًا يشير إلى شبكة من القوى السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط التي تتبنى موقفًا صريحًا مناهضًا لـ«إسرائيل» وللهيمنة الغربية وعلى رأس هذا المحور تقف إيران، و«حزب الله» اللبناني، والحركات الفلسطينية المسلحة وفي مقدمتها حركة «حماس».

ومع تصاعد المواجهات العسكرية في المنطقة لا سيما بعد الحرب «الإسرائيلية» على غزة في أكتوبر 2023م وتجدد الاشتباكات مع «حزب الله» في جنوب لبنان، بدأ البعض يتساءل: هل ما زال التحالف بين أطراف محور المقاومة، خاصة مع «حماس» متماسكًا، أم أن المتغيرات السياسية والعسكرية والضغوط الإقليمية والدولية بدأت تؤثر على وحدة هذا المحور؟

الوقائع، رغم تعقيدها تشير إلى أن التحالف بين «حماس» ومحور المقاومة لا يزال قائمًا بل وربما يتجه نحو مزيد من التنسيق والاندماج في المرحلة المقبلة، وعلى الرغم من الضربات التي تلقاها «حزب الله» بداية من «البيجر» حتى اغتيال الأمين العام حسن نصر الله أو الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي تتعرض لها إيران؛ لذا، فإن هذا المقال يستعرض الأسس التي يقوم عليها هذا التحالف ومآلاته، ومبررات استمراره، بل وتعززه مستقبلاً.

مفهوم التحالف السياسي وإشكال التنزيل على علاقات المقاومة الفلسطينية وجهود إسنادها | مجلة المجتمع
مفهوم التحالف السياسي وإشكال التنزيل على علاقات المقاومة الفلسطينية وجهود إسنادها | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

أولًا: ما هو «محور المقاومة»؟

مصطلح أو مفهوم محور المقاومة هو تكتل غير رسمي يضم دولاً وحركات تعتبر نفسها في حالة صراع مفتوح أو مستمر مع «إسرائيل» والولايات المتحدة وحلفائهما في المنطقة، ويضم هذا المحور:

- إيران، التي تعتبر الداعم المركزي سياسياً وعسكرياً ولوجستياً.

- «حزب الله» في لبنان الذي يمثل إحدى أقوى أذرع المحور عسكرياً.

- سورية، التي رغم أزمتها الداخلية والتغييرات التي طرأت على بنيتها السياسية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة لا تزال تُشكّل ركيزة أساسية في حسابات محور المقاومة، نظرًا لموقعها الجغرافي الحساس وتحالفاتها الإقليمية المتجذّرة، فرغم ما عانته من حرب داخلية دامية وتدخلات خارجية بقيت دمشق حاضرة بقوة في معادلة التوازنات الإقليمية.

ومع تصاعد الدعم «الإسرائيلي» للعمليات العسكرية ضد قوى المحور تتزايد التقديرات بأن الجبهة السورية مرشحة للاشتعال من جديد، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في الجنوب السوري، والتحركات الميدانية التي تشير إلى استعدادات قد تؤسس لمرحلة جديدة من المواجهة المباشرة أو غير المباشرة.

إن استمرار وجود القوات الحليفة على الأراضي السورية، وتنامي التنسيق الأمني والعسكري مع قوى إقليمية فاعلة يعزز من فرضية أن سورية لن تبقى ساحة هادئة، بل قد تعود إلى الواجهة كأحد المسارح المركزية للصراع، ومع تنامي الاستهدافات الجوية بالأيام الأخيرة داخل سورية يعطي مؤشراً على ازدياد احتمالات أن تتحول الجبهة السورية إلى ساحة مواجهة مفتوحة؛ الأمر الذي يُعيد ترتيب الأولويات لدى محور المقاومة، ويضع دمشق مجددًا في قلب المعركة الإقليمية.

- حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في فلسطين اللتان تمثلان جناحي المقاومة الفلسطينية المسلحة.

- إلى جانب أطراف أخرى في العراق واليمن مثل «الحشد الشعبي» وجماعة «أنصار الله» (الحوثيين).

سيناريو الحرب والمواجهة في جبال اليمن ومياهه الإقليمية | مجلة المجتمع
سيناريو الحرب والمواجهة في جبال اليمن ومياهه الإقليمية | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

ثانيًا: جذور التحالف بين «حماس» ومحور المقاومة:

رغم الخلفيات العقائدية المختلفة بين «حماس» (السُّنّية) وإيران و«حزب الله» (الشيعية)، فإن ما يجمع الطرفين هو أعمق من الخلافات الطائفية؛ العدو المشترك كـ«إسرائيل» وأمريكا، ورفض التبعية للغرب.

بدأت العلاقة بين «حماس» وإيران في التسعينيات وبلغت ذروتها خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005م)، حيث وفرت طهران الدعم المالي والعسكري لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ومع فوز حركة «حماس» في انتخابات عام 2006م وتعرضها للحصار ازداد اعتمادها على الدعم الإيراني.

لكن التحالف مرّ بفترة برود مؤقتة أثناء الثورة السورية حيث انحازت «حماس» حينها إلى صف الشعب السوري على حساب نظام بشار الأسد؛ ما أثار تحفظات طهران ودمشق و«حزب الله»، إلا أن الحسابات الإستراتيجية سرعان ما أعادت ترميم العلاقة خاصة مع تصاعد المواجهات في غزة، وظهور الحاجة المتبادلة بين الطرفين.

ثالثًا: ما بعد حرب غزة 2023م.. تنسيق أعمق:

شكّلت حرب غزة 2023 بعد عملية «طوفان الأقصى» نقطة تحول مفصلية في مسار الصراع مع الاحتلال «الإسرائيلي» ليس فقط على مستوى المواجهة العسكرية، بل أيضًا فيما تبعها من تحولات إقليمية وديناميكيات جديدة فرضت نفسها على مختلف الفاعلين، فقد أظهرت هذه الحرب تطورًا ملحوظًا في أداء فصائل المقاومة الفلسطينية خصوصًا حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، سواء من ناحية تنسيق العمليات أو من حيث نوعية الأسلحة المستخدمة ومدى القدرة على إدارة المعركة في ظل الحصار والضغوط السياسية، غير أن الأهم من ذلك كان ما أعقب المعركة من تحركات تؤشر إلى مستوى أعلى من التنسيق بين أطراف محور المقاومة.

بعد انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، بدأت تتضح ملامح مرحلة جديدة من التعاون والتخطيط المشترك، حيث سُجّلت لقاءات مكثفة على مستويات أمنية وعسكرية بين فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة، وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى، وخصوصًا في بيروت ودمشق وطهران، وتدل المؤشرات على انتقال هذا التنسيق من الدعم السياسي والإعلامي إلى مستويات أكثر تعقيدًا تشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتطوير أنظمة تسليح فضلًا عن بلورة تصورات إستراتيجية لاستمرار المقاومة بشكل أكثر تنظيمًا وتكاملاً.

التحول الآخر اللافت هو تصاعد الحديث عن وحدة الجبهات ضمن المحور، حيث طُرح بشكل جدي خيار التنسيق في أي ردّ مستقبلي على عدوان «إسرائيلي»، بما يشمل الجبهات اللبنانية واليمنية والسورية وربما العراقية في حال اتسعت رقعة التصعيد بالتغيرات السريعة على الساحة السورية، في هذا السياق تعود سورية إلى الواجهة باعتبارها موقعًا جيوسياسيًا مهمًا في حسابات المحور، إذ رغم هشاشة وضعها الداخلي فإنها لا تزال تُشكّل عمقًا إستراتيجيًا للمقاومة، ونقطة ربط رئيسة في خطوط الدعم اللوجستي والعسكري.

بالمجمل، ما بعد حرب غزة 2023م يبدو مختلفًا عمّا قبلها، فالمعركة لم تنتهِ فقط بإعادة تثبيت قواعد الاشتباك، بل بفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنسيق الإقليمي الذي قد يُفضي إلى إعادة رسم معادلات الردع، وربما نقل الصراع من الطابع المحلي إلى طابع أكثر تداخلًا وتعقيدًا، تتعدد فيه الجبهات وتتعمق فيه التحالفات.

التحالفات في السياسية الشرعية ومقاصدها | مجلة المجتمع
التحالفات في السياسية الشرعية ومقاصدها | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

رابعًا: «حزب الله» رغم الضربات.. باقٍ ويتمدد:

منذ أكتوبر 2023م، تلقى «حزب الله» سلسلة من الضربات الجوية «الإسرائيلية» طالت مواقع ومراكز قيادية، وتسببت في استشهاد عدد من القادة البارزين، لكن، وعلى الرغم من الخسائر لم تنكسر إرادة الحزب بل ظل متمسكًا بخياراته الإستراتيجية وواصل قصف المواقع «الإسرائيلية» على الحدود؛ ما يُظهر صلابة في الموقف السياسي والعسكري.

الردود المدروسة لـ«حزب الله» لا تعني تراجعًا، بل هي تعبير عن حسابات إستراتيجية دقيقة، الحزب يدرك أن أي مواجهة شاملة مع «إسرائيل» ستكون مكلفة للطرفين، لكنه يحتفظ بورقة الردع ويوازن بين حماية الجبهة الداخلية اللبنانية والتضامن مع غزة، كما أن الضربات، رغم قسوتها لم تمس البنية العسكرية الأساسية للحزب، وهو ما يشير إلى أن الحزب لا يزال يحتفظ بقوته وقدرته على المواجهة طويلة الأمد.

خامسًا: إيران.. صبر إستراتيجي وموقع مركزي:

إيران، العمود الفقري لمحور المقاومة تتعرض لضغوط متزايدة، سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو الاستهداف العسكري غير المباشر من خلال حلفائها، ومع ذلك، لم تتراجع عن دعمها المادي والعسكري للمقاومة الفلسطينية، بل إنها زادت من انخراطها السياسي والدبلوماسي في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.

الموقف الإيراني من «حماس» تطور من دعم محدود إلى تحالف إستراتيجي خاصة بعد تقارب «حماس» مجددًا مع طهران عقب فتور العلاقات في عام 2012-2017م، اليوم، تمثل إيران الراعي الرئيس لتسليح وتدريب ودعم فصائل المقاومة، وتُعتبر الضامن الأول لاستمرار المحور بمعناه التقليدي.

كيف صاغت حماس معادلة الثبات في زمن الانكسارات؟ | مجلة المجتمع
كيف صاغت حماس معادلة الثبات في زمن الانكسارات؟ | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

سادسًا: «حماس».. وسط التحديات تصنع التحالفات:

«حماس» اليوم ليست مجرد فصيل مقاوم، بل أصبحت لاعبًا إقليميًا يتقن العمل السياسي والدبلوماسي والعسكري، فبينما تدير حرب استنزاف مع «إسرائيل» تبني علاقات مع قوى متعددة، من تركيا وقطر، إلى إيران و«حزب الله».

التقارب المتزايد مع محور المقاومة ليس خيارًا تكتيكيًا، بل إستراتيجية وجودية بالنسبة لـ«حماس» خاصة مع تراجع فرص التسوية السياسية وتدهور الوضع الإنساني في غزة وخذلان بعض الأنظمة العربية.

سابعًا: مستقبل التحالف.. نحو وحدة الجبهات:

ربما تكون أهم نتيجة خرج بها محور المقاومة من حرب 2023م هي إدراك قيمة وحدة الجبهات، لم تعد غزة وحدها ميدان المعركة، بل فتحت الجبهات في لبنان، واليمن، وحتى العراق وسورية.

هناك حديث متصاعد داخل أوساط المحور عن تنسيق جبهوي مشترك يربط بين قدرات «حزب الله»، وفصائل المقاومة في غزة والدعم الإيراني، بحيث تكون أي مواجهة مع طرف من المحور، مواجهة مع جميع أركانه، هذا النهج سيفرض على «إسرائيل» معادلة ردع جديدة ومكلفة.

لذا، بالرغم من التحديات الكبيرة، من ضربات عسكرية وضغوط سياسية وخلافات مذهبية، يظل التحالف بين «حماس» ومحور المقاومة تحالفًا صلبًا وإستراتيجيًا، يزداد تماسكًا كلما اشتدت المعركة، ولم تعد العلاقة مجرد دعم متبادل، بل أصبحت علاقة مصير مشترك، إذ إن بقاء أي طرف من المحور بات مرهونًا بقوة وتماسك الآخرين.

إن النهوض القادم لـ«حزب الله» بعد الضربات سيكون جزءًا من معادلة الردع المقبلة، كما أن استمرار إيران في ممارسة دورها المركزي سيُبقي «حماس» قوية في مواجهة مشاريع التصفية والتهدئة القسرية.

المعادلة الإقليمية تتغير، لكن محور المقاومة، بتحالفاته يُعيد رسم معادلة الردع والوجود، ومن الواضح أن التحالف مع «حماس» ليس تحالفًا طارئًا، بل ركيزة أساسية في المشروع السياسي والمقاوم لهذا المحور.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة