حميدان التركي.. سفير الإسلام في السجون الأمريكية

عظّم الإسلام نقل المسلم الفكرة، لما فيها من عمل العقول، وربما المنقول إليه سيكون أكثر عملاً وإعمالاً لها ممن سمعها، ولذلك جاء في الحديث: «نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلَّغ أوعى من سامع» (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح).

فالمسلم داعية في كل أحواله عليه أن يبلغ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقوله عليه السلام: «بلغوا عني ولو آية» (صحيح البخاري).

ولتعظيم أمر الدعوة ودخول أحد أو قبوله الإسلام يجب أن نذكر أنه في حالة الحرب لا يكون هناك صوت إلا صوت السيوف وسنابك الخيل وشفاء الصدور، ومع ذلك عند حصاره عليه السلام ليهود خيبر أمر أصحابه أن يدعوهم للإسلام قبل القتال قائلاً لهم: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» (متفق عليه).

المسلم سفير للإسلام

فكل مسلم هو سفير للإسلام بين من يفد عليهم أو يتواجد بينهم برغبته أو غير رغبته، ولذلك لما رأى النصارى الصحابة وما هم عليه من جميل الأخلاق وحسن المعاملة، آمن أكثرهم اختياراً وطوعاً، وقالوا: الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء.

فمع الفرحة الشعبية الطاغية بين السعوديين وكل الأحرار الذين فرحوا بعودة أحد أبناء وطنهم من أحد أقسى وأعتى السجون الأمريكية، والذي قضى فيه قرابة 20 عاماً، رجع بأكبر مغنم ممكن أن يرجع به شخص مسلم ولم يكن لسان حاله: «قنعت من الغنيمة بالإياب»، بل كان في صحيفته 26 أمريكياً قد دخلوا في الإسلام.

فالحقيقة أنه هالني مع خروج حميدان التركي من محبسه في أمريكا وعودته إلى تراب وطنه وسجوده لله شكراً في أول عودة له إلى تراب بلده، تعلق هذا الشخص رغم قساوة ما عاناه بربه، فبحثت عن قصته وقضيته، وبعيداً عن الاتهامات التي وجهت له وما كابده وعاناه في السجون الأمريكية، فإن العنوان الأبرز لشخصيته أنه داعية لم ينسَ يوماً ما دعوته وقضيته الأصلية، وأنه مسلم وسفير للإسلام حتى ولو كان في غياهب السجون.

فالقرآن الكريم لم يسرد لنا قصص الأنبياء للتسلية فقط، بل لأخذ العبرة والاستفادة من تجاربهم، فرغم ما عاناه سيدنا يوسف عليه السلام من ظلم وكان أكثره هو الطعن في شرفه ورميه بأفظع التهم، فإنه كان في سجنه داعية من الطراز الأول محسناً في كل شيء.

ولذلك لما طلبوا منه تعبير الرؤيا، قالوا له كما حكى القرآن: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف: 36)؛ معناه إنا نراك تؤثر الإحسان وتأتي بمكارم الأخلاق وجميع الأفعال الحميدة.

قيل: إنه كان يعود مرضاهم، ويؤنس حزينهم، فقالوا: إنك من المحسنين؛ أي في حق الشركاء والأصحاب⁽¹⁾.

السعودي حميدان التركي.. أسير وداعية وحر | مجلة المجتمع

مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".

mugtama.com

×

المسلم داعية في السراء والضراء

وقد ذكر نجله تركي بن حميدان التركي، في تصريحات صحفية، وذلك خلال حديثه عن سيرة والده أنه كان من أقدم السعوديين الموجودين في ولاية كلورادو الأمريكية، وأنه كان نشيطاً في جميع المجالات الاجتماعية، بالإضافة لإشرافه على مسجد مدينة بولدر وعدد من المساجد الأخرى، وعضو في مجلس الشورى للمساجد في دنفر بكلورادو.

أيضاً بيّن أن والده عمل في لجنة تسمى «مساعدة المسلمين في القضايا»، ولجنة «زيارة المساجين»، حيث كان يعمل على نشر الإسلام الصحيح في السجون والتعريف بحقيقة الدين الإسلامي.

وقد كان التركي ممتد الدعوة في سرائه، حيث كانت له أنشطة إلى الدعوة في الكنائس، حيث كانت توجَّه له دعوات رسمية باعتباره واحداً من أبرز الشخصيات الإسلامية، بالإضافة إلى زيارته للمدارس لنفس الغرض.

ولأجل نشر الإسلام، قام بافتتاح دار نشر «البشير» لطباعة وتوزيع الكتب الإسلامية، وهناك كتب قام بتأليفها تدعو إلى نبذ التطرف والعنف، وهو أكبر ماكينة تستهدف الإسلام لأجل التنفير منه.

ولم تتوقف دعوته حتى عندما أدين ولفقت له الاتهامات، بل مارس دعوته وهو مصفد بالسلاسل والأغلال، فعندما زاره صهره حسين خنيزان، في سجن لايمون بولاية كولورادو الأمريكية؛ الذي يعد الأشد خطورة على مستوى أمريكا بعد سجن جوانتانامو، وجده متهللاً وسعيداً رغم ما به من ملمّات.

يقول صهره: وعند وصوله بادرني بإلقاء السلام ووجهه يتهلل فرحاً ورحب وبالغ في الترحيب، منوهاً بأن الزيارة استمرت 5 ساعات لم يشعرا بها، وأن حميدان أسلم على يده أكثر من 26 سجيناً.

ونقل عن التركي الذي أتم حفظ القرآن كاملاً، قوله: بعد نقلي للحبس الانفرادي منذ أسبوعين، وجدتها فرصة لمراجعة الحفظ والحديث.

نجل التركي ذكر أيضاً أن هناك عدداً من السجناء أسلموا على يد والده في السجن قبل وبعد دمجه مع باقي السجناء، حيث كان المساجين يقدمون له أسئلة حول الإسلام وبعض المسائل مكتوبة على ورقة، ويقوم هو بالإجابة عليها في اليوم التالي.

وكان ذلك في فترة حبسه الانفرادي، حيث كان يستطيع الالتقاء بباقي المساجين لساعة واحدة فقط في اليوم، واتصفت معاملة السجناء له بالاحترام لاشتهار قضيته على صعيد الإعلام الأمريكي.

حميدان التركي.. السجين الذي أسلم على يديه الأمريكيون | مجلة المجتمع

مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".

mugtama.com

×

الحكمة والموعظة الحسنة

فمعرفة الحق وحدها ليست كافية للآخرين للدخول في الإسلام، بل الأخلاق الحسنة مهمة، وهي دعوة عملية قبل أن تكون نظرية، ولذلك حذّر الإمام ابن القيم من المسلك الخاطئ في الدعوة وتقديم صورة منفرة عن الإسلام.

يقول ابن القيم: ولقد دعونا نحن وغيرنا كثيراً من أهل الكتاب إلى الإسلام، فأخبروا أن المانع لهم ما يرون عليه المنتسبين إلى الإسلام، ممن يعظمهم الجهال: من البدع والظلم، والفجور والمكر والاحتيال، ونسبة ذلك إلى الشرع ولمن جاء به، فساء ظنهم بالشرع وبمن جاء به، فالله طليب قطاع طريق الله، وحسيبهم⁽²⁾.

لقد كان الأمر واضحاً لنبيه عليه السلام في القرآن الكريم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل 125).

فالموعظة الحسنة تخطف القلوب وتهز المشاعر وتكسر سوْرَة النفس، لذلك أقرّت بلقيس بفضل سيدنا سيلمان عليه السلام وجميل كتابه حيث كان أوله: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (النمل: 30).

وقد قيل: إنه لم يكتب أحد قبل سليمان عليه السلام في كتاب «بسم الله الرحمن الرحيم»، وقد فعل ذلك تلطفاً وهو نبي ملك إلى امرأة لم تكن دخلت الإسلام بعد، وهو درس واضح ومؤثر يجب أن يكون من لوازم كل داعية إلى الله⁽³⁾.

_________________

1- فخر الدين الرازي: مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير.

2- ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.

3- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن.