8 صور من شجاعة النبي ﷺ

كما اشتهر نبينا صلى الله عليه وسلم بالرحمة والعدل والتواضع والكرم وغيرها
من الصفات الحميدة، فقد اشتهر أيضًا بالشجاعة والإقدام، فكان مضرب المثل في مواجهة
الخصوم والتصدي لهم بثبات وعزم.
ولمّا كان ذلك ديدن النبي صلى الله عليه وسلم توارث عنه صحابته الكرام صفات
الشجاعة منه، فكانوا خير جيل علّم الأمة بعد ذلك معاني الثبات والإقدام والجهاد في
سبيل الله بعزم وإيمان، وهكذا تناقلت الأجيال هذه الخصلة الحميدة التي مكنت
للإسلام وأهله وصنعت لهم مجدًا تليدًا لا ينفك ذكره عن حضارتهم وتاريخهم.
وإذا أردنا التدليل على شجاعة خير الأنبياء والمرسلين سنجد السير النبوية
العطرة زاخرة بمواقف تشهد بذلك.
ولعلنا نتوقف مع بعض هذه الصور التي تخبرنا بشجاعته صلى الله عليه وسلم في
أحلك المواقف وأصعبها، منها ما يلي:
1- يروي أنس بن مالك ما وقع لأهل المدينة يوماً، حينما فزعوا من صوت عالٍ،
فأراد الناس أن يعرفوا سبب الصوت، وبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم النبي صلى الله
عليه وسلم على فرس، رافعاً سيفه قائلاً لهم: «لم تراعوا لم تراعوا»؛ أي: لا تخافوا
ولا تفزعوا. (رواه البخاري، ومسلم).
فهذا الموقف يبين بوضوح شجاعته صلى الله عليه وسلم، حيث خرج في مقدمة الناس
وذهب بنفسه لمعرفة الأمر، ليطمئنهم بعدها ويهدئ من روعهم.
2- موقفه صلى الله عليه وسلم حين تآمر كفار قريش على قتله، وأعدوا القوة
والرجال لذلك، حتى أحاط بمنزله قرابة 50 رجلاً، فثبت عندها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يُصبهُ الخوف، بل نام ولم يهتم بشأنهم، ثم خرج عليهم في منتصف الليل
بشجاعة وقوة، حاثياً التراب على وجوههم، ماضياً في طريقه، مخلفاً علياً بن أبي
طالب مكانه.
3- مكوث النبي صلى الله عليه وسلم في الغار مع صديق رحلته ورفيقه في الهجرة
الصِّدِّيق أبي بكر، والمشركون حول الغار في هذه الأثناء، وهو يقول لأبي بكر
بشجاعة الواثق المتيقن من حفظ الله بكلمات ساطعة: «لا تحزن إن الله معنا».
4- مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة ركانة المعروف بقوته وشدته في
القتال، حيث صرعه النبي صلى الله عليه وسلم وغلبه.
5- أنه استظل صلى الله عليه وسلم في ذات مرة تحت ظل شجرة لينام القائلة،
وكان متعباً من أثر إحدى الغزوات، وقد علق سيفه على غصن الشجرة، وبينما هو كذلك إذ
أقبل عليه أحد المشركين، آخذاً بسيفه، قائلاً له: من يمنعك مني؟ فأجاب النبي صلى
الله عليه وسلم إجابة الأبطال الشجعان من غير تخوف أو تردد: «الله»! ثم قام وأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم السيف بشجاعة وقوة، وقال للمشرك: من يمنعك مني؟ فأجاب قائلاً:
كن خير آخذ، ثم عفا عنه صلى الله عليه وسلم.
6- شجاعته وإقدامه في الغزوات والحروب، حيث كان الصحابة رضي الله عنهم إذا
حمي الوطيس واشتد البأس يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول علي رضي الله
عنه: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. (رواه أحمد).
7- يوم حنين لما أصاب الصحابة من الأذى والهزيمة ما أصابهم، فر بعضهم من
أرض المعركة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفر، بل ظل ثابتًا بشموخ في أرض
المعركة، حيث كان على بغلته وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبي صلى الله
عليه وسلم يقول بصوت عالٍ: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» (رواه البخاري،
ومسلم).
8- في يوم «أُحد»، يوم أن خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وسيطر
المشركون على زمام المعركة، لم يتزحزح النبي صلى الله عليه وسلم من موقفه، بل وقف
موقف القائد القوي الشجاع، والصحابة من حوله يتساقطون، وحوصر صلى الله عليه وسلم
من قبل المشركين، ولم يكن حوله إلا القلة من الصحابة يدافعون عنه، وبرز منهم سعد
بن أبي وقاص، حينما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فناوله النبال وقال له: «ارم يا
سعد، فداك أبي وأمي» (رواه البخاري).
ومما يجب الإشارة إليه أن قوة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته لم تكن في
غير محلها يومًا ما، وها هي السيدة عائشة رضي الله عنها تخبرنا بذلك فقول: «ما ضرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً قط، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد
في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله
فينتقم لله عز وجل» (رواه مسلم).