صفات المربين من خلال التربية النبوية للأولاد (2)‏

د. عادل هندي

05 مايو 2025

119

خامسًا: التدرّج في التغيير لا العَجَلَة:

من أهم صفات المربي الناجح أن يتدرج مع أبنائه وبناته في تعديل السلوكيات الخاطئة وعلاجها، وكذا التعويد على العبادات والسلوكيات الحسنة، وتلك الصفة تُسَتفَاد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للمربين بالتدرّج في تربية الأولاد مثلاً على الصلاة؛ فعن عمرو بن شُعيب، عن أبيه عن جدِّه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولاكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشـرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ»(1).

في الحديث السابق إقرار التعويد على الصلاة ثم العقاب على تركها رغم أنها لا تجب على الابن قبل البلوغ، مع التأكيد على أن العقاب المقصود ليس عقابًا بدنيًّا مبرّحاً، وقد قرر الخطيب البغدادي في الكفاية، أنّ «الأَمْرَ بِالصَّلَاةِ وَالضَّـرْبَ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاضَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ»(2).

سادسًا: الحـزم المنضبـط المُتوازِن:

ذلك بأن يكون المربي متوازنًا في تربيته لولده؛ فلا يتساهل في حال يستلزم الحزم، ولا يشتد في حال يلزم فيه اللين، ويكون ذلك بأن يحول الأب بين ولده وبين ما يؤدي به إلى الانحراف والسلبيّة والضياع.

فالعجيب أنّ حياة بعض الأولاد قائمة على التدليل الزائد وقت الصغر؛ بحيث ينام وقتما شاء، ويأكل ما يشاء، ويلبس كيفما شاء، ويُصاحِب من يشاء، ثم ترى الأبوَيْن في وقت كِبَر ولدِهما يتساءلان عن عدم تغيير أخلاق ابنهما إلى الأفضل!

سابعًا: الالتزام بالصدق دائمًا:

حيث إنّ الابن يكون على قدر تطبّعه من أبويه، والصدق سلوك حميدٌ لا يُنتِج إلا الخير في التربية، وقد أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى خطورة الكذب على الأبناء؛ فقد ثبت من حديث عبدِالله بن عامرٍ، أنه قال: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ في بيتنا، فقالت: ها تَعالَ أُعطِكَ، فقال لها رسولُ الله: «وما أرَدْتِ أن تُعطِهُ؟»، قالت: أُعطِيهِ تمراً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنَّك لو لم تُعْطِيه شيئاً كُتِبَت عليك كذبةٌ»(3).

ومن ملامح التربية الناجحة ألا يكذب الأب أو الأم على أولادهما لأيّ سبب كان؛ فالأبناء يقلّدون وسيعتاد الولد الكذب في حياته.


صفات المربين من خلال التربية النبوية للأولاد |  Mugtama
صفات المربين من خلال التربية النبوية للأولاد | Mugtama
لقد أوصى الله تعالى الآباء بحسن القيام على تربية أبنائهم
mugtama.com
×


ثامنًا: التحلي بالتواضـع الحكيم:

لا بدّ للمربي الصالح أن يكون متواضعًا لمن يُربيه؛ لأن التعالي يُخرج شخصية منهزمة مهزوزة نفسيًّا، وتزيد بسبب الكبر الفجوة بين الأب وولده.

وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم أكثر المربين تواضعًا على وجه العموم، وخاصة عند تعامله مع الصبيان والغلمان، فقد كان يُسلّم عليهم إذا مرّ بهم؛ فعَنْ سَيَّارٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشـِي مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَحَدَّثَ ثَابِتٌ أَنَّهُ كَانَ يَمْشـِي مَعَ أَنَسٍ، فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَحَدَّثَ أَنَسٌ أَنَّهُ كَانَ يَمْشـِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم «فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ».

كما كان صلى الله عليه وسلم يذهب مع الجارية الصغيرة والأَمَة إلى السوق ليحمل معها حاجتها؛ فعن أنس بن مَالِكٍ، قَالَ: «إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ الله فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ»(4).

تاسعًا: زرع الثقة بين المُرَبِّي والمُرَبَّى:   

تعد هذه الصفة من الصفات الغائبة عند كثير من المربِّين في زماننا، حتى بِتْنا نسمع عن مشكلاتٍ تؤرّق الحياة الأسرية بسبب اهتزاز الثقة لدى الأبناء، ويمكن القول: إنّ الأبوين قد يكونان سببًا في إخراج شخصية مهزوزة نفسيًّا بسبب سوء التعامل مع الطفل في فترة الطفولة -خاصة- وذلك من خلال قتل كل جميل فيه من إبداع وإبداء رأي.

ومن هنا لزم التنبيه على ضرورة العمل على زرع الثقة في نفسية الطفل والابن والابتعاد عن تحبيط الأبناء.

فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تشجيع أبناء الصحابة بإطلاق ألقاب تحفّز همّـتهم، فأثنى على ابن مسعود بقوله: «إنّك غلامٌ معلّم»(5)، ودعا لابن عباس بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل»(6)، وضمّه النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا إلى صدره ودعا له: «اللهم علّمه الحكمة»(7).


الرسول ﷺ.. والتربية الوالدية (3) |  Mugtama

الرسول ﷺ.. والتربية الوالدية (3) | Mugtama
أدبيات المنهج النبوي في التربية الناجحة، وكان من بين ذلك: الأخذ بالأسباب عند الزواج ابتداء، ثم الأبوة الحانية
mugtama.com
×


ومن وسائل زرع الثقة في نفسية الطفل:

1- الإسرار إليه بسـرّ مّا واختصاصه بذلك؛ يشعر معه بقيمته وقدره عند المربي، كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع فاطمة الزهراء رضي الله عنها ابنته، كما ورد في خبر وفاته عليه الصلاة والسلام، فعن عَائِشَة أُمّ المُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشـِي، لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي» ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّـرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِـيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سِرَّهُ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ» قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ»(8).

2- إعطاء الولد لقبًا محفّزًا ومشجعًا، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصبيان والغلمان؛ تشجيعًا وتحفيزًا لهم، الاستماع إلى رأيه، وربما أخذ مشورة منه إن كان حكيمًا عاقلاً يُفكِّر ويُقرّر الرأي في المسائل والمواقف، فضلاً عن عدم التشكيك في مهارات الطفل وقدراته، بل ينبغي التشجيع والتحفيز.





_______________________

(1) سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، حديث رقم (495)، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: (إسناده حسن).

(2) الكفاية في علم الرواية: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463هـ)، تحقيق: أبو عبدالله السورقي، وإبراهيم حمدي المدني، ص63، ط. المكتبة العلمية- المدينة المنورة.

(3) صحيح مسلم: كتاب السلام، بَابُ اسْتِحْبَابِ السَّلامِ عَلَى الصِّبْيَانِ، حديث رقم (2168).

(4) صحيح البخاري: كتاب الأدب، بَابُ الكِبْرِ، حديث رقم (6072).

(5) أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، حديث رقم (4412).

(6) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الفضائل، مَا ذُكِرَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، برقم (32223)، [ينظر: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار= مصنف ابن أبي شيبة: أبو بكر بن أبي شيبة، عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المُتَوَفَّى: 235هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط1/ 1409هـ، مكتبة الرشد- الرياض]. وأصل الحديث عند البخاري، برقم (143)، كتاب الوضوء، بَابُ وَضْعِ المَاءِ عِنْدَ الخَلاَءِ.

(7) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بَابُ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حديث رقم (3756)، بلفظ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ».

(8) صحيح البخاري: كتاب الاستئذان، بَابُ مَنْ نَاجَى بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّ صَاحِبِهِ، فَإِذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ، حديث رقم (6285). 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة