أبو الدحداح.. درب من دروب الصالحين فهل من متبع؟

محرر المنوعات

19 أغسطس 2025

253

لكل إنسان قدوة يقتدي بها في حركاته وسكناته، يخطو خطاها، ويسير على نهجها، والفائز حقًا من اتبع درب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فلا يضل من تبعهم، ولا يهتدي من خالفهم.

ودروب الصالحين أكثر من أن تحصى، ومنها درب الصحابي الجليل أبي الدحداح رضي الله عنه، هذا الصحابي الذي أدرك الحجم الحقيقي للدنيا، فاشترى آخرته بها، وعلى نهجه سارت زوجته، فشاركته الخير بكل حب ووفاء، تقدم الصدقات، وتواسي المحتاجين، وتدعو إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة.. هذا درب الصالحين فهل من متبع؟

أبو الدحداح.. من هو؟

أبو الدحداح صحابي جليل اسمه ثابت بن الدحداح بن نعيم، كنيته أبو الدحداح، وشهد غزوة «أحد» مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثبت من الصحابة حينما شاع بين الناس –كذبًا- مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال جملته المشهورة: «يا معشر الأنصار، إن كان محمد قتل، فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم»، وكان شجاعًا مقدامًا محبًا للقاء الله تعالى، لا يلتفت إلى الدنيا، ولا تلمع عيناه لزينتها ومتاعها، وتوفي شهيدًا يوم «أحد»، وقيل: إنه شهد «الحديبية» مع النبي صلى الله عليه وسلم ومات على فراشه بعدها.

أبو الدحداح.. بستان بنخلة

ذات يوم كان يجلس أبو الدحداح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء غلام يشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يسوّر حول بستانه سورًا، فاعترضت نخلة في بستان جاره طريق السور، فطلب الغلام أن يشتري من جاره تلك النخلة، إلا أنه رفض إعطاءه إياها، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أعطِه إيَّاها بنَخلةٍ في الجنَّةِ».

وعلى الرغم أنها صفقة غير قابلة للتفكير أو مراجعة النفس، فإن الصحابي نظر للدنيا كما ينظر إليها بعضنا اليوم، فرفض العرض، فتعجب أبو الدحداح من رفضه ذلك الأجر العظيم وتمسكه بنخلته! فقال صلى الله عليه وسلم: «من تصدق فله مثلها في الجنة»، فقال أبو الدحداح: إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها في الجنة يا رسول الله؟ قال: «نعم»، قال: وأم الدحداح معي؟ قال: «نعم»، قال: والصبية؟ قال: «نعم»، فتصدق ببستانه الذي فيه 600 نخلة رغبة في النخلة التي في الجنّة، فضاعف الله صدقته ألفي ألف ضعف فذلك قوله تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (البقرة: 245).

زوجة أبي الدحداح

حينما رجع أبو الدحداح إلى حديقته التي تصدق بها؛ وجد أم الدحداح والصبية فيها، فوقف ببابها لأنها لم تعد له وقال: يا أم الدحداح، قالت: لبيك يا أبا الدحداح، قال: إني قد جعلت حديقتي هذه صدقة لنا، واشترطت مثلها في الجنة، وأم الدحداح معي والصبية معي.

فما كان من هذه الزوجة إلا أن تضرب مثلًا طيبًا يقتدى به في الصلاح، ومعاونة الزوج على البر والطاعة والتقوى، فقالت: بارك الله فيما اشتريت، وفي رواية قالت: ربح بيعك يا أبا الدحداح.

فخرجوا منها وسلم الحديقة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كم من نخلة تدلي عذوقها في الجنة لأبي الدحداح لو اجتمع على عذق فيها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه»، وفي رواية أخرى: «رب نخلة مدلاة، عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة».

هل من متبع؟

رجل جعل الدنيا في يده، وعلم أنها موصلة للآخرة، فلا خلود فيها ولا نعيم، فانشغل بآخرته، وربى أهل بيته على ذلك، فكانت أسرة إسلامية مجتمعة على الخير؛ زوجًا وزوجة وأولادًا، فلما تهيأت أمامه الفرصة؛ لم يتردد في التصدق بحديقته التي بها 600 نخلة في سبيل نخلة واحدة في الجنة، حينها تذكر زوجته وأولاده، فأراد أن يطمئن عليهم في الآخرة، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وزوجتي وأولادي معي في الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم».

كذلك نرى الزوجة المسلمة الصالحة حينما أخبرها زوجها بأنه تصدق بالحديقة وطلب منها الخروج هي والأولاد لم تجزع، ولم تسخطت، بل قالت: ربح البيع يا أبا الدحداح، لأنها علمت أن الربح والكسب الحقيقي هو كسب الآخرة لا الدنيا، هذا نموذج يُحتذى به لمن أراد تكوين أسرة إسلامية قوامها التقوى وحب الآخرة.. فهل من متبع؟

 
اقرأ أيضًا: 
قراءة في كتاب «توجيهات نبوية في حماية الأسرة الإسلامية»




________________

1- وليد بن أحمد الزبيري، موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية، ج 4.

2- محمد أديب الصالح، معالم قرآنية في البناء.. شفاء القرآن وجيل البناء.

3- https://n9.cl/443sg.


كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة