«الفاشر» السودانية.. صمود أسطوري رغم جرائم «الدعم السريع»

تواصل مليشيا «الدعم
السريع» المتمردة حصارها لمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور والعاصمة
التاريخية للإقليم؛ منذ مايو 2024م وإلى كتابة هذه السطور، وقد خلّف الحصار الجائر
أوضاعاً مأساوية طالت السكان المدنيين، صاحبه نقص في الطعام والرعاية الصحية، حسب
ما أوردته الأمم المتحدة والمنظمات الطوعية العاملة بالإقليم، ورغم ذلك ظلت
المدينة صامدة وعصية على السقوط.
الأهمية الإستراتيجية
مدينة الفاشِر المحاصرة
تقع في غرب السودان على ارتفاع 700 متر فوق سطح البحر، على مسافة 802 كيلومتر غرب
العاصمة الخرطوم، و195 كيلومتراً عن مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور باتجاه
الشمال الشرقي، وتقع جغرافياً في ملتقى طرق 3 دول مجاورة للسودان، وهي: تشاد عبر
معبر الطينة، وليبيا من خلال جبل عوينات، بالإضافة إلى مصر عبر الطريق التاريخية
لدرب الأربعين.
وتكمن الأهمية
الإستراتيجية القصوى لمدينة الفاشر في كونها أكثر من مجرد عاصمة ولاية؛ فهي آخر
معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور الشاسع، والعاصمة التاريخية للإقليم بأسره؛ ما
يمنحها وزناً رمزياً وسياسياً هائلاً.
الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني بدارفور والعاصمة
التاريخية للإقليم ما يمنحها وزناً رمزياً وسياسياً هائلاً
وبالنسبة
لمليشيا «الدعم السريع»، لا يمثل إسقاط الفاشر مجرد نصر عسكري، بل هو إحكام
السيطرة الكاملة على دارفور، وتأمين خطوط إمداد حيوية عبر تشاد وليبيا، وتفكيك آخر
مركز قيادة وسيطرة للجيش في المنطقة (الفرقة السادسة مشاة).
أما صمودها،
فيعني بقاء شوكة في خاصرة المليشيا تمنعها من إعلان النصر التام في الإقليم،
ويحافظ على نقطة ارتكاز حيوية لأي هجوم مضاد مستقبلي للجيش، فضلاً عن كونها الملاذ
الأخير لمئات الآلاف من النازحين الذين سيواجهون كارثة إنسانية محققة حال سقوطها.
الفاشر السودانية.. مدينة تختنق جوعًا ومرضًا تحت الحصار، والعالم يشيح بوجهه عن صرخات أطفالها. pic.twitter.com/DFc51bM8TJ
— مجلة المجتمع (@mugtama) August 14, 2025
صد الهجوم
ويتواصل صمود
الجيش السوداني والقوات المساندة له في دفاع بطولي وصمود أسطوري أمام المليشيا
المتمردة المدعومة إقليمياً بالعتاد والمرتزقة، وهذا ما تؤكده آخر الأخبار، فبحسب
ما أوردته «وكالة السودان للأنباء» الحكومية، على صفحتها في 19 أكتوبر 2025م، فقد
تمكنت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني والمرابطة في الفاشر، والقوات
المساندة لها، من صدّ الهجوم الـ263 على المدينة.
وجاء في الخبر أنه
تمكنت قيادة الفرقة السادسة مشاة والقوات المشتركة والشرطة وجهاز المخابرات
والمقاومة الشعبية والمستنفرون وشباب الإسناد من صد هجوم شنته المليشيا الإرهابية
على مدينة الفاشر بثلاثة محاور.
الأمم المتحدة: «الدعم السريع» ترتكب
انتهاكات ومجازر بالاستهداف المتعمد للمدنيين والمستشفيات والملاجئ
وأضافت الوكالة أن
قوة مشاة من المليشيا تسللت إلى «مدرسة القيادة» بهدف الوصول إلى الفرقة السادسة،
لكن قواتها تصدت لهم وكبدتهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حيث لقي العشرات
حتفهم وفرّ من تبقّى هارباً نحو جنوب المدينة، تاركين جرحاهم وقتلاهم في ميدان
المعركة.
ورغم الخسائر
التي تكبدتها المليشيا المتمردة جراء هجومها المتكرر على المدينة، فإنها تعاند في
محاولات يائسة لاقتحامها واحتلالها؛ وذلك لما تمثله مدينة الفاشر من أهمية سياسية
وإستراتيجية، بالإضافة لقيمتها التاريخية؛ فهي العاصمة الوحيدة ضمن عواصم الولايات
الخمس لإقليم دارفور التي لم تسقط في يد المليشيا المتمردة؛ لذلك تحرص «الدعم
السريع» وداعموها على سقوطها، ولكن يقابل ذلك صمود أسطوري لأهل الفاشر ووقوفهم خلف
الفرقة السادسة مشاة والقوات المساندة، بالرغم من التجاهل الدولي والإقليمي المريب
لهذه المأساة الإنسانية.
مطالبات أممية
وقد أقرت الأمم
المتحدة بانتهاكات قوات «الدعم السريع» وطالبتها بالتوقف عن استهداف المدنيين، فقد
أوردت قناة «الجزيرة»، على موقعها الأحد 12 أكتوبر 2025م، أن الأمم المتحدة طالبت بوقف
الاستهداف المتعمد للمدنيين في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي
السودان، وذلك غداة مقتل نحو 60 شخصاً جراء قصف على مركز إيواء بالمدينة اتُّهمت
قوات «الدعم السريع» بتنفيذه.
ونسبت إلى منسقة
الأمم المتحدة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان دينيس براون أنها نددت، في
بيان، بما وصفته بالاستهداف المتكرر والمتعمد للمدنيين في شمال دارفور، وشددت على
عدم استهداف المستشفيات والملاجئ وأماكن اللجوء، وأشارت المسؤولة الأممية إلى
تقارير تتهم قوات «الدعم السريع» بتنفيذ الهجمات؛ ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 57
مدنياً، بينهم نساء وأطفال.
ويضيف تقرير «الجزيرة»
أنه منذ منتصف أبريل 2023م، يخوض الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» حرباً أسفرت
عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزوح ولجوء نحو 15 مليوناً، بحسب الأمم المتحدة
والسلطات المحلية.
قتل المصلين
ولم تتوقف جرائم
«الدعم السريع» على استهداف المدنيين ومراكز اللجوء بالمدينة، بل تعمدت، بحسب
شهادات محلية، قصف المساجد وقتل المصلين في أبشع جريمة تضاف للسجل الإجرامي
للمليشيا المتمردة.
البرهان: لا تسوية عسكرية مع مليشيا «الدعم
السريع» ما لم يضعوا السلاح وينتهوا عن التمرد في السودان
فقد أورد موقع
قناة «الجزيرة»، في 9 أكتوبر 2025م، أنه في تصعيد دموي جديد، قُتل 13 شخصاً على
الأقل وأصيب 20 آخرون جراء قصف مدفعي شنته قوات «الدعم السريع» على مسجد يؤوي
نازحين في مدينة الفاشر، في حصيلة أولية مرشحة للارتفاع.
واستهدف الهجوم
الأسر التي لجأت للمسجد فراراً من مناطق القتال فطالتها مدافع المليشيا، بحسب
الموقع الذي أضاف: ووقع القصف على مجمع «المسجد العتيق» في حي «أبو شوك الحلة»،
حيث لجأت أكثر من 100 أسرة فرّت من مناطق القتال، وجاء الهجوم بعد أيام من استهداف
مسجد آخر أثناء صلاة الفجر، وهو ما يعكس نمطاً متكرراً في ضرب دور العبادة التي
تحولت إلى ملاجئ للمدنيين.
ولم يكن القصف
عن طريق الخطأ، بل كان مقصوداً، فقد أكد شهود عيان لـ«الجزيرة نت»، أن القصف كان
بالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، واستهدف المسجد بشكل مباشر، إلى جانب عدد
من المنازل المجاورة.
هزائم المليشيا
ومنذ أوائل العام
الجاري (2025م)، بدأت الهزائم العسكرية تتوالى على «الدعم السريع» بعد احتلالها
لبعض المدن خلال الفترة الماضية منذ اندلاع تمردها في أبريل 2023م، وقد كانت بداية
قاصمة الظهر للمليشيا المتمردة استعادة الجيش السوداني لمدينة مدني حاضرة ولاية
الجزيرة وأهم المدن السودانية بعد الخرطوم في يناير 2025م.
وجاءت القاصمة
الأكبر بتحرير الجيش للعاصمة الخرطوم في مارس 2025م، وتواصل تقهقر «الدعم السريع»
في ولاية كردفان المتاخمة لدارفور وبوابتها التي استرد الجيش معظم مدنها، وأصبح
الطريق ممهداً لدحر المليشيا في دارفور، حيث تتحصن في بعض مدنها، لكن سكان دارفور
لا يمثلون في أغلبهم حاضنة لـ«الدعم السريع»، وموقفها العسكري والسياسي يسوء يوماً
بعد يوم، وبذلك يتم تعزيز صمود مدينة الفاشر.
وعلى الصعيد
السياسي، تردد مؤخراً أن جهات إقليمية ودولية تضغط في اتجاه تصالح الجيش السوداني
مع «الدعم السريع»، ومن ثم استيعابها في تسوية سياسية وعسكرية مقترحة، وهو ما نفاه
الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، حيث
أشار قبل أيام في تسجيلات مصورة في عزاء استشهاد ضابط سوداني استشهد في الفاشر، أن
لا تسوية عسكرية مع المتمردين ما لم يضعوا السلاح وينتهوا عن التمرد.