الحركة الصهيونية.. عوامل النهوض والانهيار

إبراهيم غوشة

14 أكتوبر 2025

157

يحتفل اليهود الصهاينة هذه الأيام بذكرى مرور مائة عام على انبعاث الحركة الصهيونية من بازل بسويسرا على يد ملكهم الجديد النمساوي هرتزل الذي تنبأ بأنه بعد 50 عامًا من تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني عام 1897م ربما تنبعث الدولة اليهودية، وفعلًا.. ففي مايو 1948م أعلن بن غوريون تأسيس الدولة العبرية في أكبر ساحة في تل أبيب وكان اليهود لعدة قرون يتبادلون القسم «شلت يميني إن نسيتك يا أورشليم»، وفلسطين أرض الميعاد ولا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون «الهيكل».. وها هم في نهاية القرن العشرين يعدون العدة لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث فما الذي جعلهم يحققون بعض أحلامهم الكثيرة يا ترى؟!

العوامل التي ساعدت الحركة الصهيونية

لا شك أن ثلاثة عوامل رئيسة جعلتهم يصلون إلى مبتغاهم: الإرادة الذاتية، والإصرار المتواصل كعامل أول، والاستعانة بذوي النفوذ كعامل ثان، وضعف وإضعاف الطرف الآخر وهم هنا الفلسطينيون والعرب والمسلمون كعامل ثالث.

تمسك اليهود بتوراتهم وتلمودهم ولغتهم وأصروا على العودة إلى فلسطين رغم أن بقاعًا أخرى قد عرضت عليهم ولا شك أنهم كانوا يعرفون جيدًا معنى مقولة «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب» فهم من جهة جمعوا اليهودي الأوروبي والروسي والشرقي ومزجوا بين السفارديم والإشكناز، ومن جهة ثانية كانوا يعرفون أن فلسطين فيها شعبها، ولكنهم قرروا حذفه باعتماد سياسة المذابح والترانسفير، ولقد استعانوا بذوي النفوذ ففشلوا حينًا كما حصل مع السلطان عبد الحميد العثماني الذي رفض الاستجابة لإغراءات هرتزل، ونجحوا حينا آخر حين استجابت بريطانيا العظمى لحاييم وايزمان  ورتشيلد فأصدرت «وعد بلفور» عام 1917م ومنح من لا يملك لمن لا يستحق، وقامت بريطانيا أثناء الانتداب على فلسطين من عام 1918م إلى 1948م  بتأمين الهجرة الصهيونية وتمليك الأرض والعتاد وقمع الثورات الفلسطينية، ثم جاء دور الولايات  المتحدة منذ عهد ترومان 1948م وإلى الآن حيث تم منح دولة الكيان الصهيوني ما يزيد على 80 مليار دولار، وتحصل سنويًّا على حوالي 5 مليارات من الدولارات بالإضافة للسلاح والتكنولوجيا والعلم والحماية الكاملة والهيمنة على دول العالم وتسخيرها لخدمة بني صهيون.

أسباب ومظاهر ضعف المسلمين

أما ضعف وإضعاف العرب والمسلمين فيتلخص في هدم الخلافة العثمانية عام 1924م، وتقسيم المنطقة حسب اتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916م، وانحياز العرب للإنجليز في محاربة إخوانهم في الدين بعد أن أضعفوا الإسلام  بتشجيع القوميات المختلفة في المنطقة، وعندما حدثت حرب 1948م كانت مشاركة الدول العربية مشاركة صورية ومنع أهل فلسطين أهل البلاد الذين يعرفونها حق المعرفة من المشاركة والدعم الحقيقي في مواجهة عصابات الهاجاناه والأرغون وشتيرن، وتم اغتيال الشهيد حسن البنا وإفشال مشروعه الجهادي وبعد ذلك ضرب حركته ومنعها من استلام زمام الحكم ومحاربة الإسلام والمسلمين وحتى هذه اللحظة تحت مقولات الرجعية والإرهاب والتخلف.

هل ستظل الحركة الصهيونية تواصل انتصاراتها؟!

ولكن السؤال المطروح: هل ستظل الحركة الصهيونية تواصل انتصاراتها، والأمة العربية والإسلامية تواصل هزائمها؛ الجواب هو قطعًا.. لا.. وبخاصة أن أمراض الضعف قد بدأت تظهر على المجتمع اليهودي من خلال تراجع روح الإرادة والعزيمة السابقة وتحول المجتمع اليهودي إلى مجتمع يحب الحياة والاستهلاك والمتعة وإلى التباينات بين الشرقيين والغربيين، وبين المتدينين والعلمانيين وفقدان الأمن وسيطرة الرعب عليهم وبالنسبة للأمة العربية والإسلامية فإن الأمور ستتحسن قطعًا عندما يصبح الشعب يملك قراره وخياره في السلم والحرب وليس كما هو حاصل الآن في معظم البلاد العربية والإسلامية، فالحاكم الفرد المتفرد هو الذي يمنح ويمنع وهو الذي يشعل معظم الحروب بقرار فردي منه في الوقت الخطأ وفي الاتجاه الخطأ بعيدًا عن أي حرية أو شورية ديمقراطية لمجموع شعبه.

الأمة ستختار الإسلام منقذًا لها

إننا نعتقد جازمين بأن أمتنا ستختار الإسلام منقذًا أساسيًّا وحافزًا رئيسيًّا لتوحيدها ورص صفوفها وتوجيهها للتصدي بكل إمكاناتها لمواجهة الصهيونية وحلفائها، ولذلك فإن المعركة الآن معركة شرسة في أكثر من مكان في محاولة لقطع الطريق على الإسلام سواء بواسطة قوى العلمانية أو سطوة الأنظمة والجيوش أو تفتيت الإرادة بالتغريب والتطبيع، ولكن العاقبة للمتقين، (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء: 51)(1).

للمزيد:  

- أيها المنهزمون.. اتركوا الساحة لأهل الجهاد في فلسطين!

- القدس ستبقى همنا الأكبر مهما كثرت المشكلات

- محاولة لفهم الجذور الثقافية للتأييد الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل»

- خطأ مقولة: «نقبل بما يقبل به الفلسطينيون»!

- عرفات وفتح والتيار الإسلامي

- صوت الضمير في الغرب

 



_______________

(1) نُشر بالعدد (1266)، 7 جمادى الأولى 1418هـ/ 9 سبتمبر 1997م، ص37. 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة