العنوان المجتمع التربوي (العدد 1205)
الكاتب د.عبدالحميد البلالي
تاريخ النشر الثلاثاء 25-يونيو-1996
مشاهدات 761
نشر في العدد 1205
نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 25-يونيو-1996
وقفة تربوية
(الثواب والعقاب) (1-5)
الثواب والعقاب عنصران رئيسيان في العملية التربوية بل هما عنصران أساسيان في رعاية الرعية وقيادة آية مجموعة بشرية حيث إننا لا يمكن أن نتصور مؤسسة ناجحة من غير لوائح الثواب والعقاب للعاملين فيها ولا يمكن أن نتصور مؤسسة ناجحة تعامل الموظف المجد المبدع، كزميله الكسول غير المنتج دون أن تعبأ بالفروقات الشاسعة في إنتاجية كل منهما، ولو أننا تخيلنا على سبيل الافتراض أن مجتمعا من المجتمعات قرر إلغاء العقوبات أو الثواب لعمت الفوضى وازدادت الجريمة وانعدم الأمن، وتوقف الناس عن العمل، وتحول ذلك المجتمع إلى غابة كبيرة يفترس فيها القوي الضعيف والأسرة في المجتمعات هي الخلية الأساسية التي يتكون منها المجتمع، ومتى ينجح الأبوين في تسيير دفة هذه الأسرة وتربية أبنائهما تربية صحيحة بمخرجات سليمة لا بد من اعتماد مبدأ الثواب والعقاب.
وعندما نبدأ حديثنا عن الثواب نتذكر قوله تعالى: (هَل جَزَاءُ ٱلإِحسَٰنِ إِلَّا ٱلإِحسَٰنُ ) [الرحمن: 60] للتدليل على أصالة هذا المبدأ الإلهي، الذي يقتضي مكافأة المحسن في الدنيا، والذي اجتهد وتعب وضحى وجهد وبذل كل ما لديه من طاقة في سبيل تحقيق ما أمره به الله في الدنيا فيجزيه الله الجنة ومآبها مما لم تسمع به أذن ولم تره عين ولم يخطر على بال بشر هذا هو الأمر الذي يجعل العاملين في سبيله يتحملون الصعاب في هذه الدنيا وينجزون أعظم الإنجازات البشرية، ويقفون المواقف الرائعة في سبيل الحصول على الجنة.. ولم يكن الرسول الله يملك ما يعطيه لمن بايعه في العقبة الثانية إلا هذا الأمر.. وذلك عندما سألوه بعد البيعة وماذا لنا إذ ناصرناك وأويناك حتى يظهر أمرك، قال لكم الجنة فقالوا: مد يدك لا نقيل ولا نستقيل...
أبو خلاد
قطوف تربوية حول قصة أصحاب الكهف
ربانية البناء الفكري:
على الداعية أن يدرك أهمية القيام بأمر الدعوة والحركة بالفكرة في دنيا الناس فالفكرة تندثر بنزوانها في سراديب العقول وكهوف النفوس
بقلم: د. حمدي شعيب
سمو الفكرة، هي صفة برزت في وصف الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الفتية انهم: «أمنوا بربهم، أي ربانيون، فالفكرة التي جمعتهم وربطتهم هي فكرة ربانية أي معرفة الله عز وجل والإيمان به.
وإذا كنا قد وضحنا أهمية ووظيفة الأفكار في بناء الحضارة الإنسانية، وأن أية أمة من الأمم لا بد أن تنطلق في دربها الحضاري من مجموعة من الأفكار وسلوك الأفراد في مجتمع من المجتمعات ما هو إلا الترجمة العملية لما يؤمنون به من أفكار.
لذا فإننا بتدبرنا لكتابات وبحوث المهتمين بالدورات الحضارية، نجد أنهم يجتمعون على أهمية الفكرة في بناء الحضارة وخاصة الفكرة الدينية، ويؤكدون على دور الفكرة الدينية كعامل اجتماعي يؤثر في توجيه التاريخ، والفكرة الدينية لا تقوم بدورها الاجتماعي إلا بقدر ما تكون متمسكة بقيمتها الغيبية، أي بقدر ما تكون معبرة عن نظرتنا إلى ما بعد الأشياء الأرضية، والحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية والفكرة الدينية هي مركب الحضارة أو العامل الذي يمزج عناصر بناء الحضارة، وهو العامل المساعد ليتم تفاعل المعادلة الحضارية حضارة – إنسان + تراب + وقت)([1])
وإذا كان للفكرة الدينية دورها كعامل مساعد أو مركب حضاري عند مالك بن نبي . رحمه الله فهي أحد العناصر البنائية للحضارة، وأحد الشروط التي تقوم عليها سنة التغيير الاجتماعي عند د. أحمد محمد كنعان لأن المعادلة الحضارية في رأيه هي حضارة = إنسان + وقت + فكرة أي عقيدة([2])
والداعية عندما يتأمل ذلك الملمح التربوي الطيب ويعلم أن تجربة هؤلاء الفتية ما هي إلا ميراث ورصيد له في حركته الدعوية.
فإن له أن يفخر بأن دعوته تقوم على أسمى وأخلد فكرة، ولأنه يتميز بربانية فكرته، فله ألا ينسى أنه على قدر إيمانه وإخلاصه وتفاعله بها يكون الناتج الدعوي المبارك والمثمر لحركته، وأن عليه كذلك أن يؤدي ضريبة امتلاك تلك الفكرة الربانية بأن ينشرها ويحافظ على صفائها، وتلك هي الركيزة الدعوية الثالثة.
الركن الشديد:
10– الركيزة الرابعة: التوفيق الإلهي وتستطيع أن نلمح هذا المعلم الدعوي والحركي عندما تتدير هذا التفاعل بين السماء والأرض بين أحداث بشرية وقدرة إلهية تحمي وتبارك وتثبت وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم، لقد شاء الله – عز وجل – أن يبارك في حركة هؤلاء الفتية المؤمنين وهم من أبناء ملوك الروم وسادتهم . فكانت هدايته الخاصة، حيث الهمهم كيف يدبرون أمرهم. وقد استدل غير واحد من الأئمة كالبخاري . رحمه الله . وغيره ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وكذلك كانت معيته سبحانه الخاصة التي ثبتت قلوبهم على الحق فلم تهتز فإذا هي ثابتة راسخة مطمئنة إلى الحق الذي عرفت معتزة بالإيمان الذي اختارت.
ونحن نعلم أن لله - عز وجل . إرادة في أن يمايز ويفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان حيث شاء عز من قائل أن يكون للهداية معنيان المعنى الأول: هداية عامة إجبارية قدرية كونية، للكافر والمؤمن للبار والعاصي، وهي بمعنى المعرفة الفطرية، فكلاهما مفطور على معرفة الحق، كما في قوله سبحانه: ( وَهَدَينَٰهُ ٱلنَّجدَينِ ) ([3])
المعني الثاني: هداية خاصة اختيارية شرعية دينية للمؤمن البار وهي بمعنى الإعانة والتوفيق لمن قبل الحق، كما في قوله - عز وجل (يَهدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَاءُ) ([4])
وكذلك المعية العامة والخاصة والفقر العام والخاص([5]).
والتوفيق الإلهي هو الرصيد الأهم والمعلم الرئيس لأية حركة دعوية، وإيراده هنا حسب تسلسل القصة كما أنت بها الآيات.
وهو رصيد يميز أهل الحق وأصحاب الدعوات عن غيرهم من أهل الباطل، وهو الركن الشديد الذي يلوذ به كل رسول وكل داعية خاصة أثناء لحظات الدعوة الحرجة، وبعد أن تنقطع كل السبل وتتهاوى كل الأسناد وبعد الاجتهاد في الأخذ بكل الأسباب، وتدير موقفه ه وهو عائد حزين من الطائف، وهو يؤكد لزيد ابن حارثة – رضي الله عنه . على أهمية هذا المعلم الأساسي والركيزة الأهم الدعوات: «يازيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه»([6]) وهو نفس الموقف الذي دعا - موسى عليه السلام – وهو مطارد خائف في الهجير، وبعد أن سقى للمرأتين، وتولى إلى ظل الشجرة أن يلجأ إليه مناجيا ربه (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلتَ إِلَيَّ مِن خَير فَقِير) ([7]) وهو من باب الفقر الاختياري، ومعناه إنني فقير محتاج إلى لطفك فلا تدعني فاستجاب سبحانه لهذا القلب الضارع الغريب وجاءه الفرج عندما أنت إحدى المرأتين تمشي على استحياء وتدعوه ليتقبل أجر عمله الطيب من والدها العبد الصالح.
وقد يغيب عن الداعية أثناء الشدة هذه الركيزة الدعوية الأساسية، وتدبر ما حدث للوط. عليه السلام عندما هرع إليه قومه في سعار محموم، وبفطرة منكوسة مطموسة يريدون ضيفه الكرام وأسقط في يده وأحس ضعفه وهو غريب بين القوم، نازح إليهم من بعيد لا عشيرة له تحميه وليس له من قوة في هذا اليوم العصيب وانفرجت شفتاه عن كلمة حزينة أليمة قال لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد قالها وهو يوجه كلامه إلى هؤلاء الفتية – الذين جاءت الملائكة في صورتهم . وهم صغار صباح الوجوه، ولكنهم – في نظره – ليسوا بأهل بأس ولا قوة فالتفت إليهم يتمنى أن لو كانوا أهل قوة فيجد بهم قوة أو لو كان له ركن شديد يحتمي به من ذلك التهديد. وغاب عن لوط – عليه السلام في كربته وشدته أنه يأوي إلى ركن شديد ركن الله الذي لا يتخلى عن أوليائه، كما قال رسول الله r وهو يتلو هذه الآية «رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد» (أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (3525) مختصراً، وأخرجه موصولاً الترمذي (3116) باختلاف يسير. وقوله: "لو لبثت في السجن ..." أخرجه البخاري (4694)، ومسلم (151) مختصراً باختلاف يسير) وعندما ضاقت واستحكمت حلقاتها، وبلغ الكرب أشده كشف الرسل للوط – عليه السلام – عن الركن الشديد الذي يأوي إليه وقالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، وأنبئوه نبأهم، لينجو مع أهل بيته الطاهرين إلا امرأته فإنها كانت من القوم الفاسدين([8]).
لذا فإن الداعية عندما يغيب عنه استشعار فضل تلك القوة التي أنجت إبراهيم – عليه السلام – من النار، وموسى – عليه السلام – من، فرعون، ويونس – عليه السلام – من بطن الحوت ومحمد الله في الغار، وفي بدر، وأثناء محنة حنين، فعليه أن يتذكر أنهم قد نجوا بالدعاء وطلب العون منه سبحانه وذلك بعد الأخذ بالأسباب وذلك حتى يكتمل تجردهم وخلوصهم من الركون إلى أي سبب دونه جل وعلا.
وعلى الداعية أيضاً أن يتذكر أن طريقه إنما يقوم على دعائم ثلاث أساسية وهي:
أ- الفكرة الربانية: وهي الإيمان الراسخ بالحق الذي قامت عليه السماوات والأرض وأنزل به سبحانه الرسل.
ب - العمل الدؤوب الذي يتميز بالإخلاص فلا يرجو به إلا وجهه سبحانه، والصواب فيكون على سنته الله، وبهذا ينجو في الاختبار الذي فتح من أجله خلق سبحانه السماوات والأرض والموت والحياة، ليختبر به خلوص وصواب عمله (لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلا) ([9])
ج- الدعاء الخاشع وذلك لأن «الدعاء هو العبادة» ([10]).
انطلاق.. واختلاط:
الركيزة الدعوية الخامسة: الحركة الإيجابية. وهي السمة! التي برزت في وصفه. سبحانه لهؤلاء الفتية: إذ قاموا أي قاموا فتحركوا بفكرتهم وانتقلوا بها من مرحلة الفكرة إلى مرحلة العمل، ومن طور التنظير إلى طور التطبيق.
والحركة العملية بالفكرة هي أحد مراتب الفلاح والنجاة في مجاهدة النفس التي هي أربع مراتب من استكمالها صار عبداً ربانياً عظيماً.
وذلك لأن الجهاد أربع مراتب جهاد النفس وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين، فجهاد النفس أربع مراتب أيضا:
الأولى أن يجاهد على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجامدها على الدعوة إليه. وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماوات)([11])
وهذه الركيزة هي أحد معالم الطريق الذي بدأ به الحق سبحانه الخطوات التربوية الأولي معه الله عندما رآه يتزمل ويعتكف في بيته خائفا من الملك الذي أرسله سبحانه إليه، فكانت البداية والنقلة العظيمة بأمر رباني: «يا أيها المزمل.. قم" (قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك. قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد. إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبد الكبير.. فما له والنوم؟ وما له والراحة وما له والفراش الدافئ، ولقد عرف الرسول حقيقة هذا الأمر وقدره فقال لخديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام مضى عهد النوم يا خديجة... ثم وبعد عام كامل من فرضية قيام الليل حتى تورمت أقدام الرسول وطائفة من الذين معه نزلت الآية الأخيرة للتخفيف ومعه التطمين بأنه اختيار الله لهم وفق علمه وحكمته بأعبائهم وتكاليفهم التي قدرها في علمه عليهم ([12])
وإذا كان العلم لا يورث إلا بالتجربة والتدقيق، فكذلك التربية لا تأتي إلا بالحركة والتجربة العملية والانطلاق للاختلاط بدنيا الناس، وتدبر قوله سبحانه عن الرجل الصالح وتلميذه موسى – عليه السلام – في مواضع التربية الثلاث «فانطلقا أي تحركا واختلطا وطبقا وقاما بالحق معا.
لذا فإن الداعية يدرك أهمية القيام بأمر الدعوة والحركة بالفكرة في دنياه ودنيا الناس فإذا كان العلم لا يهلك حتى يكون سرا) ([13]) فإن الفكرة كذلك، تندثر وتضيع بانزوائها في سراديب العقول وكهوف النفوس، وأيضا فإن الدعوة تنعزل وتتقوقع بل تهلك عندما لا تجد من يتحرك بها ويقوم بها في نفسه فيصلحها وفي غيره فيدعوهم.
([1]) شروط النهضة مالك بن نبي ١3 – ٤٥ بتصرف.
([2]) أزمتنا الحضارية في ضوء سنة الله في الخلق د. أحمد محمد كنعان ١٦٤
([3]) البلد: (۱۰)
([4])(النور: (٣٥)
([5])الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ابن تيمية
([6])زاد المعاد: ابن القيم 33/3
([7])القصص (٢٤)
([8])في ظلال القرآن: سيد قطب ١٩١٤/٩٢
([9]) (الملك:2)
([10]) رواه أبو داود وحسنه الترمذي.
([11]) زاد المعاد: ابن القيم 9/3- ۱۰ بتصرف.
([12])في ظلال القرآن سيد قطب 2743/29- 3744 بتصرف
([13])صحيح البخاري 35/1
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالأسس النفسية للتأثير الدعوي (2) الارتبـاط بيـن العاطفـة والسلوك
نشر في العدد 2182
20
الثلاثاء 01-أغسطس-2023


