; ماذا بعد تعيين بنازير بوتو رئيسة لوزراء الباكستان؟ | مجلة المجتمع

العنوان ماذا بعد تعيين بنازير بوتو رئيسة لوزراء الباكستان؟

الكاتب مراسلو المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988

مشاهدات 30

نشر في العدد 894

نشر في الصفحة 46

الثلاثاء 06-ديسمبر-1988

دخلت الباكستان مرحلة جديدة من مراحل تاريخها المعاصر بعد إعلان الرئيس الباكستاني بالوكالة غلام إسحق خان مساء الخميس أول ديسمبر عن تعيين بنازیر بوتو رئيسة للوزراء في البلاد، وتكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة كي تتولى السلطة في البلاد خلال ساعات بعد هذا الإعلان وفي الثاني من نوفمبر وجهت بنازير بوتو كلمة إلى الشعب الباكستاني بصفتها رئيسة للوزراء، ولم يكن تعيين السيدة بوتو أمرًا مستبعدًا خاصة بعد فوز حزبها في الانتخابات المركزية بنسبة ٤٥% من المقاعد العامة إلا أن الفترة التي سبقت الإعلان الرسمي لاختيار السيدة بوتو شهدت بعض التحركات والمناورات التي كانت تؤكد على أنها رئيسة الوزراء المقبلة وإن كافة التحركات التي يقوم بها التحالف الجمهوري بقيادة نواز شريف هي محاولات ضعيفة الأمل. 

التحركات التي سبقت تكليف بنازير: 

شهدت الساحة خصوصًا قبل تعيين بنازير تحركات كثيرة كانت كلها براهين قاطعة على أن الشرق والغرب قد أجمع على أن بنازير بوتو هي رئيسة الحكومة القادمة فمن هذه التحركات:

  1. اجتماع السفير الأمريكي في الباكستان مستر أوكلي مرتين بالسيدة بنازير إحداهما كانت يوم 1988/۱۱/25 وذرًا للرماد في العيون اجتمع مع نواز الشريف يوم 1988/۱۱/26 إلا أن مقابلة بنازير قد حظيت باهتمام واسع من جانب الصحف الموالية لها بخاصة.
  2.  كان الرئيس الباكستاني بعد اجتماعه مع بنازير ونواز شریف بعد إعلان النتائج الانتخابية قد أعلن أنه سيتم تكليف رئيس الحكومة بعد أول اجتماع للبرلمان يوم 5 ديسمبر لكن فوجئ الجميع بتغيير هذا الموعد إلى أول ديسمبر وأن يجتمع أعضاء البرلمان في نفس اليوم لإجراء اليمين الدستورية واتفق على أن يتم اختيار رئيس الجمهورية يوم ١٢ ديسمبر وقد أشار بعض المراقبين إلى أن التغيير المفاجئ لهذا الأمر من قبل رئيس الجمهورية ربما يبين أن هناك ضغوطًا ما قد مورست خاصة بعدما أعلنت بنازير مرارًا أنها سوف ترشح الرئيس إسحاق خان لرئاسة الدولة وتدعمه إذا كلفها برئاسة الحكومة. 
  3. في الوقت الذي كان فيه التحالف الجمهوري يسعى هنا وهناك في محاولة لضم خمسين مقعدًا إلى صفوفه حتى يتمكن من الحصول على الأغلبية كان حزب الشعب يركز في مفاوضاته مع المهاجرين «۱۳ مقعدًا» ووعدهم بقبول بعض مطالبهم ولم يتم التوقيع فيما بينهم على انضمام المهاجرين رسميًا إلى حزب الشعب ليصبح عدد مقاعده «١٠٥مقاعد» من «۲۰۷» إلا قبل ساعات من إعلان الرئيس الباكستاني عن تكليف بنازير بوتو برئاسة الحكومة وذلك حتى يغلقوا الطريق على المهاجرين من أن ترشح الرئيس إسحاق خان لرئاسة الدولة وتدعمه من أن يتفاوضوا مع التحالف الإسلامي. 
  4. يشير بعض المراقبين إلى أن الجيش ربما يكون قد وافق على تولي بنازير للمسلطة بعدما فرض عليها ثلاثة شروط هي: 

أولًا: ألا تتدخل في القضية الأفغانية أو أوضاع المجاهدين على اعتبار أنهم يشكلون جدار حماية أول للباكستان. 

ثانيًا: ألا يكون لها تدخل مباشر في شؤون الجيش أو ميزانيته أو أية علاقة بضباطه أو ترقياتهم. 

ثالثًا: أن تترك قضية المفاعل النووي جانبًا وألا يكون لها به علاقة ويرى البعض أن هذه الشروط ربما يحافظ على جزء منها أو تتغير حسب تطورات السياسة ومجريات الأمور. 

  1. حرصت الصحف الباكستانية خاصة ذات الميول الشيعية والشيوعية على إبراز بنازير خلال الأيام التي سبقت تكليفها بل منذ ظهور النتائج الأولى على أنها رئيسة الحكومة القادمة دون منازع، وقد تمثل ذلك في كتابة التحليلات والاستطلاعات ومتابعة تحركاتها والسعي لإبرازها في صورة الزعامة والقيادة وعمل التحقيقات التي تظهر أن كافة طبقات الشعب تؤيد اختيارها رئيسة للحكومة وإبراز هذا الأمر على أنه مطلب شعبي ملح بعد اختيار الشعب لها ولحزبها في الانتخابات.
  2. قام السفير السوفياتي في إسلام آباد بدعوة السيدة بوتو إلى الغداء يوم ٢٩ نوفمبر وقد أعلن على إثر هذا الغداء عن التحالف بين حزب الشعب وحزب ناشيونال عوامي الشيوعي وذلك على مستوى البرلمان المركزي والبرلمان المحلي في بيشاور مما مكن حزب الشعب كذلك من تكوين الحكومة المحلية في إقليم الحدود بالتعاون مع حزب عوامي الشيوعي الذي يتزعمه ولي خان. 
  3. إعلان نواز شریف زعيم التحالف الجمهوري عن انسحابه من معركة رئاسة الحكومة يوم 88/۱۱/30 دعم موقف بنازير وجعل تأكيد اختيارها رئيسة للوزراء أمرًا لا شك فيه. 

لعل هذه التحركات وغيرها كان كل واحد فيها كافيًا للتأكيد على أن اختيار بنازير لم يكن أمرًا بعيدًا أو غير محتمل، ولا شك أن الكواليس كانت تدور فيها أمور أخرى أشد تأكيدًا من هذه، وتحركات دولية لإتمام اللعبة التي ربما كان اغتيال الرئيس الراحل ضياء الحق حلقة أساسية من حلقاتها، ولكن في ظل تکليف بنازير بمهام الحكومة ما هو المتوقع بالنسبة المستقبل باکستان في الفترة القادمة؟ 

التوقعات بالنسبة لمستقبل باكستان: 

لا يختلف اثنان –رغم كل ما يمكن أن يقال من ملاحظات- على أن مزايا حكم ضياء الحق أنه جمع البلاد تحت راية واحدة على الأقل ظاهريًا، واستطاع أن يقضي ظاهريًا أيضًا على السرعات العرقية التي تتجاذب البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، لكن الانتخابات الأخيرة قد أفرزت كثيرًا من الحقائق التي ربما تعرضنا لبعضها في تحليلات سابقة ومن أهم هذه الإفرازات هو تأجج العصبية والعرقيات في المجتمع الباكستاني وهذا يجعلنا نقف على بعض الملاحظات والتوقعات بالنسبة المستقبل باکستان –خاصة بعد تعيين بنازير بوتو– وذلك على الصعيدين الخارجي والداخلي: 

أولًا على الصعيد الخارجي: يرى بعض المراقبين أن السياسة الخارجية الباكستانية في الفترة القادمة ربما تسير في اتجاه مغاير للاتجاه الذي كان يسير فيه ضياء الحق –رحمه الله– ويوجزون ذلك في نقاط أهمها: 

  1. أن العلاقة بالدول العربية والإسلامية ستشهد فتورًا ملحوظًا عما كانت عليه في عهد ضياء الحق وربما تتجه بنازير لتقوية علاقتها بالغرب وتدعيم علاقتها بكل من الهند والاتحاد السوفياتي. 
  2. إن السياسة الخارجية للباكستان ربما تكون أضعف في مواقفها من القضايا الإسلامية خاصة كقضية فلسطين والفلبين وغيرهما من القضايا.
  3. رغم ما يشاع من أن حزب الشعب قد وعد الجيش بعدم التدخل بالقضية الأفغانية إلا أن بنازير أعلنت مرارًا أنها سوف تلتزم بالاتفاقات الدولية فيما يخص أفغانستان ولذلك فإنه يتوقع أن تبدأ الحكومة الجديدة بتغيير موقفها بصورة تدريجية من هذه القضية الهامة. 
  4. عدم حنكة بنازير وضعف قدراتها السياسية التي أجمع عليها كثير من المراقبين حتى الغربيون يجعلنا نترقب بعض التخبط في السياسة من امرأة لم تتخط الخامسة والثلاثين من عمرها ولم يسبق لها أن مارست العمل السياسي بصورة تؤهلها لهذه المسؤولية ولا تملك أي رصيد سياسي سوى أنها وريثة لذو الفقار علي بوتو رئيس حزب الشعب. 

ثانيًا: على الصعيد الداخلي: يرى البعض أن البنية الداخلية للباكستان والتي أفلح الاستعمار في تكوينها مهيأة دائمًا لتحقيق الأغراض التي أرادها المستعمر لذلك فإن المخاوف التي تدور في الأذهان كثيرة خاصة بعدما أصبحت بنازير بوتو رئيسة للوزراء وهناك بعض التوقعات بالنسبة لمستقبل الباكستان داخليًا ومن هذه التوقعات:

  1. أن الفترة القادمة ربما تشهد أكبر متاجرة سياسية في تاريخ الباكستان الحديث حيث يسعى حزب الشعب إلى السيطرة بكوادره على كافة المؤسسات والمرافق في الدولة خاصة في الولايات التي تمكن من تشکیل حكومات محلية فيها «السند وإقليم الحدود» وهذا ولا شك سوف يؤدي إلى كثير من العداوات والمزايدات والفساد السياسي في المجتمع. 
  2. السعي لاستقطاب بعض العناصر البارزة من المستقلين أو أعضاء التجمعات الأخرى عن طريق عرض الوظائف والدرجات عليهم مقابل انضمامهم الحزب الشعب. 
  3. توقع ازدياد تأزم المشكلات الطائفية بين السند والبنجاب خاصة في الوقت الذي ستكون فيه الحكومة المحلية في السند تابعة لحزب الشعب والحكومة المحلية في البنجاب تابعة للتحالف الجمهوري، كما أن هذا سيؤدي إلى تأزم المشكلات بين الحكومة المركزية التي ترأسها بوتو وحكومة البنجاب التي يرأسها نواز شریف. 
  4. ازدياد نفوذ الشيعة في الباكستان بعد بروز كثير منهم في مناصب هامة ومنهم رئيسة الحكومة وقد نوه الرئيس الإيراني بذلك حينما أرسل رسالة للرئيس الباكستاني يهنئه فيها على وهي الشعب الباكستاني في اختيار حكامه. 
  5. تقوية وضع الشيوعيين بعد تحالفهم مع حزب الشعب خاصة في إقليم الحدود «بيشاور» مما يزيد المخاوف من مواجهات بينهم وبين المهاجرين الأفغان الذين لا يخفون حقدهم عليهم طوال السنوات الماضية. 
  6. ازدياد النزاعات العرقية والطائفية بسبب عدم وجود أغلبية كافية لدى الحكومة وإتاحة الفرصة للجميع بأن يفعل ما يريد دون ضوابط مما يهدد بزيادة نشاط الجماعات الانفصالية وتهديد وحدة البلاد. 
  7. من المتوقع أيضًا أن تكون الحكومة القادمة حكومة ضعيفة بسبب دخولها في تحالفات مع الآخرين وعدم وجود ساسة بارزين بين صفوفها خاصة رئيسة الحكومة مما يجعل الفرصة مهيأة لازدياد الرشوة والفساد الاجتماعي بين طبقات المجتمع. 

ولكن مع هذه التوقعات التي ربما يكون لها رصيد من الواقع ما هو الحل الآن وهل هناك سبيل للعلاج؟ 

أين المخرج؟ 

إن هذا الركام الهائل من المشكلات والاختلافات وقصور الفهم الإسلامي، والجهل بأبسط قواعد الدين وأصوله، وتواجد كم ضخم من الأحزاب العرقية والديانات غير الإسلامية هذا الركام الذي أفرزته الانتخابات وجعلتنا نعيش واقعًا ما كنا نتصوره أو نتخيله في يوم من الأيام وهو أن يختار شعب مسلم برغبته امرأة تحكمه وتسير أموره، هذا الواقع يجعلنا نقف وقفة تأمل لنرى ما سبب ذلك وما المخرج؟ 

أما السبب الإجمالي فقد أجمله البعض في عنصر واحد هو أن الخطة التي رسمها أعداء الإسلام للشعب الباكستاني قد آتت أكلها الآن بعد ما يزيد على الأربعين عامًا؟ 

وأما المخرج فهو أن تقوم الحركة الإسلامية بإعادة الإسلام إلى حياة الناس؟ أو إعادة حياة الناس إلى الإسلام كما عليها أن تسعى لاستيعاب التجمعات الإسلامية الأخرى الموجودة على الساحة. وأن كل هذا الركام وكل هذه النتيجة لن يتحملها أحد أمام الله، ثم أمام الناس والتاريخ سوى الحركة الإسلامية لأن هذا الواجب لن يقوم به أحد غيرها. 

وهذا يلقى علينا عبئًا ثقيلًا كي تدعم دورها، وتغير خططها وترتقي بمناهجها وأساليبها كي تنقذ هذا الشعب المسكين الذي يحاط بثلاث قوى كبرى تريد أن تلتهمه وتقضي عليه اليوم قبل الغد. 

فهل سيكون اختيار بنازیر بوتو لحكم البلاد مدعاة لوقفة طويلة يتم من خلاها تصحيح المسار؟!!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

64

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 14

42

الثلاثاء 16-يونيو-1970