العنوان عــود إلى التربيــة.. كلية الحقوق والشريعـة بين شريعة القرآن وشريعة الرومان
الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 09-يونيو-1970
مشاهدات 16
نشر في العدد 13
نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 09-يونيو-1970
مدى عناية جامعاتنا وكليات الحقوق والشريعة الإسلامية.
رزحت البلاد العربية والإسلامية تحت نير الاستعمار، ولم يمض قرن من الزمان حتى كانت هذه البلاد قد تناست كل ما يربطها بدينها وماضيها التليد، وأقبلت بكل جوارحها وقواها تعب وتنهل من المستعمر كل ما تريد في عهود الاحتلال وبعده، بل كان تمسكها برواسب الماضي عقب تحررها أشد وأعتى من ذي قبل، وذلك لأن الناس قد أشرب في قلوبهم وعقولهم حب ما كان مصدره القوي الغالب وما زينه لهم وما بثه بينهم عن طريق دور التربية والتعليم من شكوك وشبهات ظلت لصيقة ومتمكنة من القلوب والأذهان.
فلا عجب إذا ما ردد تلك الشكوك والشبهات أساتذة لهم في وسط الناس منزلة مرموقة ومكانة عالية على الخلف كما تلقوها هم عن السلف عن طريق مجامع العلم ودور التعليم وعلى صفحات الجرائد والمجلات السيارة، وفي مضامين كتبهم التي يترجمونها إلى لغة قومهم، وملخص هذه الشكوك وتلك الشبهات أن الشريعة الإسلامية أصبحت غير ملائمة لروح العصر ومتطلبات الحياة فضلًا عن أن تتخذ منها الدول نظام حكم لها وأساسًا للتشريع لضبط أمور الناس وإصلاح شؤون الرعية ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (الكهف: ٥).
ورغم كل هذه الافتراءات والحملات النكراء، فقد ظل رجال من علماء المسلمين ينافحون عن شريعة الله ويبينون فضلها ومزاياها لا تلين لهم قناة ولا تخور لهم عزيمة، ولا يخافون في الله لومة لائم، يقارعون الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، وكان في مقدمة هؤلاء علماء الأزهر الشريف بقلعتهم الصامدة ومعهدهم العتيق، ظلوا جنودًا أوفياء صابرين لا يزحزحهم عن موقفهم وعد أو وعيد على قلة العدد وقلة في العتاد، حافظوا على شريعة الله عن التغيير والتبديل، وصانوها عن عبث العابثين واستهتار المستهترين طيلة قرون طويلة، كما ظل الجامع الأزهر محافظًا على سمته مؤديًا واجبه في أحلك الظروف وأسوأ الأحوال لم يوصد له باب في وجه طالب علم أو راغب في هدى وكان بذلك مفخرة لمصر بلا جدال.
واليوم وقد قطع وطننا الحبيب شوطًا في ميدان العلم، وأُنشئت الجامعة وأُنشئ فيها كلية الحقوق والشريعة، وكان جديرًا بهذه الكلية أن تحتضن الشريعة الإسلامية ناهجة نهج مثيلتها كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر تكرّس جهدها لحماية شريعة البلاد منذ نشأتها ودين الدولة، كما نص في دستورها آخذة بنصيب وافر من الدراسات القانونية كثقافة عصرية لا يحسن الجهل بها أو تجاهلها، وقد أحست بعض كليات الحقوق بالجامعات العربية المختلفة هذا الجفاء منها لشريعة كانت هي الشريعة العامة لهذه البلاد عبر قرون طويلة؛ فقررت دراستها مقارنة بالشرائع الوضعية ثم ألغتها وجعلت لها دبلومًا خاصًّا أطلقت عليه دبلوم القانون المقارن تدرسه بعد المرحلة الجامعية لمن شاء من الطلاب، وبين يدي كتاب مبادئ القانون المقارن لمؤلفه الأستاذ الجليل الدكتور عبد الرحمن البزاز الذي درس هذا الكتاب في جامعة عين شمس أثناء إقامته بمصر، وقد قارن في دراسته بين شرائع ثلاث: هي الشريعة الإسلامية، والشريعة الرومانية، والشريعة الإنجليزية، وقد قارن بين مصادر القانون في الشرائع الثلاث سالفة الذكر، وأفرد لكل من السوابق القضائية ومبدأ العدالة والعرف فصولًا بحثها بحثًا مستفيضًا، وقد بيَّن سبب اختياره لهذه الشرائع الثلاث بقوله في صفحة ٥٠ في الفصل الذي عنون له الشرائع الكبرى المتطورة: «يمكننا أن نعد إذن الشرائع المتطورة ذات الطابع العالمي أي الشرائع التي انتشرت في أكثر من قطر واحد أو بقعة معينة وتشربت من أرض ميلادها إلى أنحاء غيرها من بقاع العالم الفسيح ثلاثًا: وهي الشريعة الرومانيةــ والشريعة الإسلامية- والشريعة الإنجليزية، وهي الشرائع الثلاث العظمى المتطورة التي اتخذها «السير هنري مين» أساسًا لدراسته القانونية التاريخية المقارنةــ إلى أن يقول فالشريعة الرومانية كما لاحظنا هذا من قبل تكون الأساس المتين لمعظم التقنينات المدنية الحديثة، فالقانون المدني الفرنسي والقانون المدني الإيطالي والقوانين المدنية العديدة المنتشرة في جمهوريات أمريكا اللاتينية. بل إن أثر القانون الروماني ظاهر في تقنيناتنا العربيةــ ويقول عن الشريعة الإنجليزية- وإن تكن أقل أثرًا على تشريعاتنا المدنية الراهنة ولكن نفوذها في نواحي القانون العقابي وأصول المرافعات العقابية وتشكيل المحاكم وبعض فروع القانون الأخرى ظاهر خاصة في النظام القانوني في السودان والعراق والأردن، إلى أن يقول عن الشريعة الإسلامية أما عن الشريعة الإسلامية أو على الأدق الفقه الإسلامي فهو وإن لم يبق بكليته المصدر الوحيد للنظام القانوني الجديد في كل بلادنا فإنه لم يزل مصدرًا حيويًّا بل ومنفردًا لأكثر من فرع واحد من فروع القانون.
إن أحكام الأحوال الشخصية والمواريث وأحكام الوقف مثلًا تكاد تقوم على أساس الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي وحده» وهو في كل بحوثه ينتهي إلى أن الشريعة الإسلامية لا تقل أصالة عن الشريعتين الرومانية والإنجليزية، وقد نحا نحو الدكتور البزاز أساتذة كثيرون نذكر منهم المستشار بمحكمة النقض المصرية أحمد موافي الذي وضع كتابه -من الفقه الجنائي المقارن بين الشريعة والقانون- وهي دروس ألقاها على طلبة كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر-والأستاذ المرحوم القاضي عبد القادر عودة فوضع كتابه ـ التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي في مجلدين كبيرين: الأول يبحث في القسم الجنائي العام، والثاني وضعه في القسم الجنائي الخاص، كما كتب الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو زهرة كتابين في الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي سار فيهما على غرار ما يكتبه أساتذة القانون المحدثون من حيث التبويب والترتيب، ولم يكن نصيب القانون المدني أقل من مثيله القانون الجنائي لدى علماء الإسلام، ويكفي أن نشير إلى أن الخلافة العثمانية قد نظمت القانون المدني تنظيمًا على نحو التشريعات الحديثة يعرف باسم مجلة الأحكـام العدلية طبق في بلاد عربية وإسلامية فترة غير قصيرة، ولا تزال تطبق بدولة الكويت على النزاعات المدنية وإن كان ظلها تقلص بما استحدث من تشريعات وقوانين تعتبر مقيدة لأبواب كثيرة من المجلة، وقد تصدى لشرحها كثيرون: كالأتاسي والمحاسني، وسليم باز وغيرهم، وكتبهم تعتبر مراجع حية للفقه الإسلامي في هذا الشق من القانون، وهناك بحوث وكتب كثيرة يكتبها أساتذة الشريعة بالجامعات كالشيخ علي الخفيف، والدكتور المرحوم محمد یوسف موسى في كتابيه فقه الكتاب والسنة «البيوع والمعاملات المالية المعاصرة والفقه الإسلامي»، ولا ننسى الدكتور أحمد عبد المنعم البهي الأستاذ بكلية الحقوق والشريعة فإنه قد كتب عدة مؤلفات في الفقه الدستوري الإسلامي وغيرهم كثيرون، ولسنا في مقام التعداد والحصر، وإنما نريد أن ننتهي إلى أن الشريعة الإسلامية هي التي يجب أن توجه لها جهود المشتغلين بالدراسات القانونية، وأن تعنى بها فروع الجامعات وكليات الحقوق في البلاد العربية والإسلامية، وأن تكون هي الأصل والأساس في هـذه المعاهد حتى تتخلص هذه البلاد كلية من القوانين الأجنبية التي لا تمت بصلة إلى أعرافها وتقاليدها وماضيها وحاضرها، ويتناقض مع منطق الواقع وكفاح شعوبنا للتخلص من آثار الاستعمار البغيض.
ومما يلفت النظر أن نستمع بين الفينة والفينة على نقيض ما يثيره رجال القانون العرب من نقص الشريعة الإسلامية وعدم تجاوبها مع الحياة المعاصرة هو إعجاب الغربيين أنفسهم بالشريعة الإسلامية ودهشتهم لسبقها في إيجاد حلول على مستوى عميق لكثير المشاكل القانونية والمسائل العملية، فقد ذكر الأستاذ الكبير مصطفى الزرقا في كتابه المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية أثناء المحاضرات والمناقشات التي عقدتها كلية الحقوق بجامعة باريس في أسبوع الفقه الإسلامي، يقول نقيب المحامين الفرنسيين السابق «أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يُحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلوحه أساسًا تشريعيًّا يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور وبين ما نسمعه الآن في المحاضرات ومناقشاتها مما يثبت خلاف ذلك تمامًا ببراهين النصوص والمبادئ».
ونحن بعد هذا العرض الموجز لوجهات النظر المختلفة حول القيمة الذاتية للشريعة الإسلامية نهيب بكلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت إلى أن تجعل الشريعة الإسلامية أساسًا للدراسة فيها سيما وأن دستور دولة الكويت قد نص في مادته الثانية على أن دين الدولة الإسـلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، فإن هذه العناية من القانون الأساسي لدولتنا الفتية يحتم على كلية الحقوق والشريعة أن تجعل الشريعة الإسلامية في مقدمة دراساتها القانونية، وأن تتيح لدراستها من الوقت ما يكفي لاستيعاب طلبتها شريعة البلاد، وأن أربع ساعات في الأسبوع كما يبين من تقويم الجامعة لعام ٦٨ــ٦٩ غير كافية للإلمام بهذه الشريعة فضلًا عن أن يستوعب فيها الطالب مبادئها ومقاصدها، ولتسترشد بمناهج كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ولتسر على منوالها، فإن دراسة مادة أصول الفقه وحدها قد أعدت لها تلك الكلية ست ساعات في الأسبوع، وكذلك مادة الفقه بشتى فروعها ما يقرب من هذا الوقت، ثم مادتي تفسير آيات الأحكام وأحاديث الأحكام، وهما مادتان مهمتان لا يستغني عنهما فقيه ومن يعمل في مجالات القضاء والمحاماة ومجالس التشريع في البلاد، إذ إن الكتاب والسنة مصدران رئيسيان من مصادر الشريعة الإسلامية، ونجد في التعليقات والشروح على المادة الثانية من دستور الكويت ما يوحي إلى أنه لا يسار في استقاء التشريعات والتقنينات إلى غير الشريعة الإسلامية إلا في الضرورة القصوى، فيقول: «لم تقف هذه المادة عند حد النص على أن دين الدولة الإسلام، بل نصت كذلك على أن الشريعة الإسلامية بمعنى الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، وفي وضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى إلخ...» هذا وإن كنا لا نوافق الشارح في كل ما ذهب إليه لأنه بنى شرحه على مفهوم خاطئ لدلالة كلمتي دين ـــوشريعةــ إذ إن الدين والشريعة لفظان مترادفان، كما أن إطلاق كلمة شريعة على فقه غير سديد من الجهة اللغوية والمعنى لكل من هاتين الكلمتين إذ إن الفقه الإسلامي ما هو إلا جزء من الشريعة الإسلامية، كما هو جزء من الدين، وإن النص على أن دين الدولة الإسلام يؤدي إلى أن الدولة ملتزمة بأحكام هذا الدين في كل تشريعاتها وتقنيناتها وكل ما تستحدثه من تشريعات وقوانين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالكويت.. ماذا بعد حكم المحكمة الدستورية بإبطال «مجلس 2022»؟
نشر في العدد 2178
576
السبت 01-أبريل-2023


