العنوان الوفاق الدولي هل بدأ ينفرط؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
مشاهدات 24
نشر في العدد 509
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
بعد مضي عام على الغزو الروسي لأفغانستان وتأزم الوضع في بولندا واحتدام الصراع في أكثر من منطقة من العالم برز سؤال مهم والإجابة عليه أهم، وهو: هل ما يجري بين كل من أميركا وروسيا من مشادات وصراعات استمرار لسياسة الانفراج أو الوفاق الدولي أم خروج عليها؟ أو بعبارة أخرى هل تخلى الروس والأمريكان عن اتفاق مناطق النفوذ؟
الوفاق يعني
انفراد أميركا وروسيا بتزعم العالم واقتسامه إلى مناطق نفوذ.
الوفاق الأول كان يالطا أوروبية والوفاق الجديد يالطا نفطية.!
الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكية مع حق المشاركة الروسية في الحلول السياسية.
هذا السؤال مطروح اليوم في عرض العالم، مطروح في أميركا وروسيا وأوروبا ودول العالم الثالث على أن الإجابة عليه تهم دول العالم الثالث بالدرجة الأولى كما تهم الدول الأوروبية بدرجة ثانية، والوفاق يهم دول العالم الثالث في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وأميركا اللاتينية وإفريقيا بالدرجة الأولى، باعتبار أن شعوب هذه الدول هي الضحية أو الثمن لسياسة الوفاق بين العملاقين وجذور الوفاق تعود إلى الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1946 حيث تم توقيع اتفاق يالطا والذي كان من نتائجه إطلاق يد كل من أمريكا في دول المعسكر الغربي وروسيا في دول المعسكر الشرقي.
مبدأ الوفاق
وخلال فترة الخمسينيات أصبحت أمريكا زعيمة العالم الرأسمالي بلا منازع، وتم إنشاء حلف شمال الأطلسي، وفي المقابل أصبح الاتحاد السوفياتي زعيم العالم الاشتراكي، وتم قيام حلف وارسو ردًّا على حلف الناتو، وبسبب ضعف الدول الأوروبية وانهيار إمبراطورياتها في الحرب الكونية، وبروز الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة عسكريًّا واقتصاديًّا تأصل الوفاق بين العملاقين على حصر الزعامة العالمية فيهما والتحذير من خطر الحرب المكشوفة والمباشرة بينهما باعتبار أن النتائج المترتبة على مثل تلك المواجهة ستكون تدميرهما أولا وتدمير العالم معهما، وكنتيجة لهذه السياسة غير المعلنة فقد اتسم عقد الخمسينيات بالتسابق في اكتساب الأنصار والحلفاء من بين دول العالم الثالث تحت شعار تحطيم الاستعمار وتطوير المجتمعات المتخلفة أو تحت شعار السلام ونصرة الشعوب المظلومة، ولكن هذا الصراع على أرض العالم الثالث كاد يؤدي إلى حرب كونية مرة أخرى، بسبب اقتراب المد الشيوعي من أمريكا وزرع الصواريخ الروسية في كوبا.
مناطق النفوذ
وكانت هذه الأزمة سببًا في تطور الوفاق بين روسيا والولايات المتحدة إلى ما يمكن تسميته تقسيم مناطق النفوذ، وطبقًا لهذه السياسة فقد كانت دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا من نصيب أمريكا وبعض حلفائها الغربيين، أما الاتحاد السوفياتي فقد كسب كوبا وفيتنام وبعض مناطق شرق أسيا، فضلا عن هيمنته على دول أوروبا الشرقية منذ تدخله في المجر وتشيكوسلوفاكيا.
الوفاق والشرق الأوسط
والذي يهمنا من سياسة الوفاق هو نصيب الشرق الأوسط منها، فقد كان مما هو متفق عليه بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي هو دعم قيام إسرائيل منذ اعترفا بها بعد إعلان تأسيسها بسويعات، وقد كان دور أمريكا يتمثل في تزويد إسرائيل بالسلاح والعتاد الحديث والمال والمؤازرة الدولية، أما الاتحاد السوفياتي فقد كان دوره يتمثل في تزويد إسرائيل بالقوة البشرية عن طريق السماح بهجرة اليهود السوفيات إليها، ومن جهة أخرى التزم الاتحاد بعدم تزويد الدول العربية ذات المناهج الاشتراكية أو «التقدمية» إلا بأسلحة دفاعية كما اعترف بذلك الملحق العسكري السوفياتي في بيروت بعد هزيمة عام 1967، وفوق ذلك فقد كان دور الأحزاب الشيوعية والاشتراكية تهيئة الرأي العام للصلح مع اليهود تحت شعار لقاء التقدميين العرب واليهود ضد الإمبريالية والصهيونية المتمثلة بشكل الحكومة الإسرائيلية؟!
ومنذ هزيمة عام 1967، وحتى عام 1977 والعملاقان يتفقان على أن تسوية أزمة الشرق الأوسط لا بد أن تكون سلمية وبمبادرة دولية تحت إشرافهما، وفي هذا الإطار عقد مؤتمر جنيف عام 1974.
وكان من ضمن الاتفاق استبعاد أوروبا من أي مشروع للسلام أو للحرب في الشرق الأوسط خاصة بعد حرب أکتوبر 1972 والتي يعتقد الفرنسيون أنها كانت موجهة ضدهم وضد أوروبا بالدرجة الأولى باعتبار أن قطع النفط العربي واستخدامه كسلاح في المعركة لم تتأثر منه إلا الدول الأوروبية واليابان ولكن بعد مجيء إدارة كارتر وتخليه عن البيان السوفياتي الأميركي بشأن التسوية السلمية في الشرق الأوسط ومضي السياسة الأمريكية في اتفاقات كامب ديفيد اختلفت المعادلة فأصبحت أمريكا تتصرف منفردة وبمعزل عن الاتحاد السوفياتي وبالتالي سجلت الولايات المتحدة نقطة ضد الاتحاد السوفياتي في سجل سياسة الوفاق.
نقاط في صالح الاتحاد السوفياتي
ولكن الاتحاد السوفياتي كان قد سجل نقاطًا كثيرة لصالحه ضد الولايات المتحدة في القارة الإفريقية عبر أثيوبيا وأنغولا وموزامبيق وغينيا بيساو، وفي آسيا خرجت أمیركا من فيتنام وسقوط النظام المؤيد لهم في كمبوديا وباختصار تورط الوجود الروسي في شرق آسيا وأخيرًا اقترب من الشرق الأوسط عن طريق علاقاته الخاصة مع نظام عدن والنظام السوري والحبشي فضلا عن احتلاله لأفغانستان المطلة على المياه الدافئة ونفط الخليج! أما أمريكا فقد تراجعت خلال عقد السبعينيات في أمريكا اللاتينية، وفي آسيا وفي الشرق الأوسط، وأصبحت الإدارة الأمريكية ضعيفة ومترددة مما شجع الحلفاء الأوروبيين إلى إحياء مطالبهم القديمة باستقلال سياستهم الخارجية العسكرية والسياسية.
يالطا نفطية
وخلافًا لما تردده وسائل الإعلام الغربي من أن سياسة الوفاق قد انهارت، يقول ميشال جو بير وزير خارجية فرنسا في عهد جورج بومبيدو أن سياسة الوفاق لا زالت مستمرة وأن لديه معلومات أن من بين المحادثات الخاصة بشأن سالت 3 بين العملاقين هو إعادة تقسيم مناطق النفوذ وبالذات في الشرق الأوسط وبالأخص في خليج النفط. وميشال جو بير هذا سبق له أن سمى اتفاق هلسنكي الأول عام 1973 «بالکوندمینیوم» أي الاتفاق الثنائي التآمري على العالم! ويشهد لرأي جو بير ما ذكره زعيم الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي عام 1968 في مذكراته من أن الاجتياح الروسي لبلاده آنذاك كان برضا أميركي.
شواهد الصراع
ولكن ما شهده العالم من توترات في وسط آسيا والقرن الإفريقي بالإضافة إلى سباق التسلح بين العملاقين على المستوى الأوروبي، وعلى مستوى الممرات المائية الحيوية فمنطقة الخليج والمحيط الهندي تجوبها السفن الحربية وحاملات الطائرات وناقلات الجنود التابعة للعملاقين وبعض الدول الأوروبية على أن أهم شواهد الصراع هو الغزو الروسي لأفغانستان وتهديد بولندا يضاف إلى ذلك ما يُشاع عن أن إدارة الجمهوريين في عهد الرئيس الأميركي المنتخب لا يؤيدون سياسة الوفاق الدولي، وأنهم ينوون زيادة النفقات العسكرية، وقد طالبوا أوروبا بذلك صراحة في مؤتمر بروكسل.
والاتحاد السوفياتي على لسان الرئيس ليونيد بريجينيف، وفي مؤتمر مدريد يتهم الغرب وخاصة الولايات المتحدة بأنها تحفر القبر لسياسة الوفاق الدولي.
وإزاء هذه الشواهد وغيرها الكثير يصعب على المراقب أن يفصل القول في الإجابة على السؤال الذي طرحناه في البداية، وهو هل سياسة الوفاق لا زالت قائمة أم لا؟
إن الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة يصران على أن الطرف الآخر يعرقل سياسة الوفاق فيما هو يؤيد سياسة الوفاق، ويريد الإبقاء عليها. وبما أنهما طرفا القضية فشهادتهما غير مقبولة إذ ليس من مصلحتها أن يقولا بأنهما متفقان على تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، أما الدول التي تحاول الاستقلال عن العملاقين فرأيها يستأنس به على أية حال كبعض الدول الأوروبية التي تحاول الإفلات من قبضة الوفاق ومتطلباته الأمريكية لا يخفي كل من جيسكار ديستان وهيلمون شميدت بأن أوروبا مع الوفاق بمعنى عدم تأزيم الموقف مع الاتحاد السوفياتي والموقف الأوروبي هذا يعود لأسباب أمنية واقتصادية، ففي الوقت الذي يشعر فيه الأوروبيون بالخوف من سياق التسلح النووي وزراعة الصواريخ في بلادهم تربطهم بالاتحاد السوفياتي علاقات اقتصادية وتجارية في نمو مطرد فقد سجلت الإحصاءات أن حصة دول الشرق في التجارة السوفياتية قد بلغت خلال التسعة أشهر الأولى في هذا العام حوالي 33%.
ولكن الولايات المتحدة تخوفها بالمد الشيوعي في أفغانستان وبولندا، ومن يدري فقد يعطي الاتحاد السوفياتي فرصة لأميركا لتخويف أوروبا الغربية في الوقت الذي يجد هو فيه فرصة لتخويف دول أوروبا الشرقية بقوات حلف الأطلسي وقرارات مؤتمر بروكسل!
الوفاق هو الغالب
وبالرغم من أن ترديد سياسة الوفاق له مردود نفسي سلبي على شعوب العالم الثالث إلا أن المراقب المطلع، وحتى هذه اللحظة لا يملك إلا أن يقول بأن سياسة الوفاق هي الغالبة فالولايات المتحدة أجلت التوقيع على سالت 2 تأجيلا فقط، ولم تلغها وعقوباتها ضد الغزو الروسي ليست أكثر من ذر الرماد في العيون، وطالما أن أمريكا باتت مقتنعة بموت الكمب فلا بد إذن من حل جديد له طابع «الدولي» ويكون الاتحاد السوفياتي فيه شريكا، وهذا ما عناه بريجينيف بدعوته لجعل الخليج منطقة أمن وسلام وما نراه من توتر وصراعات وتمحور سياسي في الشرق الأوسط ليس أكثر من نار لإنضاج الوفاق الذي لم يمت على حد تعبير كارتر عندما سأل عن ذلك بعد الغزو الروسي لأفغانستان مباشرة!
وعلى حد قول أحد كبار مساعدي وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط موريس درايبر مع بداية مرحلة الثمانينيات يبدأ العد العكسي لولادة خريطة الشرق الأوسط الجديدة! التي أسماها جوبير «يالطا نفطية» ومن دواعي تجديد الوفاق وتدعيمه هو الخوف من تمكن النزعة الأوروبية الاستقلالية من النجاح في اجتذاب بعض دول العالم الثالث الحيوية كمنطقة الخليج، خاصة وأن مصالح أوروبا في الخليج أكثر «حيوية» من مصالح أمیرکا أو روسيا.
وقد أشار وزير الخارجية الأمريكي أدموند ماسكي إلى هذا التخوف؛ بدى خفية عندما أجاب عن سؤال التطورات في الشرق الأوسط حيث قال: لقد فوجئنا بالحرب العراقية الإيرانية!
البديل الأصيل
وفي هذه التناقضات السياسية والتوترات الدولية قد يرى البعض أنه لا بد من الاستقلال عن سياسة "الوفاق الدولي"، واللجوء الى قوة ثالثة، وهي التوجه للاستقلالية توجه طيب وأساسي ولكن يجب أن يكون استقلالا حقيقيًّا وأكيدا، وإلا فستظل الشعوب الإسلامية وشعوب العالم الثالث تتقلب من استعمار لآخر ومن فساد لفساد آخر.
إن التوجه نحو أوربا أو أية قوة أخرى خارج إطار أميركا وروسيا و إن كان مطلوبًا سياسيًّا إلا أنه يجب أن يكون على أساس من المصلحة الحقيقية للشعوب وليس لتحقيق مكاسب آنية للأنظمة والحكام، ولا مخرجًا جديدًا لحل قضية فلسطين حلًّا غير عادل تماما كبقية الحلول الدولية المطروحة وفي هذه الأجواء يمكن للقوى الإسلامية أن تنمو وتتقوى بحيث تبرز هي كقوة ثالثة يحسب حسابها دوليًّا فالظروف مواتية والإمكانيات موجود ويبقى الأمر بحاجة الى قيادات رشيدة وجريئة.
فهل ماتت المروءة والرجولة في حكام المسلمين؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل