العنوان الإمام البنا.. وقيم الإعلام الإسلامي المعاصر الداعية وقف لله تعالى
الكاتب أحمد محمد إبراهيم
تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002
مشاهدات 20
نشر في العدد 1490
نشر في الصفحة 66
السبت 23-فبراير-2002
ذكرنا في الحلقة السابقة أن الإمام البنا أصبحت فيه الصفات المثلى للقائم بالاتصال (المرسل - الداعية) وذكرنا من تلك الصفات قوة الشخصية... ونكمل هنا بقية الصفات.
٢. الصدق:
كان خلق البنا الصدق في كل شيء، والصدق الذي يتحول إلى صفة ملازمة لصاحب الرسالة هو موضع اختبار دائم له من قبل جمهوره ومتلقي رسالته، وكان نجاح البنا كرجل اتصال جماهيري وكداعية صاحب رسالة مرده في أحد جوانبه إلى الصدق، فلم يجرب عليه أحد يوماً مقالة غير صحيحة ولم يبد رأياً في أمر إلا وكان صادقاً فيه مع نفسه ومع الناس ومع
الله.
ولم يكن ليتخلى عن الصدق حتى في أحلك الظروف وأشدها، فقد حدث عندما كان طالباً أن أضرب الطلاب ضد سياسة المستعمر الإنجليزي في مصر، فاجتمعت اللجنة في سكن البنا بدمنهور، واقتحم البوليس المنزل يسال عنهم، فأنكرت صاحبة المنزل ولكن هذا الجواب غير الصادق لم يرق للبنا، فخرج إلى الضابط السائل وصارحه بالأمر وناقشه بحماس وقال له: إن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معهم لا أن يعطل عملهم ويقبض عليهم، وتغيرت النتيجة وخرج الضابط وصرف عساكره يقول البنا: "هذه بركة الصدق ولابد أن نكون صادقين ونتحمل تبعة عملنا، ولا لزوم للكذب أبداً مهما كانت الأحوال".
٣. التواضع:
كان البنا متواضعاً تواضع من يعرف قدره.
متفائلاً، عف اللسان، عف القلم، يجل نفسه عن أن يجري مجرى أصحاب الألسنة الحداد، وكان لهذا أثره في نجاح اتصاله بالآخرين على المستويين الشخصي والجماهيري وعبر وسائل الاتصال المتاحة من خطب ومحاضرات وصحافة وندوات.
يقول البنا في مذكراته عن علاقته بالعلماء على سبيل المثال وتواضعه معهم "فأما العلماء فقد سلكت معهم مسلك الصداقة والتوقير والإجلال الكامل، وحرصت على ألا أتقدم أحداً منهم في درس أو محاضره أو خطبة، وإذا كنت أدرس وقدم أحدهم تنحيت له وقدمته للناس، وكان لهذا الأسلوب أثره في أنفسهم فظفرت منهم بالكلمة الطيبة".
٤- الإيمان برسالته والدأب على تبليغها:
من أهم وسائل نجاح الرسالة دأب المرسل وإلحاحه على نشرها وتبليغها، ويبدأ هذا بالتعريف بالرسالة، وشرحها ومحاولة الإقناع بها، والاستمرار في نشرها والتذكير بها من خلال جميع الوسائل المتاحة لتظل حية في الوجدان ماثلة في الأذهان.
ولقد كانت دعوة البنا محور حياته، وشغله الشاغل، تملأ عليه عقله وقلبه ووجدانه إذا تكلم تكلم بالدعوة والدعوة، وإذا سكت كان سكوته أسلوباً آخر للدعوة، يحب لها ويبغض من أجلها.
وكان شعاره "الداعية وقف الله تعالى" فهو لا يملك نفسه بل تملكه الدعوة وتوجهه. يقول البنا حاكياً أحد المواقف التي عرضت له في دعوته وحرصه على تبليغها "حدث يوم الحفل أن اشتدت بي فجأة حالة احتقان في اللوزتين لم أستطع معها السفر من الإسماعيلية إلى بورسعيد، إلا مضجعاً من الإعياء وقال لي الدكتور محمد صادق بك رحمه الله، وقد كان طبيب المدرسة إذا سافرت اليوم وخطبت الليلة، فإنك تكون الجاني على نفسك ولا أظنك تستطيع الخطابة بحال، ولكن مع هذا صممت على السفر ونزلت من القطار إلى دار الإخوان وصليت المغرب فيها من قعود للإعياء، وانتابتني بعد الصلاة حالة نفسية عجيبة، فقد تصورت سرور الإخوان يحفظهم هذا، وأمالهم المعلقة عليه، ونقودهم التي أنفقوها من أجله، ودعوتهم التي بذلوا الجهد في توجيهها، ثم تكون النتيجة اعتذار الخطيب تصورت هذا فبكيت بحرارة، وأخذت أناجي الله تبارك وتعالى في تأثر عميق واستغراق عجيب إلى وقت صلاة العشاء، فشعرت بشيء من النشاط وصليت العشاء من قيام، وجاء وقت الحفل وافتتح بالقرآن الكريم ووقفت للخطابة وبدأت وأنا لا أكاد أسمع نفسي، وسرعان ما شعرت بقوة عجيبة وشفاء تام وصفاء في الصوت غريب وارتفاع فيه كان يسمعه من في داخل الحفل ومن في خارجه، حتى كدت أحسد نفسي".
5- الزهد والبساطة:
إن الزهد والبساطة وعدم التكلف أمور تصب في صالح صدق الداعية وثبات دعوته، وقربه من جمهوره واستعداده للتلقي عنه، وقد كانت تلك صفة بارزة في الإمام البناء الذي وصفه أحد الغربيين بقوله: "كان في بيته مثال الزهادة، وفي ملبسه مثال البساطة، وكنت تلقاه في تلك الحجرة المتواضعة الفراش ذات السجادة العتيقة والمكتبة الضخمة فلا تراه يختلف عن أي إنسان عادي إلا ذلك الإشعاع القوي والبريق اللامع الذي تبعثه عيناه، والذي لا يقوى الكثيرون على مواجهته".
٦- التمسك بالمبدأ والثبات عليه:
ويضرب الإمام البنا لرجال الإعلام والقائمين بالاتصال مثالاً حياً لصاحب الرسالة الذي يكمن سر نجاحه في تمسكه بالمبدأ وثباته عليه، وتقديمه على أي نفع مادي أو مغنم دنيوي، فكم من رجل إعلام وقائم بالاتصال ذهبت سمعته أدراج الرياح ما وتبخرت دعوته ورسالته في طبقات الهواء بسبب . عرف عنه من أن مبادئه قابلة للبيع والشراء، وأن قناعاته قابلة للتغير بحسب الظروف والإغراءات.
لكن البنا كان كالطود الشامخ لايهتز له مبدأ ولا تنتزعزع له عقيدة، ولا تتغير له دعوة مهما كانت المغريات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل