; وسائل دعوية لاستثمار الحج | مجلة المجتمع

العنوان وسائل دعوية لاستثمار الحج

الكاتب د. عامر البو سلامة

تاريخ النشر الجمعة 01-سبتمبر-2017

مشاهدات 17

نشر في العدد 2111

نشر في الصفحة 18

الجمعة 01-سبتمبر-2017

الحج مدرسة بناء متكامل الجوانب يعمل على صناعة الأمة على منهج العبودية

على الدعاة أن يجعلوا الناس يعيشون جو النفحة الربانية للحج التي تهب كل عام

يمكن الاستعانة بالمجسمات لتقريب مناسك الحج ولكي يعيش الناس الجو العام للشعيرة

ينبغي إشاعة روح الأخوة بين الحجيج ونشر قيم الحب والصبر على بعض المرافقين

الحج فرصة للتعرف إلى أحوال المسلمين خصوصاً المناطق الملتهبة الساخنة

الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ويمثل بما شرعه الله لنا، محطة من محطات العبودية لله تبارك وتعالى، العبودية بكل أجنحتها، وسائر تكاليفها، وجميع شعبها، ففيه الطواف بالبيت خشوعاً لله وخضوعاً له، وفيه الانكسار بين يدي الله تعالى، وفيه ترغيم الشيطان، وكسر أنفه، بمعصية المسلم له، مع الاستسلام لله تبارك وتعالى، وفيه الذبح لله تعالى، وحده لا شريك له، مع نفي عبادة من سواه، فيه السجود لله، فلا ركوع ولا سجود إلا له، فيكون المرء المسلم بهذا قريباً من الله تعالى، متحققاً بمعاني الربانية، التي تجعله ولياً لله تعالى، من الذين آمنوا وكانوا يتقون.

فالحج، مدرسة بناء متكامل الجوانب، يعمل على صناعة الأمة، على منهج العبودية، ووحدة الصف واجتماع الكلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (متفق عليه).

لا بد من استثمار هذا الموسم المبارك، موسم الحج، من قبل العلماء والدعاة، ويحولون هذا الموسم إلى فرصة في مجال الخير، وتعميم النفع، وحتى تتحقق مقاصد الحج، فيما شرعه الله تبارك وتعالى، وهنا يبرز دور العلماء، وأثر الدعاة، من خلال انعكاس هذا على الفرد والمجموعة والأمة، حيث وجدوا، وأينما حلوا وارتحلوا، بحيث نحقق المعنى المراد؛ علماً وفقهاً وسلوكاً، عقيدة وشريعة، ومنهاج حياة، فيرجع المرء بعد الحج كيوم ولدته أمه، خالصاً طيباً، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الشأن: كيف يكون هذا الأمر؟ وبأي وسيلة نصنع حالة الفضيلة والاستقامة على دروب الخير، ومسارات البناء الصحيح، ونحن نستقبل هذه الأيام الفاضلة من أيام الله؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» (متفق عليه).

وببساطة يمكن تقسيم الوسائل إلى قسمين:

القسم الأول: من بداية الموسم والناس في بلدانها؛ حيث على الدعاة والعلماء أن يجعلوا الناس يعيشون الجو العام لهذه النفحة الربانية التي تهب على الأمة كل عام، ويحثونهم على الحج إلى بيت الله الحرام، ويبينون للمسلمين حكم الحج، خصوصاً في إطار الفريضة التي تلزم المسلم بشرائط معروفة عند العلماء، ما بين متفق عليه، ومختلف فيه، كما عليهم – أي العلماء والدعاة – أن يستثمروا هذه الأيام المباركة في دعوة الناس إلى الله عز وجل بتذكيرهم بمقاصد الحج، واستنباط الدروس والعظات والعبر والفوائد المستفادة، من هذا الحج، حتى تكون لهم دليل سلامة، ومنارات كرامة، على طريق الحياة، ويكون ذلك من خلال خطب الجمعة، والدروس العامة، والمحاضرات، والخواطر، والتغريدات، والمقالات، والنشرات، والكتب، والتسجيلات، والمقاطع النافعات، ولا ننسى وسائل الإعلام وأثرها واستثمارها في هذا العمل النبيل، من إذاعة وتلفزة، ووسائل تواصل اجتماعي، وصحف وجرائد.

ويا لها من مناسبة عظيمة، لو وجد من يستغلها في طاعة الله تعالى، وبيان حقيقة هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، فالناس يحتاجون إلى من يرشدهم، وإلى من ينصحهم، وإلى من يشرح لهم تعاليم الإسلام، وإلى من يدلهم على المنهج الحق، في زمن كثر فيه الجهل، وانتشر علماء السوء، الذين يصفقون لمن هبّ ودبّ، مع هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين، تعم ربوع الدنيا، وساحات العالمين. 

وفي المجال الخاص؛ لا بد من التركيز على الذين سجلوا للذهاب إلى الحج، وذلك ببرنامج عمل يجمعون عليه، وتقام لهم دورات بلغة حديثة، وتوخي العرض الشائق الجذاب، على مستوى رواد المسجد، وكذا على مستوى الحارة أو المحلة أو القرية، بحيث نصل لكل من عزم عزمته لحج بيت الله، لتعليمهم الفقه التفصيلي الذي يحتاجون إليه في رحلة كهذه الرحلة، وزاد العلم لا يقل أهمية عن الزاد والراحلة التي يحتاجها الحاج، وشرطها العلماء لوجوب الحج على الفرد المسلم، وفي هذه الدروس لا بد من تعليمهم فقه الحج، بأسلوب ميسر، وفقه مبسط، ولو درسوهم كتيباً صغيراً في هذا الباب، يعد إعداداً جيداً، ليحملوه معهم فيكون ذلك أطيب وأجود. 

والنظري يختلف عن العملي، وحتى تتجلى الصورة بشكل واضح، تعجبني هنا فكرة المجسمات للمناسك، التي يصنعها بعض الإخوة للشرح والبيان، كي يعيش الذاهب للحج بجو الحج، وهنا تبرز براعة العارض، في إحداث هذه الحالة، كما أن استخدام برامج «البوربيوينت» والعرض الجديد يساعد كثيراً في هذا المجال الرحب الفسيح، الجميل الرائع.

وهنا لا بد لمن أراد قصد بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، من تذكيرهم بضرورة الإخلاص لله تعالى، وأنه عليه أن يحرر نيته، حتى تكون خالصة لوجه الله تعالى، فلا يذهب للحج، ليقال له: يا حاج، ولا ليرائي الناس بهذا ويفاخر به، ولا يبحث في حجه هذا، تحصيل سمعة يبحث عنها، من هنا قالوا: كم من ساجد أمام الكعبة، وهو يرائي أهل خراسان «إنما الأعمال بالنيات».

كما عليهم أن يذكروهم بضرورة التوبة النصوح، بشرائطها الشرعية، والإقبال الصافي، والتحلل من حقوق العباد، وطلب السماح منهم، ويستقبل كل ذلك من خلال فتح صفحة جديدة، استعداداً لميلاد جديد، مليء بالهمة العالية، والإقبال الفسيح في طاعة الله تعالى. 

القسم الثاني: عندما تبدأ رحلة الحج، حتى العودة؛ وهذا يحتاج إلى انتداب دعاة يرافقون الناس، في مواسم كهذه، وضروري أن يكونوا على المستوى المطلوب علماً وفقهاً، كذلك والأهم من ذلك أن يكونوا قدوة للناس، في أقوالهم وأفعالهم، حتى يعطوا صورة حسنة لداعية القدوة، فالناس يرقبون الداعية بعين نافذة ناقدة مراقبة كل شيء، والتأثير في عالم القدوة، لا ينكره إلا من فقد الرشد الحركي، من هنا قالوا: حال رجل في ألف رجل، خير من قال ألف رجل لرجل. 

ومن الأشياء التي ينبغي التركيز عليها، إشاعة روح الأخوة بين الحجيج، ونشر قيم الحب فيما بينهم، مع الوصية بالصبر على ما يبدر من بعض المرافقين، وكذلك إرشادهم إلى آثارها ونواتجها، ومنها ضبط الأمور حتى لا يختلف الحجيج، ويقعون في الجدال المر، والخصام المرير؛ لذا لزم تحويل هذه الرحلة الربانية إلى محضن تربوي يعود الناس وقد ازدادوا ألفة ومحبة وأخوة، لا كما نرى بعضهم، إذ يذهبون إخوة متحابين، ويعودون وقد نزغ الشيطان بينهم، فلا يكلم بعضهم بعضاً، ولا يسلم الواحد منهم على أخيه، وهذه مشكلة تحتاج إلى حذر وانتباه. 

كما أن الانضباط بالتعاليم يساعد كثيراً على سلاسة الرحلة، وتخفيف حدة المعاناة، وذلك من خلال التربية والتوجيه، وبث روح التذكير بالهدف الذي من أجله قدم المسلم إلى هذه الديار، فرب مخالفة أدت إلى كارثة. 

من القضايا المهمة التي تظهر فيها حكمة الداعية أن يعمل على التجميع، وأن يحذر الفرقة، وذلك باجتناب كل ما يؤدي إلى هذا، مع التركيز الدقيق على المتفق عليه والإعذار في المختلف فيه.

في هذا الموسم المبارك يأتي إلى هذه البقعة ملايين المسلمين من أصقاع الدنيا، وهنا تكون الفرصة سانحة في أن يتعرف المرء على من يلقاه من إخوانه، فأساس دعوتنا الحب والتعارف، كما أنها فرصة للتعرف إلى أحوال المسلمين، خصوصاً منها تلك المناطق الملتهبة الساخنة، كالذي يجري لإخواننا في سورية (مأساة العصر) وما يجري في اليمن، وبورما، وغيرها من بلاد المسلمين، وهذه فرصة مهمة لشرح قضايانا، وبيان حاجاتنا، وتوضيح المطلوب من الأمة، تجاه هذا الذي يجري، ففي مؤتمر كبير كهذا ينبغي أن يكون سبيل دعم لقضايا الأمة، ونشر أخبار ما يجري للمسلمين، وما يحل بديارهم، هذا تطلب منه الدعاء، وذاك تذكّره بما يجب أن يقوم به تجاه إخوانه من اللاجئين والنازحين، وآخر تلفت نظره إلى ضرورة التعريف بهذه الحقائق لمن يلقاه من إخوانه، ويكون سفير خير لقضايا الأمة لما يعود إلى بلده، قائماً على التفكير الفردي والجماعي، بمشاريع إغاثية أو تعليمية أو غير ذلك، من الذي يحتاجه هذا البلد أو ذاك. 

وأساس وسائل الداعية الحكمة في العرض، والموعظة الحسنة في البيان، والرفق الذي ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الرحلة المباركة

نشر في العدد 43

22

الثلاثاء 12-يناير-1971

هذا الأسبوع (45)

نشر في العدد 45

20

الثلاثاء 26-يناير-1971

أسرار الحج وحكمته ومعانيه

نشر في العدد 182

29

الثلاثاء 01-يناير-1974