; مشكلات العصر في ضوء الفقه الإسلامي.. رأي في إخلاء المستأجر من العقار المعد للإيجار | مجلة المجتمع

العنوان مشكلات العصر في ضوء الفقه الإسلامي.. رأي في إخلاء المستأجر من العقار المعد للإيجار

الكاتب الدكتور محمد رواس قلعجي

تاريخ النشر الثلاثاء 23-يناير-1979

مشاهدات 18

نشر في العدد 429

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 23-يناير-1979

 

1- لعل من أعتى المشكلات التي يواجهها المجتمع المعاصر هي مشكلة السكن؛ فالانفجار السكاني الذي حدث نتيجة تقدم الرعاية الصحية أحدث بلبلة كبرى في اختلال ميزان الإسكان حتى أنشئت للإسكان وزارات خاصة في أكثر دول العالم تُعنى بمعالجة هذا الاختلال.

ونحن لن نتعرض اليوم في مقالنا هذا لواجب الحكومات والجمعيات في تأمين السكن المناسب لكل مواطن بل لكل من استظل بظل الدولة وعاش على أرضها، باعتبار السكن أحد الضروريات التي لا غنى للإنسان عنه كالطعام والشراب، ولكننا سنبحث موضوعًا على جانب كبير من الدقة والخطورة، ذلك هو حق المؤجر في إخلاء المستأجر.

ورغم أن القوانين الوضعية في جميع دول العالم قد تناولت هذه المشكلة بالمعالجة، إلا أن دولة ما لم تحاول أن تعرف حكم الإسلام في هذه المشكلة في ضوء اجتهادات الفقهاء المسلمين، وهذا نقص كبير، وخاصة بعد أن أقرت المؤتمرات الدولية، ومعظم دساتير الدول الإسلامية أن الفقه الإسلامي مصدر التشريع، أو مصدر من مصادر التشريع.

* * *

2- إذا استأجر إنسان عقارًا للسكن أو للتجارة أو للعمل فإنه لا يخلو من أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يسيء المستأجر إلى ذلك العقار بتوهين بنائه، أو تبديل معالمه بغير إذن المالك، أو إهمال تمديداته الصحية والكهربائية أو نحو ذلك. وفي مثل هذه الحالة، إن استطاع المالك منعه من الإضرار بالعقار بالطرق المشروعة للمنع، فعل، وإن لم يمكنه منعه جاز له إخلاؤه منعًا لضرره عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».

الاحتمال الثاني: أن لا يسيء إلى العقار، وفي هذه الحالة يكون الأمر دائرًا بين افتراضين:

الافتراض الأول: جواز إخلاء المؤجر المستأجر بعد انتهاء مدة الإيجار.

الافتراض الثاني: عدم جواز إخلائه من العقار بانتهاء مدة الإيجار إلا في أحوال.

ونحن إذا أردنا التعرف على المنافع والأضرار التي يخلفها كل من الاحتمالين لوجدنا أن استمرار وجود المستأجر في العقار يعود بفوائد جمة منها:

أولًا: فوائد تعود على العقار:

وكل فائدة تعود على العقار هي فائدة عائدة على المالك في الحقيقة؛ لأنه هو الذي سيجني ثمارها في النهاية، ومن هذه الفوائد التي تعود على العقار:

1- تحسين العقار بعمليات الديكور التي ينفق عليها المستأجر مبالغ طائلة من الأموال لجعل العقار مناسبًا للعمل الذي سيقوم به فيه من السكنى أو تجارة الأقمشة، أو عرض السيارات، أو مصنع للأشرطة أو... ولو أن المستأجر عرف أنه سيخلي العقار بعد عام لما أنفق عليه هذا الإنفاق.

2- الشهرة التي يكسبها المحل التجاري أو الصناعي، ولو علم المستأجر أنه سيخلي المحل بعد عام لما أنفق فلسًا واحدًا للدعاية للمحل.

ثانيًا: فوائد تعود على المستأجر:

ومنها:

1- الاستقرار النفسي الذي يتمتع به من جراء استقراره في هذا العقار، وهو أمر ضروري لسلامة البناء الداخلي للإنسان.

2- كسب الزبائن: إذ إن هذا المحل عندما تزداد شهرته تكثر زبائنه، وهذا بالتالي يزيد من أرباح المستأجر، ولو أن المستأجر كان دائم التنقل من محل إلى آخر لفقد لكثير من زبائنه.

3- تنمية وتوسيع الأعمال: لأن الاستقرار يدعو إلى التفكير في توسيع الأعمال، ولو أن المستأجر عرف أنه سيخلي المحل بعد عام لما اشترى الآلات الضخمة التي تطور الإنتاج لصعوبة نقلها مثلًا.

ثالثًا: فوائد تعود على العملاء:

ومنها:

1- التوجه إلى المحل رأسًا للحصول على ما يحتاجونه من مبيعاته، ولو أن المستأجر كان دائم التنقل لوجد قاصدوه الكثير من المشقة للوصول إلى المكان الجديد بعد الاستدلال عليه.

2- توجه تجار الجملة إلى المحل رأسًا لعرض بضائعهم عليه.

3- توجه الدائنين إلى المحل رأسًا لتحصيل ديونهم.

4- توجه الزوار إلى المنزل رأسًا -إن كان العقار منزلًا للسكن- لزيارة أهله، إنماء لأواصر المحبة، أو امتثالًا لأمر الله في صلة الأرحام، ولو كان الساكن دائم التنقل لوقع الزوار في كثير من المشقة.

رابعًا: فائدة تعود على المالك:

وهي استمرار شغل العقار وبالتالي استمرار قبضه للأجرة بلا انقطاع.

أما الأضرار المتوقعة من استمرار بقاء المستأجر في العقار وعدم جواز إخلائه فهي تكاد تكون معدومة بالنسبة للعقار وللمستأجر وللعملاء، ولكنها محتملة الوجود بالنسبة للمؤجر.

وتنحصر هذه الأضرار بما يلي:

1- ارتفاع سعر الإيجار، إذ إن المؤجر إن كان قد أجّر عقاره قبل عشر سنوات بمبلغ ألف دينار في العام فإن أجرته الحالية عشرة آلاف دينار في العام، فإذا لم يصاحب استمرار بقاء المستأجر في العقار المستأجر ارتفاع في سعر الإيجار يتناسب مع أسعار البلد، فإن ذلك يلحق ضررًا بالغًا بمالك العقار.

2- إثبات اليد بالتقادم: ذكر الفقهاء أن ناظر الوقف لا يجوز له أن يؤجر العقار الموقوف لمدة تزيد على ثلاث سنوات لئلا تثبت اليد للمستأجر على العقار المستأجر بالتقادم.

3- منع المالك من الانتفاع بسكنى العقار عند احتياجه إليه.

هذا هو التقييم الدقيق لمشكلة استمرار المستأجر في إشغال العقار المستأجر وسلب المالك حق إخلائه منه.

فإذا استطعنا إزالة الضرر الذي نوهنا عنه تمحض الأمر مصلحة، ويزال الضرر الحاصل من ارتفاع سعر الإيجار، بأن نعطي الحق للمالك برفع أجرة العقار المستأجر عند انتهاء مدة الإيجار المتفق عليها، فيقول المالك للمستأجر: إن مدة إيجارك قد انتهت، وإن سعر الإيجار قد غلا فأصبح اليوم أجرة العقار الذي تشغله مبلغ كذا، فإن شئت فابق به وإن شئت فرغه وسلمه لي، وفي هذه الحالة يفصل القضاء في سائر الخصومات الناشئة عن ذلك.

أما ضرر إثبات اليد بالتقادم الذي تحدث عنه الفقهاء القدامى، فإنه لم يبق له أثر اليوم بعد أن أحدثت السجلات العقارية؛ إذ إن العقار يبقى ملكًا لمن سُجِّل باسمه السجل العقاري ولورثته من بعده ولو بقي في يد غيره مئات السنين.

أما ضرر منع المالك من الانتفاع بإشغال العقار لمصالحه الشخصية عند احتياجه إليه فإنه يزال بإعطاء المالك حق إخلاء المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة إن احتاج لإشغال العقار لمصالحه الشخصية.

وقد وعى الفقهاء المسلمون ذلك كله تمام الوعي فذكر ابن عابدين في حاشيته 5/15 في كتاب الوقف:

إنه إن كان الموقوف دارًا أو حانوتًا أو أرضًا فارغة عرضها على المستأجر فإن قبلها فهو أحق بها، ولزمه الزيادة من وقت قبولها، فقه([1]).

وإيرادهم هذا الحكم في كتاب الوقف، يعني أنهم يريدون بذلك: العقار المعد للإيجار دائمًا للاستعمال الشخصي؛ لأن الوقف معد للاستغلال لا للاستعمال الشخصي.

ويمكننا صياغة ما ذهب إليه الفقهاء المسلمون بما يلي:

1- يكون المستأجر الشاغل للعقار المعد للإيجار أولى من غيره في استئجار العقار الذي يشغله عند انتهاء مدة الإيجار.

2- تخضع كمية الأجرة عن مدة الإيجار المستقبلية لاتفاق جديد بين المالك والمستأجر.

3- يحق للمالك إخلاء المستأجر من العقار في أحوال... منها: احتياج المالك العقار لاستعماله الشخصي.

* * *

3- مؤيدات هذا الحكم:

أولًا: لقد تبين لنا أن استمرار المستأجر في إشغال العقار المعد للإيجار بالشروط والقيود التي ذكرناها مصلحة محضة ليس في الشريعة ما يمنعها.

والمصلحة هي الغاية التي نزلت الأحكام لتحقيقها، فإذا كانت المصلحة لا تصادم نصًّا شرعيًّا وجب اعتبارها، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، فالتزموا رعاية المصلحة في كل حال، يقول الدكتور مصطفى زيد في كتابه الذي قدم له الشيخ العلامة محمد أبو زهرة -«المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطرفي» الصفحة 32 ما يلي:

«إنهم قد التزموا رعاية المصلحة في كل حال فلم يمنعهم من رعايتها أن النصوص لم ترد بها جميعها إذا لم يكن ذلك ممكنًا، ولم يمنعهم كذلك أن بعضها ليس له نظير يقاس عليه، فيعطي حكمه إن كان هذا أيضًا غير ممكن».

ثانيًا: إن الشريعة انتهجت نهجًا إنسانيًّا هو الوقوف بجانب الضعيف حتى يصلب عوده ويقوى، وإن من يستقرئ أحكام الشريعة يرى أن ذلك صحيحًا إلى أبعد الحدود؛ فالزكاة يراعى بها جانب الفقير لا صاحب المال، ونفقة الفقير واجبة على قريبه الغني وهكذا، وعملية الإيجار فيها طرفان، المالك والمستأجر، ويكون المالك هو الجانب الأقوى في الغالب، ولذلك وجب أن تقدم مصلحته على مصلحة المالك إذا تضاربت المصلحتان.

ويفصح عن هذا تمام الإفصاح ما ذكره ابن القيم في كتابه الطرق الحكيمة ص239 فقال:

إذا قدر أن قومًا اضطروا إلى السكن في بيت إنسان لا يجدون سواه وجب على صاحبه بذله بلا نزاع، لكن هل له أن يأخذ عليه أجرًا؟ فيه قولان للعلماء، وهما وجهان لأصحاب أحمد. ومن جوّز له أخذ الأجرة حرّم عليه أن يطلب زيادة على أجر المثل(1).

3- ولعل أقرب المسائل إلى مسألتنا -أن المستأجر أحق بالعقار المستأجر من غيره من المستأجرين ما لم يترتب على ذلك ضرر على المالك- ما أخرجه الإمام مالك في الموطأ 2/746 وذكره ابن قدامة في المغني 4/496 ويحيى بن آدم في الخراج ص110 من أن الضحاك ابن خليفة أراد أن يجري خليجًا له في أرض محمد بن مسلمة ليسقي به أرضه، فأبى محمد، فقال له الضحاك: لِمَ تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك؟.

فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع؟ تسقي به أولًا وآخرًا وهو لا يضرك، فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمره به، ففعل الضحاك.

ففي مسألة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فعل ينفع رجلًا ولا يضر آخر، فقضى عمر بمنع حجب نفعه عمن هو له نافع.

وفي مسألتنا: بقاء المستأجر في العقار المستأجر بالشروط والقيود التي ذكرناها نافع للمستأجر، وغير ضار بالمالك، فلا يجوز منع هذا النفع عن المستأجر.

والله أعلم

فتاوى النكاح والعدة..

سؤال:

امرأة طلقها زوجها، ولم يمض على طلاقها غير شهر وعدة أيام حتى خطبها رجل وتزوجها، فهل يحق لها أن تتزوج قبل انتهاء عدتها؟

الجواب:

شرع الله تعالى العدة من الطلاق لمصلحة المرأة؛ لأن المرأة:

1- إذا طلقت وكانت حاملًا، فإن عدتها تنتهي بولادتها لقوله تعالى ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ (الطلاق: 4).

2- أما إذا لم تكن حاملًا، فإننا لا ندري لعلها حملت قبل طلاقها بأيام، ولذلك كان لا بد من التأكيد من براءة الرحم من الولد، ويكون ذلك بالامتناع عن الزواج مدة يعلم بها حال المرأة أهي حامل أم لا؟ وقد قدر الشارع هذه المدة بثلاث حيضات فقال جل شأنه ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ (البقرة: 228)  وكل نكاح تقدم عليه المرأة خلال هذه المدة هو  نكاح باطل، ويجب التفريق بينها وبين من تزوجته بالقوة، ويعزر (يعاقب) الزوجان اللذان أقدما على ذلك، فقد تزوج رجل امرأة في عدتها في عهد عمر، فرفعا إلى عمر رضي الله عنه فضربهما عمر دون الحد، وتزوجت طليحة بنت عبيد الله الأسدية في عدتها، فضربها عمر وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وقال: لو أعلم أنكما علمتما تحريم النكاح في العدة لرجمتكما.

3- أما المرأة التي عقد عليها زوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فإنها تستطيع أن تتزوج بعد طلاقها بلحظة واحدة؛ لأنها لا عدة عليها، للتأكد من براءة رحمها.

وصفوة القول: إنه لا يحق للمرأة أن تتزوج في عدتها، فإن هي تزوجت في عدتها يفرق بينها وبين من تزوجته ويعاقب من أقدم على ذلك.

بقي شيء لا بد لنا من ذكره وهو أن أية أمة بلغ بها الأمر أن تملكها الشهوة الجنسية أكثر مما يملكها أمر الله، فهي أمة غير جديرة بأن يكون لها المكان السامي تحت الشمس.

 

([1]) حاشية ابن عابدين 5/15.

الرابط المختصر :