العنوان تقرير عن: أوضاع الفلسطينيين العائدين من الكويت إلى الأردن
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 11-أغسطس-1992
مشاهدات 24
نشر في العدد 1011
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 11-أغسطس-1992
• انقسم المجتمع الأردني إلى طبقتين، واتهم
المقيمون العائدين بأنهم السبب وراء زيادة الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة.
• لعبت الصحافة الأردنية دورًا بارزًا في زيادة المعاناة النفسية
للعائدين، واتهمهم البعض بولائهم لأمريكا بسبب وقوفهم ضد احتلال الكويت.
بعد مرور حوالي عامين على الاحتلال العراقي للكويت
وما تبع ذلك من هجرة الجالية الفلسطينية إلى الأردن، فإن هذه الجالية لا تزال
تعاني العديد من المشاكل، وتجد صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد الذي وجدت نفسها
فيه. فمنذ أزمة الخليج، عاد إلى الأردن أكثر من (330) ألف فلسطيني كانوا يعيشون في
الكويت، بعضهم اضطر لمغادرة الكويت أثناء الاحتلال العراقي، والبعض الآخر بعد
تحرير الكويت. وبشكل عام، فقد كانت فرصة الذين غادروا الكويت أثناء الاحتلال
العراقي للتأقلم مع الوضع الجديد في الأردن أكبر من أولئك الذين غادروها بعد التحرير،
إلا أن الأخيرين في أغلبهم استطاعوا الحصول على خدماتهم بشكل أسرع وأفضل، وكانت
لديهم فرصة أكبر في أخذ الاحتياطيات والاستعدادات اللازمة للتأقلم مع الحياة في
الأردن. وبالرغم من بعض التباينات التي قد تكون كبيرة بين الفلسطينيين الذين
غادروا الكويت إلى الأردن وذلك في المستويين المادي والتعليمي، إلا أن الجميع واجه
نفس المشكلات والعقبات تقريبًا. وأهم هذه المشكلات: مشكلات السكن، والحصول على
وظيفة أو مشروع استثماري، وجمركة السيارات ودفع بدل التجنيد الإجباري. وبالإضافة
إلى المشكلات المادية، فقد واجه العائدون مشكلات اجتماعية تتعلق بالتباين في تقييم
أزمة الخليج والموقف منها. وكذلك فقد برزت مشكلة إقليمية بين الأردنيين والعائدين
الذين هم أصلًا فلسطينيون يحملون جوازات سفر أردنية.
أولًا- مشكلة السكن:
أول مشكلة واجهت العائدين كانت مشكلة السكن، حيث إن
نسبة كبيرة منهم لم تكن تملك سكنًا خاصًا واضطرت لاستئجار الشقق التي بدأت أسعارها
تقفز بشكل خيالي وبنسبة تزيد عن 300%. ومع اضطرار هؤلاء لاستئجار الشقق بعقود
سنوية، ومع عدم توفر مصدر دخل ثابت واعتمادهم على مدخراتهم، ومع عدم تدخل الدولة
لوضع حد لارتفاع إيجارات الشقق، فإن إيجارات الشقق تستهلك جزءًا كبيرًا من مدخرات
العائدين.
ثانيًا- مشكلة دفع بدل
الخدمة العسكرية الإلزامية:
المشكلة الأخرى التي واجهت أعدادًا كبيرة من العائدين
كانت قضية دفع بدل الخدمة الإلزامية، إذ إن ظروف معظم العائدين لم تكن تمكنهم من
الانخراط في التجنيد الإلزامي، حيث إن بعضهم متزوج وبحاجة لوظيفة لإعالة عائلته.
ولم يكن الكثير من هؤلاء قادرًا على دفع بدل التجنيد
وهو ستة آلاف دولار أمريكي (حوالي 4200 دينار أردني). وقد اضطر الكثيرون منهم
لاقتراض المبلغ، لأنهم لا يستطيعون الحصول على أي وظيفة قبل إنهاء خدمة العلم أو
دفع البدل. وبعد تأجيلات عديدة من السلطات المختصة للمدة النهائية المقررة لدفع
البدل والتي كان آخرها 31/7/1991، صدر قرار أردني يقضي بتجميد العمل بقرار الخدمة الإلزامية،
والسماح للأردنيين بالعمل في الوزارات والمؤسسات الخاصة حتى وإن لم ينهوا خدمة
العلم، وذلك بحجة عدم القدرة على استيعاب المزيد من المكلفين. وقد جاء هذا القرار
بعد أن دفع أكثر من 10 آلاف عائد من الكويت والخليج قيمة البدل، الأمر الذي جعل
هؤلاء يشعرون بالظلم والغبن من صدور القرار. فبينما اضطروا هم لدفع قيمة البدل
التي أرهقت أوضاعهم المالية، جاء القرار ليعفي الآخرين من دفع المبلغ، ويتساءلون
عن سبب عدم شمول القرار لهم بأثر رجعي.
ثالثًا- مشكلة البطالة:
عانى العائدون كثيرًا من صعوبة التكيف مع الأوضاع
المعيشية في الأردن. وعلى الرغم من تمكن بعض العائدين من دفع بدل الخدمة الإلزامية
والحصول على سكن مناسب، فإن معظم العائدين قد فشلوا في إيجاد فرصة عمل بسبب
البطالة الشديدة الموجودة في الأردن. وباستثناء مجموعة من الذين مكنتهم أوضاعهم
المالية من تنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية التي أسهمت في إنعاش الاقتصاد الأردني،
وخصوصًا في مجال الأسهم والسندات والعقارات، فإن غالبية العائدين لم يستطيعوا حتى
الآن توفير عمل يغطي نفقاتهم اليومية. وقد تمثلت معاناة العائدين في هذا المجال
فيما يلي:
1- إن الكثير من العائدين كانوا يعملون في شركات خاصة
ولم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على تعويضاتهم من الكويت.
2- إن الفترة التي قضوها في الأردن منذ عودتهم من
الكويت والتي شارفت على السنتين قد انقضت دون أي مردود مادي، واستهلكت معظم
مدخراتهم خلال إقامتهم في الكويت. وإذا ما توقعنا في ضوء الأوضاع السائدة في
الأردن أن يفشل هؤلاء العائدون في الحصول على فرصة عمل مناسبة خلال العامين
القادمين، فلا شك أن أوضاعهم ستكون سيئة للغاية.
3- إن معظم الذين افتتحوا مشاريع استثمارية صغيرة
ووضعوا فيها كل مدخراتهم، قد فشلت مشاريعهم تلك إما بسبب الوضع الاقتصادي في
الأردن، أو بسبب عدم توفر الخبرة الكافية لإدارة هذه المشاريع في بيئة تعتبر جديدة
بالنسبة لهم.
وقد زعم وزير العمل الأردني في شهر تموز (يوليو)
الماضي أن 40% من القوى العاملة للعائدين قد نجحوا في إيجاد وظائف، في حين أكد
(رئيس جمعية متضرري أحداث الخليج) أن 20% فقط من العائدين عثروا على عمل وفق
إحصائيات الجمعية. وأضاف أن معظم العائدين ما زالوا في وضع مأساوي، وأن كثيرًا
منهم لم يعد لديهم ما يكفي لتسديد إيجارات شققهم بعد أن باعوا ممتلكاتهم.
رابعًا- جمركة السيارات:
وأما المشكلة الثالثة والأكثر تعقيدًا فكانت جمركةالسيارات، حيث طالبت إدارة الجمارك هؤلاء العائدين بضرورة جمركة جميع سياراتهم
التي أدخلوها إلى الأردن حسب قانون الجمارك الأردني والذي قد يصل إلى أكثر من
(300)% من قيمة السيارة. وعندما اعترض العائدون على ذلك، أصدر مجلس الوزراء قرارًا
بتخفيض قيمة الجمرك حسب موديل السيارة والإضافات الموجودة فيها. وقد فرح العائدون
بهذا القرار، ولكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه لا يتضمن سوى إعفاءات بسيطة تتعلق
بضريبة الاستيراد التي لا تتجاوز 5% من قيمة السيارة. كما وجدوا أن دائرة الجمارك تستوفي
ضرائب على قيمة السيارة وجميع الإضافات الموجودة فيها (الجير الأوتوماتيك - فتحة
السقف - فرش المخمل - مساند الرأس - جنطات الألمنيوم - الزجاج الملون - مرايا
الكهرباء .. إلخ). وكذلك ضرائب للعمل الإضافي، كما وجدوا أن المستفيد الوحيد من
الإعفاء هم أصحاب السيارات الفارهة جدًا، أما أصحاب السيارات الصغيرة فقد كان
الإعفاء عليها ضئيلًا ولا يكاد يذكر. وعلى سبيل المثال، فإن سيارة هوندا أكورد
موديل 1983 يصل جمركها إلى أكثر من 4500 دينار أردني، أي أكثر من (2000 دينار
كويتي).
وبعد اعتراضات عديدة من قبل العائدين، صدرت إرادة
ملكية تتضمن توصية بإدخال تعديل جديد يقضي بإعفاء سيارة لكل عائلة من الجمرك أو
تقسيط قيمة الجمرك المفروض بما يخفف معاناة العائدين. وقد غمرت الفرحة مجددًا
العائدين، الذين اعتقدوا أن كل عائلة ستحظى بإعفاء السيارة الواحدة من الجمرك وهو
ما كانوا يطالبون به في الأصل. وانتظر الجميع صدور قرار عن الحكومة الأردنية بهذا
الخصوص، ولكن المفاجأة كانت كبيرة حينما أصدر مجلس الوزراء قرارًا بتنفيذ الشق
الثاني من الإرادة الملكية وتغاضى كليًا عن الشق الأول المتعلق بالإعفاء. وخلاصة
ما حصل عليه العائدون هو تمديد فترة التقسيط الأصلية من سنتين إلى أربع سنوات مع
حرمان الذين يختارون التقسيط من الخصم الذي يصل إلى 15% على الجمرك وهو التخفيض
الوحيد الذي حصل عليه العائدون فيما يتعلق بجمركة سياراتهم.
وعندما أدرك العائدون أن الحكومة مقدمة لا محالة على
استيفاء الجمارك كاملة على سياراتهم، على الرغم من علمها بصعوبة أوضاعهم
الاقتصادية، وعدم قدرتهم على التكيف مع أوضاع الأردن الاقتصادية، اضطر عدد كبير
منهم لبيع سياراتهم وبأسعار بخسة للتجار الأردنيين الذين قاموا بجمركة هذه
السيارات وبيعها بأسعار مرتفعة خصوصًا وأنها تحتوي على مواصفات ممتازة.
خامسًا- النظرة الاجتماعية
السلبية:
فعلى الرغم من مدى ضخامة المشكلات السابقة، غير أن
تأثيرها كان أقل حدة من التأثير النفسي للنظرة الاجتماعية السلبية التي ووجه بها
العائدون. فمع بداية عودتهم للأردن، توقعوا أن يلاقوا بالترحاب والاستقبال الأخوي،
ولكن الاستقبال كان غير ذلك تمامًا، إذ استقبلوا بالشماتة الواضحة من فئات عديدة
من المجتمع الأردني، حتى أن بعضهم اصطدم بأقربائه وأصدقائه. فقد بدأ البعض يتحدث
عن النعيم الذي كان يعيش فيه هؤلاء العائدون، والذي حرموا هم منه، وأنهم يستحقون
ما حصل لهم، مما أشعر العائدين أنهم لم يعودوا إلى وطنهم، وأنهم غير مرغوب بهم في
هذه البلد الذي كانوا دائمًا يرفدونه بتحويلاتهم من العملة الصعبة ويغدقون العطايا
على أقاربهم وأصدقائهم فيه. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتهمهم الكثيرون بأنهم يقفون في
صف أمريكا والتحالف الغربي، وذلك لأن بعضهم انتقد بشدة احتلال العراق للكويت
والممارسات السلبية للجنود العراقيين أثناء احتلالهم للكويت. وكانت روايات هؤلاء
عن الممارسات السلبية التي ارتكبها الجنود العراقيون في الكويت تزيد من الشقة
والخلاف بين العائدين والمقيمين في الأردن. إذ شكلت هذه الروايات صدمة قوية
للمقيمين الذين كانوا يسمعون الخطب النارية والادعاءات الكاذبة للقيادات العراقية
عن توزيع الثروات ودحر الأجنبي والتصدي للنفوذ الغربي في المنطقة. وللدفاع عن
معتقداتهم وتصوراتهم، اضطر هؤلاء لمهاجمة العائدين واتهامهم بتعمد تشويه صورة
العراق خدمة لمصالحهم الذاتية، وأنهم ينطلقون في تقييمهم لحرب الخليج من مصالحهم
وأهوائهم.
وعبثًا حاول العائدون إقناع هؤلاء بأنهم لا يقفون في
صف أمريكا، ولكنهم فقط ينقلون مشاهداتهم هناك. وقد أدت النقاشات اليومية في البيوت
ووسائل النقل ومختلف التجمعات إلى إحداث نوع من الفرز وبالتالي تكتل العائدين
وانعزالهم عن الشارع الأردني.
وقد لعبت الصحافة في الأردن دورًا في زيادة المعاناة
النفسية للعائدين، فقد قامت بعض الأقلام الموتورة بمهاجمة العائدين ومطالبة
الحكومة بعدم تقديم أي دعم لهم، بحجة ضرورة مساواتهم بالمواطنين الأردنيين الذين
أطلق عليهم بعض الكتاب اسم «مرابطين».
وقد طالب بعض الكتاب مثل فهد الفانك والدكتور عبد
المجيد نصير بعدم إعطاء أية إعفاءات أو تسهيلات للعائدين، لأن ذلك حسب زعمهم يمثل
ظلمًا للمرابطين، وأنه يجب المساواة في القانون بين الجميع، متناسين الظروف الخاصة
التي يمر بها العائدون. ولإقناع الحكومة بذلك، فقد داوم هؤلاء الكتاب الحديث عن
مظاهر الثراء والنعمة التي يتمتع بها هؤلاء العائدون والتي تؤكد أحقيتهم للمساعدة،
والتي من أبرزها شققهم الجديدة وسياراتهم الفخمة التي عادوا بها. وقد تناسى هؤلاء
الكتاب أن هذه الممتلكات استطاع العائدون الحصول عليها عندما كانوا يعملون في
الكويت ويحصلون على رواتب جيدة، وأن هذا الأمر قد انتهى. كما أنهم تجاهلوا أن
السيارات كانت هي الوسيلة الوحيدة للخروج من الكويت خصوصًا أثناء الاحتلال
العراقي، وأن السيارات التي يعتبرها البعض فارهة هي سيارات عادية جدًا في الكويت.
فبينما يتجاوز سعر سيارة من موديل 1985 في الأردن 5 آلاف دينار أردني وتعتبر سيارة
حديثة، فإنها تعتبر سيارة عادية في الكويت وقد لا يتجاوز سعرها 1000 دينار.
وقد زاد البعض في تجنيهم على الحقيقة والواقع حينما
اتهموا العائدين بأنهم كانوا السبب المباشر وراء رفع الأسعار والكلفة المعيشية
بسبب تهافتهم على الشقق والشراء وتبذير الأموال، مما أضر بالمواطن الأردني الذي لا
يملك ما يملكون!
ولم تقف حملة التشكيك والتهجم عند بعض الصحفيين،
ولكنها تجاوزت ذلك إلى بعض خطباء المساجد، الذين أخذوا يرددون ما يتناغم مع إشاعات
وأقاويل المغرضين الذين أحدثوا شرخًا قويًا في المجتمع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ذلك لا ينفي المواقف المشرفة
لبعض الصحفيين أمثال د. عبد الله المالكي وخطباء المساجد وبعض نواب البرلمان الذين
تبنوا مشاكل العائدين.
ويمكن تلخيص الأسباب والدوافع التي تقف وراء تلك
المعاملة غير المقبولة التي لقيها العائدون فيما يلي:
1- أن المجتمع الأردني مجتمع فقير. وكان ينظر إلى
الأردنيين الذين يعملون في الخليج على أنهم يجمعون الثروات، وأنهم يتمتعون
بامتيازات لا تتوفر لهم.
2- إن الموقف
الذي اتخذته الجالية الأردنية في الكويت ضد الاحتلال العراقي، وإدانتهم للممارسات
العراقية في الكويت كان من العوامل الرئيسية في ضعف التعاطف الشعبي. كما أن كثيرًا
من المصادر كانت تشير إلى أن نسبة الفلسطينيين في الأردن قبل أزمة الخليج كانت تصل
إلى نحو 50% من مجموع السكان (3.5 مليون نسمة). وقد عملت عودة أكثر من 300 ألف
فلسطيني على إحداث تغيير في معادلة التوزيع السكاني الديموغرافي في الأردن، الأمر
الذي أزعج بعض العناصر الإقليمية وجعلها تنظر بتخوف إلى التغيير الجديد.
وهكذا، بعد مرور فترة طويلة على استقرار العائدين من
الكويت في الأردن، فإن العوامل السابقة قد حالت دون تمكن الكثيرين منهم من
الاندماج في المجتمع الأردني. وقد صرح العديد منهم بذلك في مقابلات مع وكالة فرانس
برس للأنباء التي أجرت مؤخرًا تحقيقًا حول أوضاعهم.
وبعد...
فإن المجتمع إذ تنقل هذه الحقائق عن مراسلنا في عمان
بعد مرور عامين على العدوان العراقي الغاشم على الكويت، تشير إلى أن هؤلاء ليسوا
سوى ضحايا لهذا العدوان الغاشم على الكويت، وأنهم يضافون بمشكلاتهم إلى قائمة
الجرائم الكبرى للطاغية العراقي صدام حسين الذي لا يزال بعض السذج مخدوعين به رغم
مواصلته لجرائمه.