; بلا حدود.. عيديد.. وخرق النظام العالمي الجديد! | مجلة المجتمع

العنوان بلا حدود.. عيديد.. وخرق النظام العالمي الجديد!

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1993

مشاهدات 20

نشر في العدد 1060

نشر في الصفحة 27

الثلاثاء 03-أغسطس-1993

المبلغ المخصص للإنفاق على المجاعة في الصومال 166 مليون دولار أما المبلغ المخصص للعمليات العسكرية فهو واحد ونصف مليار دولار

لم يمنح مجلس الأمن في تاريخه تفويضًا قويًا باستخدام القوة العسكرية مثل ذلك التفويض الذي منحه لقوات «يونيصوم- 2» التي تجمعت في الصومال من 27 دولة تحت القيادة الأمريكية بدعوى القضاء على المجاعة وإعادة بناء البلاد، إلا أن نجاح الولايات المتحدة في استصدار هذا القرار من مجلس الأمن لم يكن كافيًا لإثبات هيمنتها على النظام العالمي الجديد وقدرتها على أن تفعل ما تريد تحت ستار الأمم المتحدة، ولم يكن أسلوب أفلام «رامبو» التي حاول أدميرال البحر الأمريكي «جوناثان هاو» اتباعه من خلال تصريحاته التي أعلن فيها أن «العمليات العسكرية ستستمر حتى القضاء على الجنرال عيديد». لم يكن هذا الأسلوب يصلح إلا في الأفلام الأمريكية فقط، فقد استطاع الجنرال عيديد أن يؤلب قوات 27 دولة على بعضها وأن تنقسم إزاءه ما بين مؤيد ومعارض لا سيما بعد العمليات العسكرية الأمريكية التي سقط فيها عشرات المدنيين الصوماليين بين قتلى وجرحي.

ورغم أن طول مقديشيو وعرضها- التي يختبئ الجنرال عيديد في شطرها الجنوبي- لا يتعدى مساحة حي من أحياء مدينة أمريكية إلا أن القوات الأمريكية فشلت حتى الآن في الإمساك به أو القضاء عليه، بل إن عيديد يواصل البث بصوته من إذاعة سرية محرضًا أهل مقديشيو على القتال ضد «الأجانب المستعمرين».

 ورغم أن قوات بعض الدول العربية على وجه الخصوص رفضت المشاركة أو الامتثال للطلب الأمريكي في الدخول في مواجهات عسكرية ضد قوات الجنرال عيديد، إلا أن إيطاليا التي احتلت الصومال ثمانين عامًا من قبل ولا زالت تحتفظ بعلاقات خاصة مع حكوماتها باعتبارها إحدى مستعمراتها القديمة هي التي بدأت بتفجير الأزمة إعلاميًا وعالميًا حينما رفض قائد قواتها في الصومال الجنرال لوي تنفيذ الأمر الصادر إليه من القيادة الدولية «الأمريكية» للقيام بعملية عسكرية ضد قوات عيديد ردًا على مقتل ثلاثة جنود إيطاليين واستطاع الجنرال لوي أن ينهي الأزمة مع الصوماليين بالتفاوض وليس بالسلاح، مما دفع الأمم المتحدة إلى إعلان إقالتها للجنرال لوي بدعوى مخالفته للأوامر لكن إيطاليا رفضت قرار الأمم المتحدة وطالب وزير الدفاع الإيطالي فابيو فابري من الأمم المتحدة وقف جميع العمليات العسكرية التي تقوم بها قوتها الدولية في الصومال، وسرعان ما تخلخل الموقف الدولي فطالبت رئاسة المجموعة الأوروبية الأمم المتحدة رسميًا «بتحديد مهمات يونيصوم- 2» وأساليب التوصل إلى هذه الأهداف، كما أعلن عسكريون كويتيون وسعوديون ومصريون وإماراتيون دعمهم لتصرف الجنرال الإيطالي ورفضهم استخدام القوة ضد قوات عيديد أو المدنيين الصوماليين واستبدال السلاح بالحوار، وسرعان ما طالبت أحزاب ألمانية حكوماتها باستدعاء القوة الألمانية فورًا من مقديشيو كذلك أعلنت كوريا الجنوبية تأجيل إرسال 250 عسكريًا من قواتها إلى الصومال وقالت باريس إنها تؤيد روما بشأن ضرورة التنسيق على الأرض بين قادة القوات في الصومال فيما تصاعد الخلاف بين بريطانيا والولايات المتحدة بسبب قضايا عالقة أخرى. وقد دفع هذا التجاوب الدولي إيطاليا إلى أن تطالب الأمم المتحدة بعدم استبعاد فصيل الجنرال عيديد من أي حوار في الوقت الذي كان بطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة قد طالب باستمرار القتال ضد عيديد حتى تصفيته جسديًا، وقد أدى الموقف الدولي إلى هزيمة غالي سياسيًا لا سيما بعد انتقاد الأمين العام المساعد يان إلياسون للمجتمع الدولي بأنه ينفق في الصومال على الجنود عشرة أضعاف ما ينفقه على المساعدات المقدمة للصوماليين وقال: «إن الغرض الأساسي لإرسال هذه القوات إلى الصومال كاد ينسي».

وقال «إن المبلغ المخصص للإنفاق على المجاعة يبلغ 166 مليون دولار في حين أن المبلغ المخصص للعمليات العسكرية هو واحد ونصف مليار دولار ستنفق على عمليات عسكرية في الصومال خلال 12 شهرًا فقط وهذا الانتقاد الموجه من الأمين العام المساعد للأمم المتحدة يعتبر موجها بالدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة التي صارت الأمم المتحدة ألعوبة بيدها كما أشار كثير من الديبلوماسيين الغربيين.

هذه الانتقادات التي وجهت إلى قيادة النظام العالمي الجديد من داخله أحدثت- دون شك- شرخًا في هذا النظام دفع الولايات المتحدة أن تتخلى مرغمة عن أسلوب «رامبو» وأن تقوم بمراجعة دورها في الصومال، حيث أعلن الناطق باسم الخارجية الأمريكية في 23 يوليو الماضي «أن الولايات المتحدة تدرس فاعلية مهمتها في الصومال وأنها أرسلت فريقًا وزاريًا إلى هناك لتقويم مختلف جوانب مهمة الأمم المتحدة والمشاركة الأمريكية في عملياتها في هذا البلد». 

لقد أثبتت عمليات الصومال الأخيرة أن قانون التدافع هو الغالب، وأن البشرية لا يمكن أن تسير دون القانون الذي وضعه خالق الكون له ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (سورة البقرة: 251) وإن الشرخ الذي أحدثه الجنرال عيديد وتبنته إيطاليا وساندتها فيه دول أخرى هو هزيمة لفكرة قيام قوة كون أو تسييره دون منافس وفق هواها ومطامعها، لا سيما وأن فكرة السيادة لديها قائمة على مخالفة سنن الكون، وقد يكون هذا الشرخ بداية لنهاية هذا النظام الذي لا زال في مهده.. فهل استطاع الجنرال عيديد حقًا أن يحدث شرخًا في النظام العالمي الجديد؟

الرابط المختصر :