; أزمة السكان | مجلة المجتمع

العنوان أزمة السكان

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

مشاهدات 19

نشر في العدد 81

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

                                           أزمة السكان

إعداد: قسم الترجمة

 

 واكب ظهور الثورة الصناعية ظهور بعض الاقتصاديين المشهورين ممن وضعوا أسس النظام الرأسمالي مثل آدم سميث وريكاردو وغيرهم، ولكن لم ينل أحدهم شهرة توماس مالتاس الذي ركز دراساته الاقتصادية حول موضوع واحد هو «السكان»... وقد خرج مالتاس من دراساته بأن هناك علاقة وطيدة بين عدد السكان وحجم المواد ولخص هذه العلاقة في قانونين الأول أن عدد السكان يزيد طبقًا لمعادلة هندسية 2:4:16:64 أما الموارد الغذائية فإنها تزيد بمعادلة حسابية 1:2:٣:4:5

وبناءً على هاتين المعادلتين تنبأ مالتس أن من المحتمل أن العالم سوف يواجه بمستقبل مظلم لو ترك نمو السكان ونمو الموارد على ما هو عليه.

وقد استحوذت آراؤه على عقول معاصريه وطالب مالتس بضرورة بذل الجهود للتأثير على معادلة النمو السكاني وذلك عن طريق عدم الزواج المبكر والحد من النسل وقد أدى الأمر إلى استغلال طبقة الرأسماليين الناهضة في تلك المرحلة لأفكاره ووضعوا ما يسمى بقانون الأمر الحديدي ويعني أن أجور العمال يجب أن تقف عند حد معين وهو ما يسمح بأن يبقى العامل على قيد الحياة ويعطيه الطاقة على الإنتاج فقط لأن كل زيادة عن هذا الأجر ستجعله يستهلك كمية أكبر من الطعام فتقل الموارد الغذائية المتاحة للعالم من جهة، ومن جهة أخرى كلما أكل العامل كمية أكثر من الطعام كلما زادت قدرته على ممارسة الجنس مما يؤدي إلى زيادة عدد الأفواه التي تطالب بالطعام فيزيد من درجة اختلال التوازن بين عدد السكان وكمية الموارد الغذائية المتوفرة.

وقد تنبأ مالتس بأنه إذا لم يتبع العالم هذه الاحتياطات الضرورية ليحد من زيادة عدد السكان فإن العالم سيواجه مجاعات طاحنة من حين لآخر تقضي على هذه الزيادة وتعيد التوازن مرة أخرى بين عدد الأفواه وكمية الغذاء ولذلك مالتس «كاهن الشؤم» والواقع أنه بالرغم من أن نبوءته لم تتحقق في خلال مرحلة الثورة الصناعية وما بعدها أساسًا لأن مالتس لم يبحث إمكانية اللعب والتأثير في معادلة المواد والعمل على زيادتها وهذا هو ما فعلته الإنسانية في خلال هذه المرحلة حتى اليوم، برغم ذلك فما زالت آراء مالتس تسيطر على أفكار الكثيرين سواء من السياسيين وبالذات الدول المتخلفة التي يزيد فيها عدد السكان بصورة خرافية عن نسبة المواد الغذائية المتاحة لإطعامهم كالهند والصين مثلا، وكذلك ما زالت أفكاره تسيطر أكاديميًا على علم اقتصادي عام هو علم السكان، كما ظلت تنبؤاته تبعث المخاوف والتشاؤم إلى نفوس الأجيال المتعاقبة، فما هو تقدير عالم السبعينيات لنظرية مالتس، عالم السبعينيات الذي وصلت فيه الأبحاث العلمية آفاقًا تفوق الخيال مما يبشر بوضع العالم على عتبة ثورة زراعية ربما تقلب التوازن بين عدد السكان والموارد إلى صالح زيادة عدد السكان بعكس تنبؤات مالتس، ولكن على الرغْم من هذا التقدم العلمي فما زال هناك من يحاول أن يحلل نظرية مالتس ليرى مدى تطابقها مع ظروفنا المعاصرة.

وهذا ما دفع مجلة التايم لأن تصدر مقالتها حول الموضوع بقولها أن حسابات مالتس عن الكابوس والمجاعة الطاحنة تجعل الأمر يبدو حتمًا لا مناص منه فإن سكان العالم القديم الذين احتاجوا إلى قرون طويلة حتى يصل عددهم إلى بليون نسمة لم يحتاجوا مؤخرًا إلا ۸۰ عامًا فقط ليضاعفوا هذا العدد إلى ٢ بليون ثم ٤١ عامًا فقط ليصلوا إلى عدد سكان العالم الحالي وهو ٣٫٧ بليون نسمة، وإذا سارت الأمور حسب المتوالية الهندسية التي وضعها مالتس لتزايد السكان كما يبشر اليوم أبناؤه الروحانيون فإن عدد سكان العالم سيصل إلى ٧ بليون في عام ۲۰۰۰ ميلادي وفي عام ٢٠٥٠ سيكون هناك ۳۰ بليونًا يتقاتلون مثل الحيوانات ليحصلوا على الغذاء الذي تنتجه الأرض... وبعد الأرقام تأتي أقوال الكتاب الاجتماعيين والروائيين فالروائي الإنجليزي سنو يقول «أننا في الدول الغنية سوف نكون محاطين بالمجاعات من كل صوب.

 إن كثيرًا من الناس سوف يموتون ليس بالقنابل الهيدروجينية، ولكن من الجوع... وسوف نراهم على هذه الحال على شاشة التلفزيون» ويصل التشاؤم إلى درجة التنبؤ بأنه حتى لو وجدت وسائل إطعام الملايين المتزايدة عبر السنين فإنه ما زال هناك مواجهة المصير النفسي المشابه لفأر الدكتور کالهون، والدكتور كالهون هو أستاذ علم نفس في معهد الصحة النفسية في واشنطن وقد قام بتجربة فريدة في نوعها فقد وضع ثمانية فئران في قفص مساحته ثمانية أقدام ونصف مربع بعد سنتين وصل عدد الفئران الثمانية إلى ٢٫٢٠٠ ولكنها لم تكن سوى مجموعة من البروتوبلازم... ويلخص البروفسور بول أریش رأي المتشائمين في هذا العصر بقوله «إن لم نفعل شيئًا حول مشكلة السكان والبيئة في الحال فإنني أستطيع القول أنه ليس هناك أمل في بقاء هذه الحضارة».

ولكن من الصعب أن يبتلع العالم هذه الروح التشاؤمية فمثلًا في الولايات المتحدة توجد أزمة في الإسكان والمرور في الشوارع وتوجد العطالة، ولكن شعب الولايات المتحدة استطاع أن يستصلح ملايين الأفدنة من الغابات والأراضي البور ويزيد من كمية الأراضي المزروعة كل عام، فهل كل هذه الإمكانيات محكوم عليها بالفشل مع مجيء أطفال الغد؟

-إن نسبة النمو السكاني في الولايات المتحدة في السنة يصل إلى ١% بينما تصل هذه النسبة إلى ٢٪ في بقية أنحاء العالم وهذه فعلًا تعتبر مشكلة، ولكن بالرغم من هذه التحذيرات فإن المشكلة غير واضحة تمامًا ولا أحد يدري بالضبط مدى خطورتها وماذا يمكن أن تفعل حيالها؟ حتى أنه يمكن القول أن شبح المجاعة ليس حتميًا كما يقول المتشائمون والواقع أن أجزاء من العالم مزدحمة بالسكان -مثل مدن العالم الكبيرة كنيويورك ولندن وطوكيو ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد مكان خال على كوكب الأرض وعلى الرغم من خطورة المشكلة السكانية في الهند حيث يزدحم حوالي ٥٧٠ مليون نسمة في مساحة لا تزيد عن مليون ميل مربع فإن أستراليا لديها ضعف هذه المساحة من الأرض مع أن عدد سكانها يبلغ من سكان الهند، وتوجد مساحات شاسعة من الأراضي الخالية من السكان في كندا والبرازيل وروسيا.

فهل تعتبر الهجرة حلًا لهذه المشكلة؟ من الواضح أن الهجرة العالمية بين الدول لم تصبح سهلة في هذا العصر كما كانت في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر وحتى داخل الدولة الواحدة فإن ازدحام السكان في مناطق معينة نتج عن هجرة المواطنين من المناطق الريفية إلى المدن والمناطق الصناعية حيث تكثر فرص العمل.

وهذا يقودنا إلى ما يسميه خبراء علم السكان بمشكلة الكثافة السكانية وهذه تقاس كنسبة بين عدد السكان وبين المساحة الكلية من الأرض فالكثافة السكانية في أمريكا تصل إلى ٥٨ فردا لكل ميل مربع وهذه تعتبر ٦/١ الكثافة السكانية في بلد مثل سويسرا والتي لا تشكو من مشكلة السكان، وفي السودان مثلًا تصل الكثافة السكانية إلى1 ٠, 0فرد لكل ميل مربع وتبدو لنا أبعاد المشكلة على حقيقتها إذا علمنا أن ۷۰ ٪ من سكان أمريكا يتكدسون في مساحة لا تزيد عن ٢٪ من المساحة الكلية للولايات المتحدة.

ولا شك أن المناطق والمدن المزدحمة في العالم في طريقها إلى أن تعاني أكثر من مشكلة ازدحام السكان للأسباب السابقة الذكر وملخصها عدم وجود التناسق في توزيع السكان وتركيز الصناعات وموارد الرزق في أماكن معينة.

ومن الأمور الهامة في معالجة المشكلة السكانية أن الإحصائيات التي جمعت حول هذه الظاهرة تعوزها الدقة والعلمية، فهذه الإحصائيات قامت أساسًا على تقديرات نسبة المواليد السنوية في الدول المتخلفة حيث تعاني سجلات المواليد من عدم الدقة ومن تخلف عقلية المواطنين وهنا تجدر الإشارة إلى الصين حيث تقول الإحصائيات أن عدد سكان الصين وصل إلى ۸۰۰ مليون نسمة وهذا الرقم الرهيب يتزايد بنسبة مليون كل شهر، ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أحد يستطيع الجزم بدقة هذا الرقم -آخر إحصاء للسكان في الصين كان في عام ١٩٥٣ حيث وصل الرقم إلى ٥٨٣ مليونًا -كما لا يستطيع أحد أن يعرف على وجه التحديد نسبة الزيادة السنوية ففي السنوات الأخيرة عكفت الحكومة الصينية على تشجيع الزواج المتأخر واستعمال حبوب منع الحمل ووسائل التعقيم والإجهاض.

وقد أيد البروفسور فليب هدسر من جامعة شيكاغو هذا الرأي بقوله: «إن التقديرات التي يضعها بعض الناس عن مستقبل الزيادة السكانية في العالم هي مجرد تخيلات ولا أحد يمكنه التنبؤ بالتحديد عن عدد سكان العالم في المستقبل. وكل من يدعي أنه يستطيع ذلك فهو أما مغفل أو كاذب، وحقيقة أن الإنسان أصبح في استطاعته تقدير المخاطر المترتبة على زيادة السكان في العالم هي من الأسباب الرئيسية في أن عدد سكان العالم لن يصل إلى الأرقام الخرافية التي يتنبأ بها المتشائمون.

ومشكلة السكان ليست كلها أرقام وملايين ومجاعات وعطالة، ولكن له جوانبه الأخرى المعقدة، ففي صميم المشكلة السكانية هناك سؤال هام وهو هل تعتبر الزيادة السـكانية كارثة اجتماعية أم مصدرًا لثروة الأمة وزيادة رخائها؟ أو بمعنى آخر هل زيادة عدد السكان ستزود الأمة بشعراء وعلماء أكثر أم سوف تزيد عدد المجرمين ومدمني المخدرات؟

فالنسبة للبلاد الفقيرة والمتخلفة كالهند مثلًا فإن زيادة العدد تعني زيادة الفقر وحدته، ولكن بمجرد أن تدخل الأمة عصر التصنيع فإن الناس أنفسهم سوف ينتجون الثروة حيث يمكنهم تنمية اقتصادهم على أساس تبادل المنتجات والخدمات.. وبذلك استطاعت إنجلترا وألمانيا تحقيق الرخاء بالرغم من أن نسبة كثافة السكان في كل منهما أكثر منها في الهند واليابان قد ضربت المثل في هذا المجال، فاليابان مع أنها أكثر البلاد ازدحامًا وكثافة في السكان استطاعت أن تثبت أنها أكثرها غنى ورخاءً وتقدمًا، ويتنبأ البروفسور هرمان کاهن -وهو من دعاة التفاؤل- بأن عدد سكان العالم سوف تزيد أيضًا بنسبة خمسة أضعاف.

وهذه الثروة المتزايدة لها أيضًا مشاكلها فعلى الرغم من أن سكان الولايات المتحدة لا يزيد عن ٦% من مجموع سكان العالم، ولكنهم يستهلكون ٤٠٪ من مواردها ولذلك فإن بعض الخبراء يلومون الدول الغنية بأنها السبب الرئيسي وراء أخطر جوانب مشكلة السكان في العالم. لسوء استعمال الموارد المتاحة، فالأمريكيون مثلًا يتخلصون من حوالي مليون سيارة سنويًا ويرمونها كما ترمى القمامة بالإضافة إلى ٣٦ مليون زجاجة و58 مليون طن من الورق وهذا الاستهلاك المجنون يهدد باستنزاف العالم من موارده ومن المواد الأولية التي تصنع منها هذه المنتجات.

وفي هذا المجال أيضًا يوجد بعض المتفائلين وهم دائمًا يشيرون إلى أن إمكانيات العالم أكبر بكثير مما نظن ونتوقع ويقولون أن الاحتياطات العالمية من النفط والغاز أكثر الآن مما كنا نعرف منذ عشرين سنة فقط وأن عصر الذرة قد بدأ وأن كثيرين من الأمريكيين الآن بدأوا يتعلمون بأن كثيرًا من الموارد والمواد والمنتجات التي بين أيديهم يجب أن يعاد استعمالها وتدخل عجلة الإنتاج مرة أخرى بدلًا من إلقائها في العراء والقمامة.

ولكن تبقى حقيقة هامة وهي أن هناك حدًا للموارد والثروات المادية للعالم وهذا بدوره يعني أنه يجب أن يحدد عدد الأفواه التي يمكن إعاشتها في حدود هذه الموارد المتاحة والمحدودة.

وهنا يقفز السؤال ما هو هذا العدد بالضبط؟ وما هو عدد السكان الأمثل-بالنسبة للموارد الذي يجب أن نقف عنده؟ ويجيب البروفسور جون نواز «أيها السادة لقد تخطينا هذا العدد الأمثل» وتبقى مناقشة هذا السؤال للعدد القادم.

المتفائلون: 

إن إمكانيات العالم أكبر بكثير مما تظن وتوقع فالاحتياطات العالمية في النفط والغاز مثلا أكثر الآن مما كنا نعرف منذ عشرين سنة فقط.

المتشائمون:

إن الدول الغنية سوف تكون محاطة بالمجاعات من كل صوب، إن كثيرًا من الناس سوف يموتون ليس بالقنابل الهيدروجينية ولكن من الجوع.

 

 

 

الرابط المختصر :