العنوان المرأة الأمريكية في مأزق.. حركة «ترجيل» المرأة أم تحريرها؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1971
مشاهدات 57
نشر في العدد 71
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 03-أغسطس-1971
المرأة الأمريكية في مأزق
حركة «ترجيل» المرأة أم تحريرها؟
تجتاح أمريكا الآن حركة نشطة اسمها «تحرير المرأة» وقد برزت أخبارها هذا الأسبوع في الصحف الأمريكية والعالمية؛ عندما قامت رئيسات الجمعية بالتظاهر أمام محكمة نيويورك احتجاجًا على قرار المحكمة القاضي باعتقال مومسات المدينة اللاتي استشرى نشاطهن وزاد عددهن في الشوارع صباحًا ومساءً، لدرجة سببت حرجًا شديدًا لحكومة الولاية التي يؤمها الكثير من الأجانب والتي تتخذها الأمم المتحدة مقرًا لها.
والدفاع عن المومسات ليس أغرب ما جاء في هذه الجمعية، ولكنها عندما بدأت نشاطها في السنة الماضية سار الأعضاء والمؤيدات من النساء والفتيات في الشوارع في مظاهرة كبيرة، وعند أول نصب تذكاري توقف بعضهن وخلعن مشدات صدورهن وأحرقنها، وعندما سألهن أحد من مراسلي الصحف عن مغزى هذا التصرف قالت إحداهن: «إن هذا المشهد إنما هو علامة على سيطرة الرجل وإحراقه فيه رفض للقيود التي يفرضها علينا مجتمع الرجل حتى في لباسنا».
ومنذ ذلك الحين نشب حوار ساخن في أوساط المجتمع الأمريكي وخارجه- لأن هذه الحركة وجدت لها مؤيدين في بعض الدول الأوروبية- حول الأهداف المعلنة لهذه الحركة النسائية، وهذا الأسبوع نشرت مجلة التايم تحقيقًا مطولًا؛ ناقشت فيه أهم الافتراضات والنظريات الأساسية التي قامت عليها هذه الحركة.
الافتراض الأول: أن هناك أنماطًا سلوكية معينة ووظائف وأعمالًا خاصة ينتظر أن تؤديها المرأة منذ ولادتها، ولذلك فإنه من الصعب على النساء أن يصبحن شخصيات لها استقلالها وكيانها؟
وقد تولت الرد على هذا الافتراض إليزابيث جانوي ٥٧ سنة وأم لطفلين، ولها مواقف بعيدة عن الحركة وتأتي أهمية إليزابيث في أنها من المتخصصات في علم الاجتماع؛ على عكس زعيمات الحركة اللاتي لا يعرفن إلا كتابة القصص الخيالية.
وقد جاء ردها هذا في كتاب نشرته مؤخرًا تحت عنوان «عالم الرجل ومكان المرأة فيه» وفيه توضح كيف أن المجتمع يحافظ على كيانه عن طريق تحديد أدوار معينة لأفراده، ومن الخطوط الأساسية في الكتاب- التي تنطبق على كلا الجنسين- هو أن الأفراد يجدون أن من السهل عليهم تبني إطار جاهز لشخصياتهم وذواتهم من ابتكار إطار جديد أو شخصية جديدة.
وتقول إن غالبية الأمريكيين ما زالوا يؤمنون بأن وظيفة المرأة الأساسية هي أن تكون زوجة وأمًا، وفي الحقيقة ٤٣% من نساء أمريكا يعملن و٧٥% من النساء العاملات يعملن لأنه لا يوجد من يعولهن أو يعول أسرهن، أما الأخريات، وهي نسبة ضئيلة للغاية، فيعملن من أجل شغل أوقاتهن بشيء نافع وله معنى، الأمر الذي لا يجدنه في منازلهن.
وهذا لا يعني أنه قد طرأ تغير جوهري على النساء، ولكن الذي تغير فعلًا هو الأسرة والبيت، فمنذ قرون قليلة مضت كانت النساء تعمل بجانب الرجال في إدارة المزارع، وكانت تقوم بالزراعة وعمل الصوف وبيعه، ولكن الآن لا يوجد إلا القليل من الفرص المماثلة لأداء عمل منتج في البيت، وأكثر من ذلك، فإن الوقت المطلوب من المرأة بذله للعناية بأطفالها قد تقلص نتيجة لانخفاض عدد أفراد الأسرة، ولكن على الرغم من ذلك؛ فما زال من الشاذ بل ليس من الأنوثة في شيء أن تؤكد المرأة نفسها كصاحبة وظيفة.
إن النساء في هذه الأيام يجب أن يرين في دورهن التقليدي كأحد الاحتمالات المطروحة أمامهن ويشعرن أنهن أحرار في تقبله أو رفضه، ولكن السؤال هو هل النساء هذه الأيام يوجهن بواسطة الحضارة المعاصرة لتقبل هذا الدور التقليدي؟ أو هل هن مجبرات على تقبل ذلك بالقوة كما تدعي بذلك حركة تحرر المرأة؟ أم أنها محاولة لتقديم فرص أكثر للانفلات؟ لأنه إذا صحت كل هذه الافتراضات لن نسمع عن شيء اسمه حركة التحرر النسائية.
· الافتراض الثاني: إن الفرصة الوحيدة أمام النساء لمعالجة موقفهن هي فقط في معرفة كيف استطاع المجتمع تقييدهن؟
قال کیرکجارد الفيلسوف الألماني الشهير: «يا له من سوء حظ أن تكون امرأة! ومع ذلك فإن التعاسة الحقيقية هي ألا تشعر بها المرأة» أو بمعنى آخر، إن المرأة تكون محظوظة وسعيدة إذا أدركت وأقنعت نفسها بمدى تعاستها وسوء حظها.
وبالتأكيد فإنه ليس هناك أي فرصة لتغيير موقف المجتمع تجاه المرأة؛ حتى تكون لديهن الجرأة لرؤية أنفسهن ومشاكلهن بوضوح وبصورة واقعية، ولكن ما هو العمق وما هو المدى الذي يجب أن يتطلعن إليه؟ إن كثيرًا من السيدات، وبالذات ممن جاوزن الثلاثين، لا يصدقن أعينهن وهن يقرأن عن أحد شعارات الجمعية وهو «الظلم الجنسي»!
ومن أكثر التشبيهات تداولًا على لسان أعضاء الحركة؛ هو أن «المرأة مثل الزنجي» أي أن هناك تعصبًا في الولايات المتحدة ضد المرأة كما توجد تفرقة عنصرية ضد الزنوج.
وهذه المقارنة غير صحيحة، فإنه لا توجد أي تفرقة قائمة بين النساء وبين «مضطرينهن» من الرجال، وأكثر من ذلك فإن النساء يشكلن ٥١٪ من السكان بينما الزنوج لا يزيدون عن ١١% من مجموع السكان، ونسبة النساء هذه تكاد تنطبق على معظم دول العالم.
وتدعي شولميث فيرستون في كتابها «جدلية الجنس» أن أسوأ لك أن تكون امرأة عن أن تكون زنجيًا، وطالبت الحركة النسائية في أنحاء الأرض؛ ليس فقط بإعادة النظر في الحضارة المعاصرة، ولكن أيضًا بتنظيم الطبيعة ذاتها، وهي تعني بذلك أن اضطهاد المرأة لا يرجع إلى التنظيمات الاجتماعية فقط، ولكن إلى الضرورة الطبيعية بأن تحمل المرأة وتلد، والحل لهذه المعضلة الأبدية في رأيها هو تبشير النساء بأن أطفال الأنابيب الذين يولدون في المعامل سوف ينقذ النساء من الاضطهاد والظلم الواقع عليهن من الطبيعة، ولكن السؤال هو هل من الضروري أن تلجأ النساء إلى أطفال المعامل والأنابيب ليكتسبن حقوق المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
· الافتراض الثالث: غالبية الرجال- إن لم يكن جميعهم- يعاملون النساء كدمى جنسية.
إن هذه الفكرة تعتنقها حوالي ٥٧% من النساء الأمريكيات أعمارهن تقل عن ٢٥ سنة، وكثير من النساء اللاتي لا يوافقن على هذا الرأي ثائرات على فلسفة الرجل العابث. وفتيات كثيرات يرفضن أساليب التجميل التي صنعت أساسًا لتسبغ عليهن صورة الدمى الجميلة التي وجدت من أجل الجنس والتي تناسب ذوق الرجل.
وعلى الرغم من صحة هذه الثورة على امتهان المرأة باعتبارها مجرد «شيء جنسي»، إلا أن الحركة بالغت وذهبت شوطًا بعيدًا في هذا المجال.
وأخيرًا أخذت الحركة تدعي أن النساء- كل النساء- ضحايا للاغتصاب الجنسي، صحيح أن حوادث العنف والاغتصاب زادت في المدن الأمريكية في الآونة الأخيرة، ولكن تعريفهن للاغتصاب لا يقصد به هذه الحوادث، ولكن يقصد به العلاقات القائمة مع النساء سواء الشرعي منها وغير الشرعي هي اغتصاب بشكل أو بآخر، وفي أبريل الماضي نظمت الحركة يومًا كاملًا عن الاغتصاب في مانهاتن؛ وألقيت محاضرات ودراسات مختلفة منها «الاغتصاب في الزواج»، «نفسية المغتصب والضحية»، وكان تعريفهن شاملًا لدرجة التعسف، إذ يعتبرن أنه حتى المرأة التي لا تشعر أنها مغتصبة يحدث لها ذلك، حتى بمجرد نظرة إعجاب في الشارع من أحد المارة.
ولكي نفهم ما ترمي إليه هذه الحركة يجب أن نعرف أنها تود أن تلغي الزواج بصورته الحالية، بحيث يكون للمرأة نفس حقوق الرجل في كل شيء يمكن تصوره!!!
وكلمة صغيرة في أذن مناصري حقوق المرأة السياسية في بلادنا، هي أن المرأة الأمريكية تقل درجة تمثيلها في المؤسسات السياسية عن مثيلاتها؛ ليس فقط في أوروبا ولكن بالنسبة لكثير من الدول الأخرى، فمارجريت سمیث هي السيدة الوحيدة في مجلس الشيوخ الأمريكي؛ وهي تمثل ولاية «ماين»، وفي مجلس ولاية نيويورك يوجد عشر نساء مقابل ٤٢٢ رجلًا، وفي مجال الوظائف الحكومية الفيدرالية وصلت نسبة السيدات حوالي 1.5% من مجموع ٣٫٧٩٦ وظيفة كبيرة في الحكومة، أما في مجال الصناعة والأعمال فإن نسبتهن لا تذكر في مجال الإدارة واتخاذ القرارات.
ويقول الكاتب في ختام مقالته؛ إن ما يجب أن توجه الحركة النسائية نشاطها لتحقيقه هو المساواة في الأجر؛ وإنشاء مراكز لرعاية الأطفال؛ وإعفاء الأمهات الأرامل العاملات من ضريبة الدخل؛ وتخفيف الضغط على الجامعات لزيادة قبول الفتيات كمدرسات وطالبات في الدراسات العليا، ومن الأفضل لهن أن ينادين بأهداف ومبادئ أكثر إنسانية من أطفال الأنابيب، مثل تحسين المساكن أو الدعوة لإيجاد نظام أفضل للعناية الصحية مما سيخفض من نسبة وفيات الأطفال.
وإنجاز كل هذه الأشياء ليس بالأمر السهل، ولكنه يتطلب جهدًا كبيرًا من أعضاء هذه الحركة النسائية الشاذة، كما يتطلب تفكيرًا أكثر إيجابية منهن ومن بناتهن.
وحتى سيمون دي بوفوار الكاتبة الفرنسية الشهيرة، والتي عرفت بانحرافها، هاجمت هذه الحركة مؤخرًا، وقالت إنهن يضيعن وقتهن ويستنزفن جهودهن في الجري وراء أوهام وسراب خادع، وبذلك لا يتمكن من رؤية الحقائق.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل