; الناتو.. هل إلى خروج من سبيل؟ | مجلة المجتمع

العنوان الناتو.. هل إلى خروج من سبيل؟

الكاتب د.حمزة زوبع

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999

مشاهدات 12

نشر في العدد 1350

نشر في الصفحة 39

الثلاثاء 18-مايو-1999

كوسوفا

في السادس من مايو الجاري وفي اجتماع المجموعة الدول الصناعية الكبرى والمعروفة باسم مجموعة الثمانية G8 وبحضور روسيا أعلنت مبادرة جديدة لحل الصراع في كوسوفا، أو للخروج من مأزق الضربات الجوية بعد مرور أكثر من ستة أسابيع عليها دون جدوى.. جاءت المبادرة، أو إطار الحل كما أطلق عليه في النقاط التالية:

١- الإنهاء الفوري والمحقق الذي يمكن مراقبته للعنف والقهر في كوسوفا..

 ۲ - سحب كافة القوات والميليشيات والبوليس من كوسوفا. 

٣- نشر قوات حماية أمن دولية فاعلة مدنية وأمنية معتمدة بقرار من الأمم المتحدة، قادرة على حماية الأهداف والإنجازات.

٤- إدارة مؤقتة للإقليم بقرار من مجلس الأمن لضمان توفير ظروف آمنة وحياة طبيعية للسكان. 

٥- عودة المهاجرين والمبعدين بسلام وأمان والسماح للمنظمات الإنسانية للقيام بمهامها.

٦- البدء في عملية سياسية تجاه الوصول إلى حل سلمي لإقامة الحكم الذاتي مع الوضع في الاعتبار ما تم التوصل إليه في (رامبوييه) والحفاظ على وحدة أراضي يوغسلافيا والبلدان المجاورة ونزع سلاح جيش تحرير كوسوفا.

٧- خطة شاملة للنهوض الاقتصادي، وإعادة الاستقرار للمنطقة. وعلى ذلك فقد تم الاتفاق على ما يلي لتحقيق هذه البنود السبعة:

  1. التحرك من أجل إصدار قرار من مجلس الأمن.
  2. إعداد خطة التحرك السلمي، وإبلاغ الصين بالخطوات كان ذلك قبل ضرب السفارة الصينية ببلجراد.
  3. لقاء موسع لوزراء خارجية المجموعة لتقييم الموقف.

فما الجديد الذي جاءت به هذه المبادرة عن شروط الناتو التي وضعها لوقف ضرب يوغوسلافيا. يقول جيمي شيا المتحدث المدني باسم الناتو في تصريحه اليومي في ١٩٩٩/٥/٨م إن شروطنا معروفة 

  • وقف القتل بالإقليم.
  • سحب القوات الصربية من الإقليم 
  • تواجد دولي أمني INTERNATIONAL SECURITY PRESENCE
  • عودة المهجرين واللاجئين
  • العمل في اتجاه الحل السلمي للأزمة.

القراءة الأمريكية لقرار مجموعة الثمانية أوضحتها أولبرايت وزيرة الخارجية في تصريح لها بعد الاجتماع كان هناك خلاف حول نوعية التواجد الدولي هل هو أمني مدني أو مسلح عسكري، ووصلنا إلى قناعة بأن وجود قوات حماية دولية ضروري لإعطاء الألبان الثقة في العودة والبناء، وهذا يعني تواجد عسكري قوي، يكون الناتو أساسه ومحوره. أما كلينتون فقد صرح بأن القوة يمكن أن تكون على غرار ما حدث في البوسنة وهي قوة دولية متعددة الجنسيات بقرار من مجلس الأمن لكن بقيادة الناتو وبمشاركة أكبر منه، وأكد كلينتون ما قالته أولبرايت من أن الدول الحليفة بالناتو يجب ألا تتراجع عن مطالبها، وذكر من بينها السماح لقوات دولية بالتواجد على أن يكون الناتو في طليعتها. كما أن الأمين العام للأمم المتحدة طالب بقوة حماية لتنفيذ القرارات المنصوص عليها، وتبعته في ذلك رئيسة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والتي أعلنت أنه لا يمكن عودة اللاجئين دون قوة دولية. والحقيقة أن خطة (بون) تكاد تكون هي ذاتها خطة تشرنو ميردين -الوسيط الروسي- المعدلة والتي قدمها في نهاية أبريل الماضي ورفضتها الولايات المتحدة مع بعض التعديلات...

۱ - أضافت مبادرة بون طريقة الحل السلمي وذلك بذكر الوضع في الاعتبار ما تم التوصل إليه في رامبوييه، وهي إضافة قد يرفضها الصرب لأنهم بالأساس رفضوا اتفاقية رامبوييه ولم يوقعوا عليها .

 ٢ - التواجد الدولي العسكري أو الأمني بالإقليم دون الإشارة إلى وجود الناتو وإن كان التفسير

الأمريكي أو الأطلسي يعني بهذه الكلمات وجود قوات  للناتو على رأس القوات الدولية، وهذا يعد تراجعًا عما كان يطالب به الناتو، إذ إن الناتو من الناحية العسكرية لم يحقق الهدف الأكبر وهو إجبار ميلوسوفيتش على توقيع اتفاق - رامبوييه، كما أن الناتو فشل في إخراج القوات الصربية من الإقليم بل فشل في إحراز تقدم عسكري، وذلك باعتراف قادة عسكريين مشهود لهم مثل الرئيس السابق للجنة العسكرية لحلف الأطلسي والذي تقاعد في أوائل مايو ۱۹۹۹م كلاوس نيومان الذي قال: إن الحملة الجوية لم تكن قوية بالقدر الكافي، على رغم أنها ناجحة، إلا أن القوات الصربية اختبأت بالأحراش والمناطق السكنية الألبانية بالقرب من المساجد والكنائس في كوسوفا، كما أن صربيا كانت على علم مسبق بالضربة فاتخذت إجراءات احترازية قبل الضرية، لقد كانت لدينا المقدرة الفنية على ضرب هذه القوات، ولكن الخسارة ستكون أكبر ويبدو كلامه مقنعًا لو أن الناتو لم يخطئ في ضرباته المتعددة ليصيب دول الجوار مثل بلغاريا ومقدونيا وألبانيا، وأهدافًا مدنية واضحة مثل حافلات الركاب والسفارة الصينية والتي لم يجد قادة الناتو تفسيرًا لضربها سوى الاعتذار فقط، وتبقى بيانات الناتو اليومية عن تدمير الآلة العسكرية للصرب مجرد خسائر يمكن تعويضها مادامت الأرض في يد الصرب، وهذه الخسائر لا ترقى إلى تحقيق الانتصار الحاسم للناتو، كما يرى العسكريون. 

٣- الوضعية المؤقتة أو الإدارة المؤقتة للإقليم وهذه لم يبت الأمر فيها، وواضح أن هذا اختيار روسي يوافق عليه الصرب، إذ إن عودة الألبان القيادة أمورهم خصوصًا بعد أن احترقت ورقة إبراهيم روجوبا، يعني أن يتسلم جيش تحرير كوسوفا الأمر في الفترة الانتقالية ما يعني استمرار التوتر قبل الوصول سلمي خصوصًا. إلى حل سلمي. عمليات الجيش مؤخرًا والحديث عن مع تصاعد المعارك التي تدور في غربي الإقليم.

٤- لذا جاء من بين بنود المبادرة أو الإطار المقترح نزع سلاح جيش تحرير كوسوفا، وهذه تعد من باب المجاملة السياسية لروسيا ولتشجيع الصرب على القبول بالمبادرة، إذ إن جيش تحرير كوسوفا بالفعل ليس مسموحًا له أصلًا بالتسلح وليس مسموحًا له بالاستفادة من الضربات الجوية وهذا الأمر قد حسمه وليم كوهين وزير الدفاع الأمريكي قبل بداية الحملة الأطلسية على صربيا حين قال: لن يكون الناتو الغطاء الجوي لجيش تحرير كوسوفاء كما أن رامبوييه تنص على نزع سلاح جميع القوات الرسمية والمليشيات، وبالفعل، فالجيش لا يلقى دعمًا ولو معنويًا من الغرب، وبالتالي فإضافة هذه الفقرة هي رسالة تطمينات إلى صربيا وروسيا. 

5 - إعمار اقتصادي للمنطقة، وهذا تراجع غربي آخر تجاه مطالب الناتو من صربيا، بل هو تأكيد لانتصار سياسي لميلوسوفيتش لو بقي في السلطة. فلقد طالب ميلوسوفيتش بتعويضات عما لحق ببلاده وأعلن ذلك مرارًا، معتبرًا أن ما حدث يعد عدوانًا خارجيًا يتنافى مع مواثيق وأعراف الأمم المتحدة وكانت اتفاقية رامبوييه قد رصدت مبلغ ۵۲۸٫۷ مليون دولار لتعمير كوسوفا بعد ما أصابها من العدوان الصربي، لذا فلقد طالب الروس نيابة عن صربيا بإعمار يوغوسلافيا متضمنة كوسوفا خصوصًا بعدما لحق بيوغسلافيا من أضرار نتيجة استمرار الضربات الجوية، ويقدر الخبراء في صندوق النقد الدولي أن هناك حاجة إلى مبلغ ٣٠ مليار دولار لإعمار البلقان خصوصًا الدول المتضررة من اللاجئين مثل ألبانيا ومقدونيا، وبالتالي فإن بند الإعمار والموافقة عليه يعد مكسبًا سياسيًا لصربيا اعترف به الغرب -الرقم المطلوب قرابة ستين ضعف الرقم المرصود لكوسوفا والمنصوص عليه في رامبوييه، فمن سيقوم بالسداد-. لماذا دخل الناتو إلى كوسوفا وهو يعلم بعدم قدرته على الانتصار أو التدخل البري؟ لتحليل الموقف يجب استعراض نقاط القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات التي تواجه الناتو:

 1 - نقاط القوة

وتتمثل في: أكبر تجمع عسكري في العالم لا تضاهيه قوة عسكرية إقليمية أو دولية أخرى.

نجح الناتو في البقاء بعد زوال الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، بل إن الحلف نجح في ضم بولندا التي كانت مقرًا لحلف وارسو، هذا بالإضافة إلى تشيكيا والمجر وهما من أعضاء وارسو قبل حله.

نجح في الامتداد شرقًا على رغم معارضة روسيا، بل نجح في جر روسيا إلى الحلف من باب خلفي -الشراكة من أجل السلام- وكما يقول مايكل كريل أستاذ العلوم السياسية في جامعة هامبولت في برلين الشرقية - سابقًا - لقد ابتعدت روسيا عن الانضمام للحلف لأن الناتو خلق من أجل حماية المصالح الأوروبية من خطر الاتحاد السوفييتي ولا يمكن لروسيا أن تنضم للحلف، كما لا يمكن تجاهلها في المعادلة العسكرية الدولية، لذا فقد جاء قرار الشراكة ليوازن بين الأمرين وينجح في تحييد روسيا في أول عملية عسكرية يقودها الحلف. يتميز الحلف بالتمازج العرقي والديني وهو ما لا يتوافر لمؤسسة عسكرية إقليمية أو عالمية، بل إن بعض الدول تخلو قواتها المسلحة من الأقليات والحلف يضم المسلمين من تركيا والأرثوذكس من اليونان، والكاثوليك من إيطاليا، كما يضم التشيك والمجريين والبولنديين، والألمان، والطليان والفرنسيين، وهم من أعراق مختلفة، كما أنه يضم نظمًا سياسية متباينة مثل الدكتاتورية المطعمة بالديمقراطية في تركيا والديمقراطية الحديثة في إسبانيا واليونان والاشتراكيين الديمقراطيين في الدول الجديدة (بولندا - تشيكا - المجر) كما يضم ديمقراطيات قديمة مثل بريطانيا وفرنسا.

 ٢. نقاط الضعف

لم يدخل الناتو معركة عسكرية واحدة في تاریخه، وربما كان تواجده في البوسنة التجربة العملية الوحيدة، ولم يكن منفردًا، بل تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا يعني أن التاريخ العسكري مازال خاليًا من أي إنجاز.

 عدم وضوح استراتيجيته الجديدة، وعدم التمهيد لها، وهل سيكون بديلًا عن مجلس الأمن، أو يكون شرطي العالم، مما أثار جدلًا كبيرًا في العالم وحتى داخل الناتو فالاستراتيجية الجديدة تارة يعبر عنها كلينتون بقوله: «في السابق قام الناتو بحماية حدودنا من العدوان العسكري، واليوم تواجه أمتنا مخاطر جديدة لا تعترف بالحدود مثل أسلحة الدمار الشامل، والتطهير العرقي والصراعات الإقليمية وهو دور جديد لا يمكن تمريره بالقوة على إرادة شعوب تختلف مع الناتو شكلًا وموضوعًا، أما أولبرايت فتقول عن الفلسفة الجديدة هدف الناتو الرئيس هو حماية مبادئ، ومصالح وأراضي الدول الأعضاء، وهذا يعني تخطي دور الناتو للمنظومة الإقليمية والقفز إلى ما وراء الحدود من أجل تعقب الأعداء.

لم يستطع الحلف تحقيق نصر عسكري على صربيا على رغم مرور أكثر من ستة أسابيع، ولم ينجح في إخراج الصرب من كوسوفا، بل لم ينجح في منع ميلوسوفيتش من التمتع بالبقاء والمفاوضة السياسية على رغم ما أعلنه قادة الحلف وعلى رأسهم كلينتون لن نسمح الميلوسوفيتش بتحقيق نصر على الناتو، والمقصود هو النصر السياسي لأن الجميع كان يعتقد أن النصر العسكري حاصل للناتو لا محالة.

وكما صرح كلينتون لن يكون للحلف معنى إذا تركنا جزارًا يقتل الأبرياء على أعتاب بيوتهم، لكنه مازال يفعل.

 ٣- الفرص المتاحة للحلف

ما الفرص المتاحة أمام الناتو.. وهل هي فرص أم مخاطر الفرصة الأولى: يرى البعض أن البوسنة كانت الفرصة الحقيقية للحلف لإبراز نفسه بالدور الجديد، لكن كلينتون أعلن بصراحة على مدار خمس السنوات الأخيرة كنا نبني الناتو من جديد، بمعدات وتسليح جديد، ومهمات وتكليفات جديدة، وأعضاء جدد، وبرامج للشراكة، وعليه فالفرصة المتاحة الآن هي كوسوفا بكل ما تمثله من معاناة حقيقية لشعب مضطهد من قبل رجل واحده بمعنى أن الحلف جعل من قضية كوسوفا فرصة التجريب الاستراتيجية الجديدة.

الفرصة الثانية: عدم وجود قوة دولية في المواجهة سواء كانت هذه القوة سياسية أم عسكرية، أما السياسية فكانت تمثلها الأمم المتحدة التي خبا دورها بل يكاد يكون انتهى خاصة بعد القفز على قرارات الأمم المتحدة في شأن القضية الفلسطينية، وكانت بعد جملة الصراعات الإفريقية المتتالية والتي حسمتها قوى خارجية لا علاقة للأمم المتحدة بها.

الفرصة الثالثة: كانت الأصوات ترتفع في العالم العربي والإسلامي بازدواجية المعايير، لذا جاءت الضربات تقول: ها هو الناتو يتدخل من أجل المسلمين، وكما صرح روبن كوك لقد كان المسلمون يتمنون التدخل وها نحن قد تدخلنا فلماذا لا نسمع إشادة ولا نرى ترحيبًا، أي أن الحلف يرغب في أن يحسن صورة الغرب أمام العالم.

 ٤-المخاطر التي تتهدد الحلف

وفي المقابل فإن هناك مخاطر تواجه الحلف منها:

- الرفض الفكري، وهذا ناتج عن أن ممارسات الولايات المتحدة القائمة على البطش والبلطجة لا يمكن قبولها في كثير من المجتمعات غربية كانت أم شرقية، فإذا أضفنا عامل الدين إلى الرفض الفكري فإننا سنجد أن شعوبًا مثل اليونان والروس والبلغار، والرومان وجميعها تدين بالأرثوذكسية ترفض منطق الناتو في إيذاء حليف ديني وهو الشعب الصربي، وإن كانت هذه الشعوب تتمنى أن تلحق حكوماتها بركب الغرب والبعض يطالب بالانضمام للناتو، كما أن قطاعًا كبيرًا من شعوب أوروبا الغربية يرفض فكر الناتو القائم على البلطجة وفرض الرأي وهي التي كافحت من أجل التخلص من الدكتاتورية. أما على مستوى الشارع الإسلامي فعل الرغم من أن الناتو يقوم بضرب خصم وعدو للمسلمين في البلقان، إلا أن الغطاء العسكري والسياسي للناتو لم يستطع إخفاء الوجه الفكري البغيض للغرب والناتو. 

- الخطر الثاني الذي يتهدد الحلف هو من داخله أو كما قال كريستيان شيلينج الوسيط الدولي في البوسنة: المشكلة ليست في القوة العسكرية بل في الفهم السياسي والفكري، فالخلاف سياسي قبل أن يكون فنيًا عسكريًا، وعلى الساسة أن تكون لديهم إرادة صادقة وساعتها سيكون الناتو قادرًا.

- الأخطاء الناتجة عن الحرب الحالية، وهذا لم يكن في حسبان الناتو، وعلى سبيل المثال فإن ضرب السفارة الصينية يمثل حاليًا خطرًا أمام تثبيت الصورة الذهنية الجيدة له.

وبقراءة للموقف التحليلي للناتو نجد أن المبشرين بعصر العولمة العسكري الجديد للناتو، ربما يكونون قد تسرعوا في ذلك، حيث إن استراتيجية جديدة لحلف قديم تحتاج إلى وقت أطول حتى تتضح معالمها، ثم إلى وقت آخر لكي يتم فرضها، هذا على فرض أن العالم بكل فئاته وطوائفه وتركيبته السياسية والدينية سيقف مكتوف الأيدي. ناهيك عن أن دولة بحجم صربيا مازالت تقف حجر عثرة في طريق الناتو الطويل والشائك..

 

الرابط المختصر :