; المجتمع الأسري (1491) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الأسري (1491)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 09-مارس-2002

مشاهدات 19

نشر في العدد 1491

نشر في الصفحة 60

السبت 09-مارس-2002

تخلصي من الندم بالاستخارة..  من يوم أن اتخذت الاستخارة منهجا، أشعر بالسعادة لقراراتي، ولا أندم على شيء

■ الاستخارة الشرعية تقدم الحلول الجذرية لكل كبيرة وصغيرة في حياة المرء.

عايدة المؤيد العظم

أمر شنيع، وشعور بغيض مؤلم، ومزعج إن ألح، نبعده فلا يتركنا، ونتناساه فلا يرحمنا، يدخل التعاسة إلى القلب والأسى إلى النفس، فيؤلم ويشغل الفكر عن سواه من الأمور المستقبلية المهمة، فإذا أراد أحدنا أن يتخلص من عوارض «الندم»، وأن يبتعد عن قرع السن، وأن يعيش مستريحًا مطمئنًا، فما عليه إلا أن يستخير الله – تعالى - في كل أمر.

نعم، هذا هو الحل ولا حل سواه، لكن غالب الناس لا يعرفون ما تفعله الاستخارة الشرعية ولا يقدرون قيمتها والفائدة العظيمة التي جعلها الله فيها، بل إن بعضهم ما زال يجهل أنها بمتناول كل فرد، فلما كنا صغارًا كان الناس في دمشق يستهزئون بمن يبطئ في إنجاز أمر قائلين: «ذهب ليبيت استخارة»، أي أنه تأخر من غير داع.

 وكان آخرون يذهبون إلى الشيخ إذا حزبهم أمر ليستخير هو لهم فيرى لهم منامًا، فيأخذون برؤيته مهما كانت، وقد نشأت وأنا أعتقد أن الاستخارة لا أصل لها في الشريعة، وأنها بدعة غير محبذة ولا مقبولة، فلما صرت في الصف العاشر «الأول الثانوي» تطوعت معلمة الدين، «وكانت على خلق والتزام صحيحين» وعلمتنا الاستخارة الشرعية، ونصحتنا بها، «ولم تكن مقررة علينا»، يومها دهشت حقيقة، واستغربت أشد الاستغراب، وعدت إلى البيت وأنا متشككة في صحة ما سمعته منها برغم ثقتي العظيمة بها، ولم أصدق أنه الحق حتى سالت وراجعت، وعندما تأكدت أن حديث الاستخارة صحيح قررت اتباع هذه السنة في الأمور التي تعترضني.

توسيع الدائرة

فلما جئت إلى المملكة وجدت أن الاستخارة معروفة ومعمول بها، لكن الناس لا يستخيرون إلا للقرارات العظيمة كالزواج والطلاق والسفر، فخطر لي مرة وأنا مترددة في أمر هين بسيط أن أوسع دائرة الاستخارة فأستخير الله – تعالى - وفعلت، فحديث الاستخارة عام، ولم يحدد ما ندع وما نستخير له، وسرعان ما أعجبني الأمر فصرت أستخير في كل أمر يحيرني مهما كان صغيرًا أو تافهًا.

فإن احتجت – مثلًا - لشراء أشياء لمنزلي أو لأولادي صليت ركعتين في بيتي، ثم ذهبت، وفي المحلات التجارية «التي تحير المشتري لكثرة بضائعها وتنوعها»، أعاين السلع، وعندما أشعر بقبول مبدئي لشيء منها أردد دعاء الاستخارة في سري، ثم أقرر الشراء أو الإعراض، وربما أفعل هذا أيضًا؛ لأني نادرًا ما أذهب للتسوق، فأنا لا أحب كثرة المتاع، ولا أميل إلى تكديس الأشياء، فكان من الضروري أن أستخير لييسر الله لي الأفضل والأحسن، أو على الأقل الجيد والمناسب لوضعي، ولم أندم مرة على شيء اشتريته منذ أن جعلت الاستخارة جزءًا مهمًّا وضروريًّا من إجراءات التسوق.

وما زلت على هذا المنهج: «كلما تحيرت استخرت»؛ حتى سخر الناس مني؛ لأني أستخير في أمور قد تبدو سخيفة وتافهة، من مثل:

 هل أبدأ يومي بالمطالعة والقراءة أم بزيارة أمي؟!

هل أطبخ اليوم الكوسة المحشية أم المقلوبة؟، طبعًا لن أسرد عليكم كل ما أستخير فيه، وإنما مثلت لأوضح، لكني أستطيع أن أقول: إني جعلت الاستخارة شيئا مهما وأساسيا في حياتي، وعليها أعتمد في الخروج من كل أمر رابني أو أثار تحيري، حتى إنني لأستخير أحيانًا في أجزاء الأمر الواحد، فمثلًا لو فكرت بكتابة رسالة استخرت هل اكتبها أصلًا أم لا؟ وهل الاستخارة الشرعية تقدم الحلول الجذرية لكل كبيرة وصغيرة في حياة المرء أستفسر فيها عن هذا الأمر؟، وهل أطلب من المرسلة إليه هذا الطلب؟، وإني أحيانًا أبالغ فأستخير في بعض كلمات الرسالة التي أكتبها كلمة كلمة إن شعرت أنها غير ملائمة!

من يوم أن اتخذت الاستخارة منهجًا، وأنا أشعر بالسعادة لقراراتي أو القرارات التي يیسرها الله لي بسؤالي إياه، وهذا المعنى هو ما رواه الإمام أحمد - رضي الله تعالى عنه -: «إن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله، وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله – تعالى -»، وهو ما قاله ابن تيمية: «ما ندم من استخار الخالق»، وكذلك صرت أنا، وإن كنت لا أنكر أن الشيطان أنساني الاستخارة في مرات قليلة فندمت. 

ومن مفارقات الأقدار أني كنت – من أيام عدة - أقرأ في كتاب «فقه السنة»، ففوجئت فعلًا، ثم سررت جدًّا لما علمت أن الشوكاني استنبط من حديث الاستخارة ما يلي: هذا «دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره، وعدم الاهتمام به، فيترك الاستخارة فيه، قرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه أو في تركه ضرر عظيم»، وسررت أكثر لما قرأت بعدها أن البخاري لم يضع حديثًا في صحيحه إلا بعد أن يصلي ركعتين، ويستخير الله لشدة تحريه» «نيل الأوطار ما ص۱۹»، فتأملوا. ولقد أسعدني ما قرأته جدًّا؛ لأني وجدت سندًا للمنهج الذي جعلته شرعة وأساسًا لحياتي، والذي طالما حاججت به من حولي.

 التخلص من الندم: بقي أن أعترف بشيء، فقد وفرت لي الاستخارة التخلص من الندم على كل قرار اتخذته خلا مرات قليلة، وكانت المرة الأولى منها قاسية علي؛ إذ أجبرتني ظروف على التفكير جديًّا بالانتقال من مسكني الذي كنت مرتاحة فيه «من النواحي المادية والمعنوية كافة»، فاحترت هل استجيب للظروف أم أتجاهلها؟، ثم لجأت إلى الله وصليت واستخرت ودعوت، فلم ألبث أن تركت تلك الدار إلى دار تفضلها في المساحة والفخامة، لكنها دونها في سائر المواصفات الأخرى، فتحسرت في سري، وشعرت بالندم وعدم الرضا، وتساءلت مرات ومرات عن السبب في أن الله اختار لنا الانتقال، وعن الحكمة في أنه لم يرضني بتلك النتيجة. 

بعد أربعة أشهر علمت أن البناء الذي كان يحتوي هذه الدار قد بيع، وأصر مشتريه على أن يستأثر بالشقة التي كنت أشغلها وعائلتي فأخلاها من سكانها «الذين استأجروها بعدنا»، وسكن فيها فاستغفرت الله على ما بدر مني من عدم الرضا، وشعرت بالسعادة من جديد، وعدت بعدها بنشاط إلى الاستخارة في كل أمر، وما زلت على هذه الحال، وكل يوم أتأكد من فاعلية الاستخارة وسحرها!؛ إذ طالما استخرت في أمور وثبت بعدها أن ما يسره الله لي كان هو الأفضل.

هاكم مثالًا لأمر منها تكرر معي كثيرًا؛ إذ طالما استخرت هل أزور اليوم فلانة مع صديقاتي؟ فأذهب فأسر وأستفيد، وأحيانًا ينشرح صدري أن لا، فأبقى في بيتي، ثم أعلم بعدها أن صديقاتي بعد أن جمعن أنفسهن وذهبن لم يجدن فلانة في البيت، أو أن الزيارة كانت فاشلة، فصاحبة البيت قلقة ومنزعجة من أمر يخصها، فلم ترحب كما ينبغي بصديقاتي أو أن الزيارة كانت فوضوية، ولم يطرح موضوع مفيد، فلم تستفد أو تسر واحدة من الحاضرات.

 لقد اتخذت الاستخارة منهجًا، وعلمته من أعرفهم، ونصحتهم به متناسية سخريتهم مني، ولا أخفيكم أن الناس من حولي، وبعد أن تعجبوا من سلوكي وجدوا الأمر لطيفًا ومقنعًا فصاروا يفعلون مثلي، ويستخيرون لكل أمر، وقد شكرني بعضهم على نصيحتي تلك، واعترف لي بأن الاستخارة غيرت مجري حياته، فجعلتها أكثر سعادة واطمئنانًا، فهلا جربتم أنتم أيضًا تلك النصيحة؟

جربوها واستخيروا في كل صغيرة وكبيرة، ولن تعرفوا بعدها الندم أبدًا.

 

■ من ملامح شخصية أم المسلمين السيدة هاجر (۲) من (٢)

■ همة عالية، وربانية مؤثرة جعلت منها «السيدة الأولى»

عبد القادر أحمد عبد القادر

جرى العرف على تسمية زوج الحاكم في الزمن المعاصر «السيدة الأولى»، فما أظن امرأة تستحق هذا الوصف لأمتنا إلا أمنا «هاجر» - رضي الله عنها -، وإليها تنتسب جميع الأمهات، إن توافرت فيهن المواصفات نفسها التي اجتمعت في الأم الأصيلة، فإن لم تتوافر صفات الأم الكبرى، فإن من تتقمص شخصية السيدة الأولى تكون مزورة، ومدسوسة. 

في هذه الحلقة نستكمل تحليل عناصر شخصية أمنا العظيمة:

(۳) وعي بالواقع، وإدارة ناجحة للمشروع الحياتي:

كان الواقع ينحصر في الشجرة، وتحتها كان المسكن، وبئر زمزم، ومنها كان الشرب، بل كانت الحياة، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ (سورة الأنبياء: 30)، كانت بئر زمزم هي الثروة القومية بلغة عصرنا، فكيف تصرفت فيها «هاجر»؟.

استأذن أهل جرهم قائلين: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ 

قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء عندنا تقصد الحق في البئر. 

قالوا: نعم، فكان ذلك العقد هو الأول للانتفاع بماء زمزم، عقدته سيدة المكان بمفردها، إنه الوعي الإداري، فأنى تعلمت أمنا «هاجر» كيفية إدارة الموارد؟

لا تزال بئر زمزم تدار بهذا العقد الأول الذي أبرمته، فالناس الوافدون مع المقيمين يشربون من زمزم، ولكن ملكيتها لأبناء هاجر، فما أعظم الأمهات الواعيات عاشت أمنا تربي ولدها، وترعى ثروتها، فكانت مهابة محبوبة، فنشأ ولدها على نهجها وورثنا منهما الحكمة جيلًا بعد جيل.

 (٤) همة عالية ترعى الأمانة وتربي الولد: ترك أبونا إبراهيم ولده إسماعيل -عليهما السلام - أمانة في عنق أمه، ولما نبعت زمزم، صارت أمانة أخرى في عنقها، فقامت أمنا «هاجر» برعاية الأمانتين خير رعاية، فما مؤهلات تلك الرعاية عند الزوجة والأم «هاجر»؟

ليس المؤهل سوى الوعي، مضافة إليه همة عالية استمدتها من الوحي الآتي من عند الله بواسطة زوجها الزوج الذي رباها للمهمة الاجتماعية والتاريخية، واستمدتها أيضًا من ذاتها التواقة إلى المعالي، ومن ترحالها الطويل الصبور. 

نشأ إسماعيل - عليه السلام - في رعاية الله، ثم تحت نظر أمه واهتمامها بهمتها العالية، وهذا درس للأمهات خاصة ذوات الولد الوحيد الذي لا يكاد ينجو من التدليل المفسد المعيق عن القيام بواجبات الرجولة في حدها الأدنى، فما بالنا بواجبات الرسالة في مجتمع كان هو مؤسسه وعماده؟

 الهمة يا بنات هاجر: ونحن نشاهد ونسمع في عصرنا الحالي ما يقال عن نسوة يوصفن بأنهن «ذوات نشاط في المجتمعات»، فما بواعث ذلك النشاط النسائي؟

الواقع أنها لا تعدو أن تكون من أجل السلطة أو المكافأة، أو النزوة النفسية، أو لأداء دور محدد ولو كانت باطلًا، تلك الأدوار النسائية، وإن كانت لها منافع وقتية، إلا أنها مبتورة الجذور، مقطوعة الفروع، قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ (سورة إبراهيم: 26) يحق للناظر إذن في شأن المؤتمرات النسائية التي تنعقد بين الحين والآخر، على مستوى عالمنا العربي والإسلامي، ولو على مستوى من يقال: إنهن «السيدات الأوائل»، أن يسأل ماذا قدمت تلك الجماعات النسائية بإمكاناتها الضخمة: هل قدمت حلولًا لمشكلات قائمة أو محتملة؟، هل تمخض مؤتمر أو مؤتمرات عدة عن شيء يحفظ في سجل التاريخ مثلما قدمت أمنا العظيمة «هاجر»، أو مثلما قدمت أم صلاح الدين أم محمد الفاتح، أو أم حسن البنا... مثلًا؟.

الأم الربانية

هذه الملامح التي رأينا من خلالها شخصية أمنا العظيمة «هاجر»، يجب أن تضعها كل أم نصب عينيها؛ لأن شخصية أمنا نموذج أصلي يقاس عليه ويقتدى به كما أنها معلم بارز من معالم الربانية المؤثرة في دنيانا منذ تزوجها أبونا الخليل، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 

فإلى الباحث عن الخلود، هذه «هاجر» التي استمدت عظمة الشخصية من الإيمان الصادق واليقين القوي، والشجاعة التي تقهر جميع المخاوف والوعي بالواقع، والإدارة الناجحة للمشروع الحياتي، وكذلك من الهمة العالية التي ترعى الأمانة، وتربي الولد، إنها المسلمة الربانية حقًّا.

الرابط المختصر :