العنوان مصر: أزمة ثروة أقباط مصر بين تخبط الحكومة وضغوط الخارج
الكاتب محمد جمال عرفة
تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007
مشاهدات 15
نشر في العدد 1765
نشر في الصفحة 22
السبت 18-أغسطس-2007
■ د. سيف عبد الفتاح: الضغوط الخارجية تدفع نحو توسيع دور الكنيسة السياسي.. ما يعقد مشكلة الأقباط
أثار البيان -الأول من نوعه- الذي أرسلته وزيرة القوى العاملة والهجرة المصرية عائشة عبد الهادي لمنظمة العمل الدولية في نهاية مايو الماضي «الذي جاء في ۱۲ صفحة كاملة»- للرد على ما ورد في تقرير المدير العام للمنظمة بأن هناك تمييزًا ضد الأقلية القبطية في مصر- آثار مزيدًا من الجدل.. لما حمله من أمرين، ظل الحديث الرسمي عنهما مغيبًا.
الأول: تحديد نسبة الأقباط بأنها ١٠ ما يعني أنهم قرابة 7 ملايين نسمة.
الثاني: أنهم يمتلكون ثلث إجمالي الثروة في مصر، ويشغلون نسبة عالية من إجمالي الوظائف التخصصية والراقية مثل الصيدلة والطب، وكذلك نسبة مقاربة من حجم الأنشطة والمنشآت التجارية في مصر وتصل نسبتهم في عضوية النقابات المهنية نحو ٢٥٪.
وقد نفت الوزيرة لاحقًا أنها حددت تعداد الأقباط بشكل رسمي، مشيرة إلى أنها استخدمت نسبًا شائعة في الأوساط المصرية ومؤكدة أن التعداد الرسمي لا يحوي إحصاء بعدد الأقباط، وفقًا للتعديلات الدستورية الأخيرة التي جعلت ذكر الديانة في بطاقة تحديد الهوية اختياريًا واتساقًا مع نظام الإحصاء المصري- خصوصًا عام ٢٠٠٦ م. وبالتبعية لا يجري أي تصنيف لرجال الأعمال أو الثروة في مصر على أساس ديني أو طائفي.. ولهذا لم تكن هناك إحصاءات دقيقة لأعداد الأقباط المسيحيين في مصر أو نسبة حصولهم على الثروة.
ومع هذا فقد ظلت تقديرات التعداد العام -غير الرسمية لهم- تدور حول نسبة ٥% إلى ١٠% من السكان البالغ عددهم ٧٢ مليونًا، فيما يصل أقباط بالرقم إلى ۱۰ ملايين «حوالي ۱۳».
ورغم توضيحات الوزيرة أن ما ذكرته عن ثروة الأقباط هو تأكيد لدورهم في الاقتصاد الوطني... تواصل الجدل بين الكتاب والصحفيين والسياسيين حول أسباب رد الحكومة المصرية -عبر الوزيرة عائشة- ولأول مرة على مثل هذه التقارير التي تتحدث عن التمييز ضد الأقباط بإيراد أرقام تؤكد الوضع المتميز-لا التمييزي- للأقباط عن المسلمين وعلى العكس أثار هذا غضب الأقباط.
رد على التصعيد الدولي: ويرجع بعض المحللين سبب صدور هذا التصريح الرسمي كرد على حملات التصعيد المستمرة التي يقوم بها بعض الأقباط داخل وخارج مصر والتي انطلق منها تقرير منظمة العمل الدولية الأخير الذي زعم أن الأقباط لا يتمتعون بفرص متكافئة في التعيينات والترقيات بالوظائف وأن القليل منهم يعينون في مناصب رئيسة بالحكومة أو كمرشحين العضوية البرلمان وأن قبولهم في الشرطة والمدارس العسكرية محدود ولا يعمل إلا القليل منهم كمعلمين وأساتذة..
واستند الرد الحكومي إلى تقرير مجلة فوربس، في عددها الأخير الذي تضمن حقيقة التمييز الاقتصادي للأقباط في مصر: حيث احتل ثلاثة منهم ترتيبًا في قائمة أثرى أثرياء العالم، فمن بين عشرة مليارديرات بالمنطقة العربية جاء ثلاثة من الأقباط المصريين في القائمة التي جاءت خالية تمامًا من أي مسلم من أبناء مصر..
التفوق الاقتصادي القبطي قديم
واللافت أن التفوق الاقتصادي للأقلية القبطية تاريخه قديم، ولم يكن أحد يتحدث عنه، وفي عهد ما قبل ثورة ١٩٥٢ م كان الأقباط واليهود يستحوذون على أكثر من نصف النشاط الاقتصادي للدولة وفق بعض التقديرات، ولم يكن ذلك يثير حساسيات أو نعرات طائفية، ولم يكن الأقباط يشتكون بدورهم من تمييز ضدهم، ولكن الوضع تغير بعد عهد الانفتاح الاقتصادي في حقبة السبعينيات من القرن الماضي والتدخل الأمريكي في شؤون مصر.
وفي سياق متصل، نشرت مجلة روز اليوسف الحكومية دراسة في أواخر التسعينيات أكدت أن الأقلية القبطية في مصر، والتي نقل نسبتها في السكان عن ٦% والتي كان يصفها الشيخ محمد الغزالي -يرحمه الله- بأنها أسعد أقلية في العالم تملك من ثروة مصر ما بين ٣٥% و٤٠%.
فهي تملك وتمثل -وفق المصادر الصحفية المصرية- قرابة ٥ ,٢٢ % من الشركات التي تأسست بين عامي ١٩٧٤ م- ١٩٩٥ م- سنوات الانفتاح والمعونات الأمريكية، و٢٠% من شركات المقاولات في مصر و٥٠٪ من المكاتب الاستشارية، و٦٠% من الصيدليات و٤٥% من العيادات الطبية الخاصة، و٣٥% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية وغرفة التجارة الألمانية و٦٠% من عضوية غرفة التجارة الفرنسية «منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين»، و۲۰% من رجال الأعمال المصريين و۲۰% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر. وأكثر من ٢٠% من المستثمرين بمدينتي السادات والعاشر من رمضان 15.9٪ من وظائف وزارة المالية المصرية و٢٥% من المهن الممتازة والمتميزة الصيادلة والأطباء والمهندسين والبيطريين والمحامين...
شكاوى قبطية
وبالرغم من التميز الاقتصادي القبطي في مصر، ظل أقباط يشتكون من تمييز ضدهم في الوظائف العامة وبعضهم طالب بكوتة -حصة- من مقاعد المجالس التشريعية رغم تحذيرات لبعضهم -مثل د. رفيق حبيب- من خطورة هذا المطلب لأنه يحولهم لأقلية، ويتعارض مع فكرة المواطنة بمعنى المساواة الكاملة بين كل المصريين...
وقد انتقد عدد من المفكرين والرموز القبطية حديث الوزيرة عائشة عبد الهادي عن أن الأقباط يملكون ٣٠ ٪ من ثروة مصر وأنه لا يمارس ضدهم أي نوع من التمييز، وقالوا إن وجود مليونيرات أقباط لا ينفي أن هناك فقراء أقباطًا، وأن تميز هؤلاء الأقباط الاقتصاديين يرجع للجوئهم للعمل الحر نتيجة حرمانهم من المناصب الرسمية!
وفي سياق متصل أكد د. القس إكرام لمعي -مسؤول الإعلام بالكنيسة الإنجيلية- أن الحكومة ليس لها فضل في نجاح الأقباط- الذي تناولته الوزيرة في ردها!
ويرفض الدكتور سمير مرقص الباحث المتخصص في الشؤون القبطية طريقة تقديم مصر التقرير إلى منظمة العمل الدولية وإعلانه للرأي العام المصري خاصة أن المجتمع المصري يشهد حالات متعددة من التوتر الطائفي، وآخر هذه المشكلات ما شهدته قرية بمها بالعياط، والتي نتجت عن ظهور إشاعة بناء كنيسة بالقرية، فما بالك بوجود تقرير رسمي يؤكد أن الأقباط يحصلون على حقوقهم أكثر من المسلمين مع أنهم أقلية؟!
ودعا سمير مرقص إلى وضع مشاكل الأقباط في إطار عموم مشاكل المصريين مشيرًا إلى أن حدوث التمييز وحدوث توتر في العلاقات في ملف العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر تاريخيًا هو نتيجة وليس سببًا....
فعندما تكون مصر في لحظة تقدم ونهوض وطني ينعكس هذا الأمر إيجابًا على ملف العلاقات الإسلامية المسيحية وتتراجع أحداث التوتر والعكس صحيح.
مخاطر التحريض ضد الأقباط: ويقول الكاتب القبطي «هاني دانيال» -في مقال نشره بموقع «الأقباط متحدون»- إن نشر الحكومة تقارير رسمية عن ثروة وعدد الأقباط في مصر تحريض حكومي للمسلمين ضد الأقباط قائلًا: هل من المعقول تصنيف رجال الأعمال بانتمائهم الديني؟
الضغوط الخارجية
ويقول د. سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة «للمجتمع»: هناك ثلاثة أسباب المشكلة تضخم الملف القبطي هي:
1- أن النظام في مصر أصبح يتعامل مع موضوع الأقباط بفعل الضغوط الخارجية فقط. أي كرد فعل ومحاولة إرضاء هذا الجانب الخارجي فيما يخص الضغوط بشأن الأقباط، ومن هنا جاء تقرير وزيرة القوى العاملة له أبعاد خارجية بغرض الرد على التقرير الدولي، وغرضه التأكيد للخارج أنه ليس هناك تمييز ضد الأقباط، ولكن دون أن يسعى النظام لحل مشكلة الأقباط داخليًا عبر المعالجة الفكرية والثقافية وإزالة الاحتقان
٢- أن ما يفاقم المشكلة أن الكنيسة أصبحت تلعب دورًا سياسيًا مباشرًا، وهو أمر انتقده حتى العلمانيون الأقباط، لأنه يبتعد بالمشكلة عن طبيعتها الاجتماعية الفكرية ويحولها لقضية طائفية وأقلية، بينما الدستور ركز على المواطنة التي تلغي التمييز على أساس ديني.
ويزيد من خطورة هذا التعامل الرسمي مع المشكلة أن هناك توجهًا أمريكيًا موازيًا للضغط في اتجاه أن تكون المؤسسة الكنسية في مصر «أداة ضاغطة على النظام».
٣- تحول الملف القبطي إلى ملف أمني -شأنه شأن العديد من الملفات السياسية والاجتماعية والدينية- ما انعكس على صدور ردود أفعال رسمية أو قرارات لا تعالج أصل المشكلة ككل فكريًا وثقافيًا، وإنما كرد فعل بناء على الفعل مثل الضغط الخارجي، وهو ما يفسر التضارب الحاصل في التوجهات ففي حين يجري الحديث عن المواطنة ومساواة المصريين ككل، أصبح ينظر لكلمة المواطنة على أنها مقابل الكلمة القبطي المصري وحقوقه فقط، رغم أن المواطنة مهدرة بالنسبة للجميع.. القبطي والمسلم معًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
اتهامات علنية بالسرقة والفساد بين زكي بدر وعبد الحليم موسي
نشر في العدد 1087
14
الثلاثاء 08-فبراير-1994