العنوان حرب الاغتيالات في مصر بين الحكومة وتنظيم الجهاد
الكاتب بدر محمد بدر
تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992
مشاهدات 741
نشر في العدد 1003
نشر في الصفحة 24

الأحد 31-مايو-1992
عندما تولى اللواء محمد عبدالحليم موسى
وزارة الداخلية في أعقاب إقالة زكي بدر في يناير ١٩٩٠، ذهبت قوات الشرطة إلى قرية
كحك بحري بالفيوم وحصدت رؤوس أكثر من ثلاثين شابًّا من جماعة الشوقيين وعلى رأسهم
أميرهم المهندس شوقي الشيخ وهي إحدى فصائل الجهاد، وأحرقت الشرطة أيضًا المزروعات
على رؤوس من فيها، وعاش أهالي القرية في حالة من الرعب والفزع الرهيب، وفي المقابل
هددت مجموعة الشوقيين بالانتقام، ونفذت حادث اغتيال المقدم شرطة أمن دولة محمد
علاء الدين في أكبر شوارع مدينة الفيوم وهو شارع السنترال جهارًا نهارًا- كعادة
أهل الصعيد- وقام بالعملية شابان لم تتجاوز أعمارهما العشرين، ومرة أخرى ذهبت قوات
الشرطة إلى القرية- كحك بحري- لتلقى مزيدًا من الرعب في قلوب أبنائها إلى الدرجة
التي قطعت فيها مياه الري عن أراضي البلدة، حتى ماتت المزروعات عطشًا!
وفي وضح النهار تعرض الشاب علاء
محيي الدين المتحدث باسم الجماعة الإسلامية «تنظيم الجهاد»- فرع عمر عبدالرحمن-
للاغتيال على يد مجهولين في حي الطالبية بمنطقة الهرم ولم تفلح الإسعافات في
إنقاذه، واتهمت مباحث أمن الدولة بتدبيرها حادث الاغتيال، لأن الجريمة تمت بخطة
محكمة، ولم تهتم الدولة بالتحقيق الجدي في الحادث، وفي المقابل ردت الجماعة
الإسلامية بالتهديد بالانتقام لمقتل المتحدث باسمها، وعندما وقعت حادثة اغتيال
ثاني أكبر مسؤول مصري وهو الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، وعدد عن معاونيه،
أعلنت الجماعة الإسلامية أن هذا هو ردها على اغتيال علاء محيي الدين، بل أعلنت
أنها كانت تقصد تصفية وزير الداخلية نفسه الذي كان مقررًا أن يمر من نفس المكان
وفي نفس اللحظة، ولكن القدر هو الذي ساق رفعت المحجوب إلى هذا المصير.
محاولات
الاغتيال
مجموعة أخرى أطلقت عليها المباحث
اسم «تنظيم الناجين من النار»، اتهمت بمحاولة اغتيال ثلاثة وزراء سابقين
للداخلية وهم اللواء نبوي إسماعيل، الذي نفذ اعتقالات سبتمبر وأكتوبر ۱۹۸۱، واللواء حسن أبو باشا الذي قضى معظم
حياته في جهاز أمن الدولة، واللواء زكي بدر، وأصيب أبو باشا بوابل من الرصاص، كاد
أن يودي بحياته ومازال يعيش عاجزًا بسببه، وألقى وزير الداخلية وقتها- اللواء زكي
بدر- القبض على ثلاثة أشخاص وبعد تعرضهم للتعذيب الرهيب، أعلن أمام مجلس الشعب أن
المتهمين اعترفوا بكل التفاصيل، وجارٍ عرضهم على النيابة لاستكمال التحقيق، ولم
تمض أسابيع حتى أعلن عن اكتشاف متهمين آخرين، وتم إطلاق سراح الثلاثة الذين
اعترفوا بكل التفاصيل وذهبت قوات الشرطة للقبض على أفراد التنظيم الجديد «الناجين
من النار»، الذين اختبأوا في زراعات الموز في قرية الخرقانية بالقرب من أطراف
القاهرة، وقتلت الشرطة بعضهم ومثلت بجثثهم أمام الجميع، بل حرصت جهات
الأمن على تصويرهم في الصفحات الأولى من الصحف، بهدف إلقاء الرعب في قلوب من
ينتمون إلى مثل تلك الجماعات، وبعد فترة طويلة من التعذيب داخل السجون
قدموا إلى المحاكمة.
وفي دمياط تعرض ضابط كبير بمباحث أمن
الدولة للاعتداء من قبل أفراد اتهموا بالانتماء إلى جماعات الجهاد، انتظروه في
بيته، وكبلوه بالحبال وأوسعوه ضربًا وكسروا عظامه حتى كاد أن يلقى مصرعه، وكان رد
الفعل السريع من قبل الحكومة هو القبض الفوري على مجموعة منهم وإطلاق الرصاص عليهم
دون تحقيق أو محاكمة، وتقديم 37 منهم إلى المحكمة بتهمة الاعتداء على الضابط
ومقاومة السلطات، وتعريض أمن الوطن للخطر!
وعندما تمكن ثلاث من قيادات الجهاد من
الهرب من سجن طرة، حيث يقضون عقوبتهم تم إطلاق الرصاص على أحدهم وهو الرائد عصام
القمري فسقط قتيلًا وتم القبض على الآخرين.
أحداث
إمبابة
ومنذ فترة طويلة ومنطقة إمبابة، وهي منطقة
شعبية كثيفة السكان على أطراف القاهرة الكبرى تعيش حالة من الرعب والفزع، الذي
يصاحب دائمًا حملات الشرطة وأجهزة الأمن ضد تجمعات الجهاد، وفي كل مرة يسقط أكثر
من فرد صريع برصاص البوليس، ويتم القبض على العشرات، حيث يتعرضون للمعاملة
القاسية داخل أماكن الحجز بأقسام الشرطة أو داخل المعتقلات والسجون.
وفي الأيام الأخيرة، تعرضت قرية «منبو»
بمركز ديروط- أسيوط، لحملة من الشرطة التي اتهمت جماعة الجهاد بإثارة الفتنة
الطائفية داخل القرية بينما أكد شهود عيان أن الأحداث أخذت طابع الثأر الذي هو من
طبائع أهل الصعيد بينما اتهمت فيها جماعة الجهاد وراح ضحية الأحداث حوالي ١٥
فردًا.
هذه بعض حوادث الفعل ورد الفعل التي
انتشرت في الساحة المصرية في السنوات الأخيرة بصورة ملفتة، وإذا كان اللواء زكي
بدر قد اعتمد سياسة الضرب في المليان كأسلوب للتعامل مع جماعات الجهاد، طوال فترة
حكمه التي امتدت أربع سنوات، فإن اللواء عبدالحليم موسى أعلن أن سياسته في الضرب
في سويداء القلب وعلى المستوى الفعلي اعتمدت الوزارة أسلوب التصفية الجسدية
فالملاحظ أن حالات القبض يصحبها عادة إطلاق الرصاص وسقوط قتلى.. ولكن هل نجح هذا
الأسلوب في مواجهة استمرار انتشار جماعات الجهاد واستمرار مواقفها التي تعتمد
أسلوب المواجهة والعناد ورد الفعل وعدم التنازل؟
هل
نجحت السياسة؟
لقد نجحت سياسة توريط جماعات أو تجمعات
الجهاد في بعض التصرفات التي تتخذ ذريعة للقبض عليهم واعتقالهم وتعريضهم للسجن
والاغتيال والتعذيب ولكنها لم تنجح في إنهاء حالة الرعب الأمني والاندفاع الجهادي
في مناطق كثيرة إلى الدرجة التي حدت بوزارة الداخلية مؤخرًا أن تعلن عن توفير
أفراد للحراسة لكل ضابط أمن دولة لحراسة بيته بالإضافة لحراسته هو شخصيًّا، وإذا
كان عنف الدولة، وأسلوب التصفية الجسدية وسد المنافذ أمام أبواب الرزق واستكمال
التعليم والحياة الطبيعية أمام أفراد الجهاد لم ينجح في إنهاء حالة التوتر،
أو إقناع قيادات الجهاد أنها من الصعب أن تواجه عنف الدولة مع الحفاظ على
كيانها بل في مزيد من العناد والتحدي والمواجهة الدموية وحرب الاغتيالات، فهل يمكن
أن تغير الدولة أسلوبها؟ وهل يمكن أن تغير قيادات الجهاد وتجمعاتهم من أسلوبها؟
الواقع يقول: إن هذه أمنية صعبة، خاصة على المدى القريب، فالدولة ربما تحرص على
إظهار الإسلاميين بأنهم لا يتحاورون إلا بالرصاص ولا يريدون أمن واستقرار المجتمع،
وبالطبع مثل هذه الحوادث تستغل جيدًا في مختلف وسائل الإعلام في حين تفتقر جماعات
الجهاد إلى وسيلة إعلامية تصل من خلالها إلى الناس، ومثل تلك الحوادث تستفيد منها
الحكومة في العمل بقانون الطوارئ الذي يتيح لها سلطات واسعة في القبض
والاعتقال وغيرها.
أما على مستوى جماعات الجهاد فمن الصعب أن
تقتنع بأسلوب الحوار مادامت تواجه بالرصاص والشدة والعنف ومادامت الحريات بصورة
عامة لم تستكمل صورتها على المستوى العام وعلى المستوى السياسي بصورة أخص، فماذا
يمنع أن يكون للجهاد وجميع القيادات السياسية المحرومة منبرهم السياسي والعالمي؟
وماذا يمنع أن يتم التعامل معهم على أساس مناقشة الفكر والأسلوب وفي وضح النهار
ودون ضغط من أحد ثم يعاقب المخطئ على أساس القانون والدستور؟!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

