العنوان تجربة القذافي مع الإسلام أم ضد الإسلام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980
مشاهدات 20
نشر في العدد 494
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 26-أغسطس-1980
* كان الرئيس القذافي يبدأ خطبه بالبسملة
* خطاب «زوارة» نقطة التحول الواضح في خط القذافي
* أين العالم الإسلامي من هذه المهاترات القذائفية
عندما نراجع السنوات الأولى من تجربة القذافي في ليبيا نلمس بوضوح جوانب البراءة أو التصنع المتقن للبراءة والإخلاص من وجهة نظر إسلامية. فقد كان الشاب معمر القذافي يتكلم ويكاد الخجل يسيطر على كل ملامح وجهه، وكان يبدأ جميع خطبه بالبسملة.
بل أنه ذهب إلى ما لم يذهب إليه أي رئيس دولة حينما وقع برقيات ورسائل إلى رئيس دولة لبنان يقول في آخرها والسلام على من اتبع الهدى ورغم أنه ألغى الجامعة الإسلامية لارتباطها بالملك إدريس السنوسي وبالأسرة السنوسية كما يتصور هو إلا أنه حاول أن يعوض ذلك الخطأ بالدعوة إلى ما يسمى ب «المؤتمر الأول للدعوة الإسلامية» الذي عقد في ديسمبر ۱۹۷۰ وهو المؤتمر الذي حضره نخبة من خيرة المفكرين والعلماء المسلمين.
وفي ذلك المؤتمر قال «القذافي» وانطلاقًا من إيماننا بأن الدين الإسلامي جاء إلى الناس كافة وأن كل مسلم مسؤول عن شمولية هذه الدعوة وعن تعميمها وعن الجهاد في سبيلها حتى تكون دائمًا كلمة الله هي العليا إلى يوم القيامة، وإيمانًا منا بأن الدين الإسلامي ليس كغيره من الأديان جاء إلى قبيلة معينة أو لمنطقة محدودة أو لفترة مقصورة، وإنما جاء بوصفه آخر الأديان وجاء إلى الناس كافة. (1)
السنوات الأولى للانقلاب:
وأصبح خلال السنوات الأولى للانقلاب يتردد على ألسنة الكثير أن العقيد القذافي يبدو وكأنه ظاهرة صحوة إسلامية على مستوى العمل السياسي حتى أن الملك فيصل قال في أحد الأيام: «ومن لي برجل كان يمكن أن يتصور يوم أن يكون أفضل من هذا الشاب الذي يقوم الآن بالتبشير بالعقيدة الخالصة للإسلام». (۲)
وتحدث الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله- في المؤتمر الأول للدعوة الإسلامية عن حماس القذافي فقال: «لأول مرة سمعنا في العالم الإسلامي هذا الصوت الجديد الغريب الفريد الوحيد في القرن العشرين، بأن رجل دولة مستعد أن يمهد السبيل ويمد المساعدة المادية والمعنوية لما سينتج عن هذا المؤتمر من أجل القيام بالدعوة الإسلامية في العالم». (۳)
وفعلًا استطاع العقيد القذافي أن يستقطب بعض المهتمين بالعمل الإسلامي على المستويين السياسي والعقائدي.
وظن بعض أقطاب الحركة الإسلامية المعاصرة أن القذافي رغم غرابة بعض آرائه لا يزال موضع أمل ويمكن التعاون معه.
ولعلهم في ذلك الحين كانوا يجدون المبررات الكافية للدفاع عن وجهة نظرهم.
أما بالنسبة لداخل ليبيا فإن السنوات الثلاث الأولى للانقلاب أو الثورة تمثل سنوات الطفولة والطفولة دائمًا لها براءتها وطعمها الخاص، وكل الأخطاء كانت تبرر على أساس أن هؤلاء شباب وهذه تجربة، ولكل تجربة أخطائها العفوية.
وهكذا ظل الحال، وظل الأمل يراود الجميع حتى خطاب زواره في أبريل سنة ۱۹۷۳.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أصبح شهر أبريل من كل سنة هو شهر المآسي، والاعتقالات والتصفيات الجسدية.
ومنذ ذلك الحين تحول الشاب البريء والظاهرة الصحية إلى ذئب يفترس الناس، وإلى ظاهرة مدمرة في الفكر والعقيدة الإسلامية.
القذافي والثورة الثقافية:
وانعكست أفكار العقيد القذافي ضد الإسلام منذ أن بدأ ما أسماه بالثورة الثقافية حينما سجن وعذب مئات الشباب من المثقفين، وأحرق وصادر خيرة الكتب الإسلامية، ثم أراد أن يفرض «الكتاب الأخضر» كحل لكل المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وقد وضع خطته لسلب الجماهير في ليبيا جميع الحقوق السياسية والاقتصادية (٤)، بعد خطاب زواره خلع العقيد القذافي ذلك الثوب الأبيض الذي كان يلبسه واختفت من على وجهه ملامح البراءة والخجل ولبس ثوبًا أحمر اللون، وصارت نبرات صوته: لا تحمل إلا التهديد والوعيد وانطلقت جنوده تطبق ما جاء في الكتاب الأخضر.
وبعد ذلك فقط أصبح الإسلاميون في كل مكان يراجعون موقفهم من العقيد القذافي، والغريب في الأمر أن القذافي قد نسف بكتابه الأخضر كل الأصول الإسلامية، وقد أكد بممارسته العملية كل الخطر على العقيدة الإسلامية في ليبيا إلا أنه لا يزال يدعي أن ثورته ثورة إسلامية...
وهذا أمر لم يأت به أحد من الثوريين المعاصرين ويذهب فريق من المفكرين والسياسيين في العالم الإسلامي إلى أن هذا اللون من الفكر لم يأت صدفة بل وراءه مخططات دقيقة لتشويه الإسلام، وللحيلولة دون بروز الظاهرة الإسلامية الأصيلة والتي هي البديل الوحيد في المنطقة…
والدليل على ذلك أن القذافي عشية عودته من جولته إلى عدد من الأقطار الشيوعية في أوروبا الشرقية في يوليو سنة ۱۹۷۸ هرع توًا إلى مسجد مولاي محمد بطرابلس وأعلن أمام جمع من الحاضرين أن موضوع الحديث والسنة خرافة، وشكك في جميع مصادر الحديث وفي رواة الحديث (٥) ثم أصبح في كل مناسبة يوجه ضربة قاصمة للرصيد الفكري الإسلامي فألغى التاريخ الهجري، وأرخ بتاريخ وفاة الرسول حتى يقول للناس في صباح كل يوم إن الإسلام الذي تريدونه قد مات ورسوله منذ أربعة عشر قرنًا، أما أنا وكتابي الأخضر فإننا أحياء بينكم.
قد يبدو لبعض الناس أن تغيير التاريخ الهجري شيء بسيط ولكنه في الواقع يُعتبر انحرافًا خطيرًا لأنه على أقل تقدير سيخلق فوضى وتشويشًا في ذهن الإنسان المسلم فكل الكتب وكل الأحداث التاريخية تستعمل التاريخ الهجري، وأي تغيير في ذلك سيؤثر على عقلية الدارس ويجعله يحس بغربة وشذوذ لا مبرر له.
طمس دور المسجد، التحامل على الأئمة:
ولم يكتف العقيد القذافي بكل ذلك بل أنه يحاول أن يطمس دور المسجد تمامًا فقال في عدة خطب إن المسجد يجب أن يستعمل للصلاة والتسبيح فقط ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تناقش فيه القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وفي يوم الجمعة ۲۹ شعبان ١٤٠٠ هـ الموافق 11 يوليو ١٩٨٠ م ألقى خطبة الجمعة في مدينة جادو حيث يسود المذهب الإباضي، وشن هجومًا عنيفًا على جميع أئمة المذاهب الإسلامية، وقال ما لم يجرؤ على قوله أي إنسان طوال خمسة عشر قرنًا من الزمان قال: «أتكلم عن قضية دينية مهمة لحد كبير أقول إن القرآن يؤكد أنه ضد المذاهب، آيات بينات من الله -سبحانه وتعالى- ضد المذاهب، مذهب حنبلي، شافعي، مالكي، إباضي، شيعي، سني... المسلمون أخذوا هذه المذاهب من اليهود والنصارى قلدوهم، بعد وفاة النبي بدأ الصراع على السلطة من خلافة وحروب وشيعة ومذاهب، هذا صراع ديني على السلطة لا علاقة له بالقرآن ولا بالدين القرآن يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ﴾ (الأنعام: 159 )
يعني أن الله يكلم النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ويقول له والذين فرقوا دينهم، عملوا هذا شيعة وهذا سنة، وهذا مذهب كذا، وهذا مذهب كذا هذه المذاهب عبارة عن أحزاب، حزب مالك، حزب أباض، حزب حنبل.
وقال له أنت لست منهم في شيء يا محمد هؤلاء ليسوا أتباعك ولا لك أي صلة بهم وليس لهم أي صلة بك...
يجب في المدارس، في المناهج أن تعلم أولاد المسلمين الجدد القرآن لكي يفهموا أنه ليس هناك مالكي ولا حنبلي ولا أباضي ولا شافعي ولا سني ولا شيعي في القرآن، هذا ليس موجودًا في القرآن بالعكس هذا كفر.
الله يكفر أصحاب المذاهب ويبرئ النبي منهم ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (الروم:31- 32).
إذًن المذهبية والطائفية والمذاهب الموجودة الآن هذه من صفات المشركين هؤلاء مشركون لأنهم فرقوا دينهم إلى أحزاب، وكل حزب يقول أنا الذي على حق... الشيعة والسنة... إلخ هذه صفات المشركين» (٦) هذه النصوص ننقلها حرفيًا من خطاب العقيد القذافي حيث أم المسلمين في صلاة الجمعة بجادو، وهذا الكلام يعتبر إدانة كاملة، وحجة واضحة على انحراف التفكير والإسفاف في القول، والتبجح بالكفر البواح. والردة عن الاسلام.
إذ أن أئمة المذاهب هم شراح وفقهاء العقيدة الاسلامية، ورصيدهم في الاجتهاد وما ألفو من الكتب يعتبر مفخرة من مفاخر البحث العلمي، وفتحًا متقدمًا في مجال العلوم والدراسات الانسانية.
وإذا كان القذافي يملك ليبيا ويتصرف فيها كما يشاء فما هو عذر حكام وعلماء العالم الإسلامي من هذا الكلام؟ وما هو موقف منظمة مؤتمر العالم الإسلامي وأمينها العام؟ ما هو موقف رابطة العالم الإسلامي بمكة؟ ما هو موقف الأزهر؟ وما هو موقف الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران؟
القذافي ليس مجنونًا... ولكنه يقوم بدور خطير:
إن العقيد القذافي ليس مجنونًا كما يريد أن يقول البعض، إن المجنون غير مكلف شرعًا، ولا يؤاخذ بأخطائه شرع...
إن القذافي يقوم بدور خطير، وإذا استمر له الأمر فإنه سيدمر البقية الباقية من العقيدة الإسلامية في ليبيا، وبعد ذلك سيكون مؤهلًا لتسلم الأمور في مناطق أخرى، وستتوسع جماهيريته باعتبارها البديل المطلوب والمرغوب من أعداء الاسلام.
إن الحركة التي يمثلها القذافي الآن قد جاءت لحسن الحظ في وقت وفي فترة تسمى فترة الأحياء الإسلامي. وقد اعترف بذلك العدو قبل الأصدقاء، ولذلك فقد لا نخشى على تشويه الإسلام ومنطلقاته الأساسية.
ولكن لا يجوز السكوت ولا الصمت ضد هذه التفاهات وهذا الاستهتار ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة: ۷۸- ۷۹).