العنوان المنتدى الثقافي
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980
مشاهدات 15
نشر في العدد 494
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 26-أغسطس-1980
يا قدس
شعر أحمد حسين القضاة/ الرياض
«حملت الأنباء أن جموعًا غفيرة من مواطني القدس العرب قد قاموا بمظاهرات ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة ٢٠ رمضان ١٤٠٠ه الموافق ۱ آب ۱۹۸۰م؛ احتجاجًا على ضم القدس العربية وجعلها عاصمة لإسرائيل بدلًا من تل أبيب.
وبكل جرأة وشجاعة خرج المواطنون ولا سيما الأطفال منهم يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، ويهتفون: بالروح بالدم نفديك يا قدس... إلخ».
نامت شعوبك سكرى ليس يوقظها بالقدس جرح ولا نار وآلام
نامت مخدرة من صوت مطربة ما هزها حدث أدناه إجرام
نامت دعيها مع الأحلام نائمة قومي «بعينك» لا يجديك نيام
يكفيك من «أهلك» الأبطال مفخرة أن نامت العرب ما «شنوا» وما ناموا
صانوا حماك بما اسطاعوا وما وهنوا لم يثنهم رهبَ قتلٍ وإعدام
لاقوا عدوهم في غير ما جزع في غير ما «هرج» يذكيه «إعلام»
مرحى لطفلك بالأحجار يقذفها وجه العدو لعمري فهو مقدام!
والشيخ يهتف هذا يوم موعدنا مع الجنان وهذا عامنا عام!
يا قدس جرحك «خض» الناس كلهم لكن قومك ماخضوا وما قاموا
الله يعلم ما تحوي قلوبهمو من «النوايا» أهم «عرب» و«إسلام»
إني أشك كثيرًا في عروبتهم إن العروبة بالإسلام إكرام
صاموا وصلوا رياء أو كعادتهم لا خير فيهم وإن صلوا وإن صاموا!
لا يرتضي المسلم المغوار منقصة لا يقبل الضيم أو تلهيه «آثام»
قولي بربك للتاريخ يكتبها في سفره الضخم عرب اليوم «أنعام»
حتى لا ننسى الأقصى
في الحادي والعشرين من عام ١٩٦٩م أحرق اليهود المسجد الأقصى وادَّعوا أن الفاعل مجنون! ليتخلصوا من هذه الجريمة الشنعاء ومن تبعاتها المخزية. لقد وصل الحريق في الجناح الجنوبي الشرقي في المسجد إلى المنبر التاريخي المطعم بالعاج، الذي أُقيم في عهد صلاح الدين الأيوبي، كما أصاب الحريق السقف ودمر محراب زكريا -عليه السلام- وباتت بطانة القبة مهددة بالسقوط، كما أصاب التلف المحاريب الداخلية والزخارف الأثرية على نحو لا يمكن إصلاحه. على أن العجيب في الأمر كله -وهو ما يحصل دائمًا- هو رد الفعل؛ فقد اقتصر حسب طبيعة العرب على الاستنكار والضجيج الإعلامي الذي لا يغني شيئًا، لذا استمر ما كان على ما كان، عاد اليهود ثانية بعد أحد عشر عامًا إلى القدس كلها وجعلوها عاصمة لهم، فماذا أعد المسلمون لهذا؟!
أما الشعر فقد أدى دوره، وهل يكفي هذا؟!
هل نكتفي بقول القائل:
عجبًا لبيت الله كيف يُضام!
من أمة طاشت بها الأحلام!
المسجد الأقصى ويهدر في دمي
نار كتلك يزيدها الإضرام!!
لم ننتبه إلا على إحراقه
لكأننا صرعى لهم أوهام
وعسانا نفيق حتى لا تضيع بقية المقدسات.
لم يبق في حرز سوى أقداسنا
فإذا هوَت فعلى الحياة السلام!!
راصد
الاستعمار الصناعي
كان الجو حارًّا جدًّا، الشمس في سمت السماء والريح ساكنة، عندما كنت مضطجعًا في ظل شجرة الزيتون الوارف، كان كل ما في الوجود صامتًا ساكنًا حتى أغصان الشجر الغضة الطرية، واسترقت السمع فلم أسمع إلا أزيز صرصور وزقزقة عصفور قريب كاد يقتله الظمأ.
الصمت والسكون يُطربني، إن له ألحانًا حلوة شجية منعشة أسمعها، أنا كنت مستغرقًا في سماع الألحان وكانت النفس نشوَى طَروب رغم انعدام النسيم، ولا يدوم سرور.. فما هي إلا لحظات حتى سمعت نشازًا في موسيقى الصمت وألحانه، فنظرت إلى الخلف علِّي أعثر على مصدر هذا النشاز، فوقع نظري على صالح وإبراهيم قد أقبلا من بعيد وأقبل معهما المراء والجدل أنهما يتجادلان، بل يتخاصمان، وأشرت إليهما بيدي وما أسرع أن وصلا يلهثان.
فيم تتخاصمان؟ ولمَ أفسدتما على هذا الكون الصامت الساكن الرزين سكونه وهدوءه؟
فقال إبراهيم وهو يشير بيده إلى صالح إشارة سخرية واستهزاء:
إنه يحدثني عن النهضة الصناعية في بلاده العربية، والأغرب من هذا كلما جرى على لسانه ذكر البلاد العربية قال بلاد «نا» العربية، إنه يعقد في ذنبها دائمًا كلمة «نا» كأنها ميراث أبيه، وكأنه لا يدري ولا يعلم أن دخوله القطب الشمالي أهون عليه من بلد من تلك البلاد، ولا أدري أي نهضةٍ تلك التي يتحدث عنها وأي صناعة.
والتفت إليه قائلًا:
يا أخي، استحِ على وجهك، إن المصانع التي تتحدث عليها شر وبلاء يضاف إلى شر هذه الأمة وبلائها. وجن جنون صالح عندما قلت لإبراهيم:
صدقت والله.
-عجيب، أنت أيضًا من مؤيديه؟
-نعم يا صالح، أنا من مؤيدي الحق، دعنا نناقش المسألة، انتبه.
وأسند صالح ظهره إلى جذع شجرة الزيتون وقال:
تفضل ناقش.
-حسنًا، عندما يقام في أي بلد عربي مصنع ما، فمن أين يؤتَى بآلات المصنع؟ طبعًا من ألمانيا أو فرنسا أو روسيا.
وعندما يستمر المصنع في عمله شهرًا أو شهرين أو سنة أو سنتين أو ثلاث، تتعطل إحدى آلاته ويحتاج إلى غيار؟
-هذا شيء طبيعي.
-وطبيعي أيضًا أن نلجأ لتأمين القطع إلى المصدر الذي باعنا المصنع، وعندها سيتحكم بنا ذلك البلد، وإن لم يتحكم الآن يتحكم غدًا بعد حين، وهكذا ندفع جميع ما توهمنا أن المصنع قد ربحه مقابل قطع الغيار تلك، وبذلك نصبح خدمًا وعبيدًا يعملون لتلك البلاد دون أن ندري، أليس كذلك؟
-بلی، وسنظل مرتبطين بذلك البلد من جهة هذا المصنع، لأن خبراءنا انحصرت خبرتهم بهذا النوع من المصانع، ولأنه كلفنا جهودًا أو أموالًا وهتافًا وتصفيقًا. والتفت إلى صالح قائلًا:
ما رأيك بما نقول؟ ألم تر بعد في مصانع بلادك العربية استعمارًا خبيثً؟
تنحنح صالح وقال: ومتى لا تكون مصانعنا استعمارًا؟!
-عندما نصنع المصنع، عندما نبدأ بالتراب وننتهي بالإبرة والسيارة والطائرة والصاروخ والمدفع، عندما نبدأ بالحديد.
وهو مادة خام ممزوجة بالتراب وما أكثره، ونصنع منه مصنعًا يصنع لنا ثوبًا وسيارة وسلاحًا، عندها -وعندها فقط- نصبح غير مستعمرين صناعيًّا وأصحاب نهضة وحضارة حقة. أما أن نبيع الطن الخام بقرش ونشتري الكيلوغرام منه بمائة فهذا هو الدمار والخراب والاستعمار والتخلف.
وهذا هو المستحيل بعينه، فبلادنا بلاد متأخرة جدًّا من الناحية العلمية والصناعية، وما الصناعة التي نشاهدها الآن إلا نتيجة تجارب وخبرات مئات السنين، ولا أعتقد قطعًا أن بإمكان عالمنا تحقيق ما تقولانه. انتبه يا صالح أن يكون تحقيقه مستحيلًا أو غير مستحيل فتلك مسألة أخرى، المهم أن تعلم أن هذا هو الاستعمار الصناعي الذي لا انفكاك منه إلا بالرجوع إلى نقطة الصفر، وإلا سيظل الاستعمار والاستغلال والتخلف ملازمًا لوجودنا ملازمة الحياة لنا هذا من جهة، ومن جهة أخرى من قال لك إن هذا التحرير مستحيل؟
إنه ليس بمستحيل، ولا يحتاج تحقيقه إلا إلى عزم وتصميم وإخلاص، بإمكاننا استقطاب أهل العلم والصناعة وجلبهم إلى بلادنا والتعلم منهم، فالمادة الخام موجودة والعقول موجودة، بإمكاننا إرسال رسل سرًّا أو علنًا إلى أهل الخبرة والدراية وإغرائهم بالمال كي يقوموا بعملية تعليمنا في بلادنا، يأتي الرسول إلى العالم ويقول له كمْ تعطيك أميركا أو ألمانيا أو فرنسا راتبًا شهريًّا؟ نحن مستعدون أن نعطيك أضعاف أضعاف ما تعطيك، بل مستعدون أن نزِنك بالمال فتفضل للعمل في بلادنا. فإن رفض واحد منهم تلك العروض فلن نعدم غيره. والمال موجود والرجال والعقول موجودة أيضًا، بل إن هناك مئات، بل آلاف العلماء العرب والمسلمين ممن يعملون في تلك الدول المتقدمة صناعيًّا بدافع مادي، أو لعدم توفر عمل لهم في عالم العرب الخربان، أهذا مستحيل يا صالح؟
أطرق صالح برأسه ولم يلبث أن رفعه قائلًا: لا ليس بالمستحيل، وهذا الأسلوب استعملته أميركا نفسها.
نعم.. فالمسألة لا تحتاج إلا إلى إخلاص وعزم وتصميم كما أسلفنا، وهذا هو المفقود المعدوم، وهذا هو البلاء والسرطان الذي فتك بهذه الأمة الأثرية.
وقال إبراهيم:
ولا تنسَ مصيبة التعدد والتجزئة، فهي رأس الداء.
نعم إن تناثر هذه الأمة إلى حكومات صغيرة ذهب بقوتها وبقدرتها وأصاب عقولها بالمس، فلم تعد قادرة على التفكير، فالذي اشتعلت النار في بيته وثيابه مشغول في إطفائها وليس لديه عقل أو مجرد وعي كي يحدثنا عن قصة ألف ليلة وليلة.
وانطلق النسيم فتراقصت أغصان الأشجار الغضة الطرية.
بقلم
يوسف سليمان هيجاوي
مكة المكرمة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل