العنوان تركيا والنظام الرئاسي.. نهاية عهد وبداية آخر
الكاتب د. سعيد الحاج
تاريخ النشر الاثنين 01-مايو-2017
مشاهدات 704
نشر في العدد 2107
نشر في الصفحة 36

الاثنين 01-مايو-2017
65 حكومة مرت على تركيا في 93 عاماً بمعدل 16 شهراً في الحكم
النظام الرئاسي يتيح تشكيل حكومات مستقرة ومتجانسة وقوية لعدم قدرة البرلمان على سحب الثقة منها
التغيير القادم ليس بسيطاً ولا جزئياً بل يتعلق بصلب نظام الحكم والحياة السياسية
3 مواد فقط ستدخل حيز التنفيذ فوراً وهي عودة الرئيس لحزبه وإلغاء المحاكم العسكرية وانتخاب القضاة
الزخم الذي حصل عليس الرئيس والحزب الحاكم سيتيح هامش مناورة أكبر لتركيا
تركيا ما تزال تمتلك الكثير من أوراق القوة وستضطر أوروبا للعودة إلى طاولة الحوار معها
لقد وضع الإسلام الأطر العامة للناس لإدارة شؤونهم، وترك التفاصيل الجزئية لكل مكان حسب ظروفه وبيئته، وهذا ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم بقول: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم». وفي هذا السياق يأتي الحديث عن تركيا التي افتتحت في السادس عشر من أبريل الماضي عهداً جديداً في تاريخها الحديث ودخلت مرحلة مختلفة في تجربة العدالة والتنمية الذي يحكم منذ عام 2002م، فقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن النتائج الأولية غير الرسمية للاستفتاء - حتى كتابة هذه السطور - بإقرار الناخبين الأتراك للتعديل الدستوري بموافقة 51.4% منهم ورفض 48.6%.
في ظل عدم توقع تغيرات كبيرة في النتائج الرسمية التي ستعلنها اللجنة بعد البت في الطعون، فإن الشعب التركي يكون قد وافق على الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي في الحكم.
وبهذا تكون تركيا قد اختتمت عشرات السنين من العمل بالنظام البرلماني الذي كان يفرض في بعض الأحيان حكومات ائتلافية غلب عليها الفشل والانهيار والتسبب بالانسداد السياسي والأزمات الاقتصادية، كما تكون قد حلت المشكلة الأبرز التي يعاني منها دستور عام 1982م المعمول به حتى اليوم (وهو الدستور الذي وضعته مجموعة انقلاب عام 1980م)، وهي تعارض الصلاحيات بين المؤسسات المختلفة وازدواجية القيادة والقرار في السلطة التنفيذية.
عرفت تركيا 65 حكومة في 93 عاماً من عمر الجمهورية بمعدل 16 شهراً لعمر الحكومة، وإذا ما استثنينا من ذلك حكومات الاستقرار السياسي والأحزاب القوية في عهد الحزب الديمقراطي بقيادة «مندريس» في الخمسينيات وحزب الوطن الأم بقيادة «أوزال» في الثمانينيات، وحزب العدالة والتنمية بقيادة «أردوغان» بعد عام 2002م، فإن المعدل يتراجع كثيراً وبوضوح؛ وعليه، ولأن الأحزاب لا تضمن بقاء قوتها وثقة الشعب فيها مع المتغيرات الداخلية والخارجية، فإن الحياة السياسية في تركيا تبقى معرضة للهزات الكبيرة والائتلافات الضعيفة التي تفتح الباب على التدخلات الخارجية مع النظام البرلماني، وهذا هو الباب الذي أغلقه اعتمادُ النظام الرئاسي.
نظرياً، يتيح النظام الرئاسي تشكيل حكومات مستقرة ومتجانسة وقوية لعدم قدرة البرلمان على سحب الثقة منها ولامتناع الجمع بين الوزارة وعضوية البرلمان وإمكانية تشكيل الحكومة من فريق متناسق بعيد عن الهيمنة الحزبية سيما من التكنوقراط، وهذه هي السردية الرئيسة التي يقدمها حزب العدالة والتنمية بين يدي التعديل الدستوري، إضافة لسرعة اتخاذ القرار وقوة تنفيذه وتجاوز ازدواجية السلطة التنفيذية إثر إلغاء منصب رئيس الوزراء.
عهد جديد ومرحلة انتقالية
وبإعلان اللجنة العليا للانتخابات عن النتيجة الرسمية والنهائية للاستفتاء، تصبح تركيا قد بدأت المرحلة الانتقالية قبل التحول التام للنظام الرئاسي، والتي ستنتهي مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة في الثالث من نوفمبر 2019م؛ حيث ستدخل ثلاث مواد فقط من المواد الـ18 حيز التنفيذ فوراً، وهي إمكانية عودة الرئيس لحزبه («أردوغان» للعدالة والتنمية)، وإلغاء المحاكم العسكرية (إلا في حالات الحرب وللجنود فقط)، وانتخابات هيئة القضاة والمدعين العامين وفق الهيكلية الجديدة خلال شهر من إعلان النتيجة.
وعليه يعود «أردوغان» لعضوية الحزب الذي أسسه وقاده لسنوات طويلة واضطره الدستور للاستقالة منه حين انتخابه رئيساً في أغسطس 2014م، يعود عضواً أولاً ثم يعود رئيساً وفق التوقعات، إما بانتظار المؤتمر العام الدوري للحزب في عام 2018م أو بعقد مؤتمر عام استثنائي قبل ذلك.
من أبرز مهام الفترة الانتقالية عمل البرلمان خلال الأشهر الستة الأولى على إصدار «قوانين المواءمة»؛ أي التعديلات القانونية المطلوبة للانتقال السلس من النظام البرلماني للرئاسي، وأما المواد الـ15 المتبقية من التعديل الدستوري المُقرّ في الاستفتاء الأخير فتدخل حيز التنفيذ فقط بعد انتخابات عام 2019م، تاريخ التطبيق الفعلي للنظام الرئاسي.
هذا الاستفتاء الأهم في تاريخ الجمهورية التركية كان زاخراً بالدلالات والرسائل المستخلصة من النتائج على مستوى عموم المحافظات في تركيا وليس فقط النتيجة الإجمالية، ولعل العدالة والتنمية من الأحزاب التي تهتم بالتقييم العميق للنتائج التفصيلية، ولذلك فمن المتوقع أن يجري تعديلات وتغييرات في هيكلته القيادية وأيضاً في الحكومة التي يُنتظر أن تمر بتعديل وزاري جزئي.
على الجهة الأخرى، ستلعب النتيجة على وتر الخلافات الداخلية في كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية تحديداً؛ الأمر الذي سيتوقع أن تكون له انعكاساته على التركيبة القيادية في كليهما، فضلاً عن تعميق أزمة حزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) في ظل عملية التحقيق مع قياداته وإشارات تصويت الأكراد في تركيا كذلك.
انعكاسات داخلية وخارجية
ليس التغيير القادم بسيطاً ولا جزئياً، بل يتعلق بصلب نظام الحكم والحياة السياسية في البلاد، ولطالما تخوفت الشعوب من التغييرات الكبيرة، ولعل ذلك من أهم أسباب الفارق الضئيل بين الموافقة والرفض للتعديل الدستوري، إضافة للتخوف من بعض المواد المتعلقة برقابة البرلمان على الحكومة والعلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ولذلك سيتعين على العدالة والتنمية أن يتعامل مع هذه التخوفات (سيما داخل أطره وبين أنصاره) بمزيد من الشرح والتفصيل كما ألمح إلى ذلك «أردوغان» حين قال: «يبدو أننا فشلنا في إقناع البعض»، بيد أن التحدي الأكبر سيكون في الجانب العملي لا النظري.
ذلك أن التحول للنظام الرئاسي سيطال بتأثيراته المشهد السياسي التركي ككل، مثل عمل الحكومة والبرلمان والعلاقة بينهما، ورقابة النخب والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني على العمل الحكومي، ودور الأحزاب وثقلها في المعادلة السياسية الداخلية، إضافة لكل ذلك، فإن التطبيق العملي للنظام الرئاسي - بعد عشرات السنين من البرلماني - سيفرز ولا شك تحديات جديدة وسيكشف عن ثغرات تحتاج للاستدراك، فالتحولات الديمقراطية عملية مستمرة من الممارسة والتحديث وليست مجرد عتبة ينبغي تجاوزها وكفى.
لعل الرسالة الأوضح في استفتاء 16 أبريل كان تصويت مناطق الجنوب والجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية، والتي وإن رفض أغلبها التعديل الدستوري إلا أنها أظهرت ارتفاعاً ملحوظاً في أغلب تلك المحافظات في نسب التصويت لـ«نعم» عن نسب التصويت للعدالة والتنمية في آخر انتخابات برلمانية، ورغم عدم صوابية المقارنة المباشرة بين النتيجتين بسبب اختلاف السياقات بين انتخابات برلمانية واستفتاء شعبي على النظام الرئاسي، فإن الأمر لا يخلو من رسالة احتجاج ضد حزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) وعلاقته بالعمال الكردستاني، ورسالة أمل و/أو ثقة بـ«أردوغان» لجهة إمكانية العودة للحل السياسي للقضية الكردية، وهو أمل مشروع وله ما يبرره في ضوء ما صدر من تصريحات وتلميحات من «أردوغان» نفسه خلال الحملة الانتخابية.
في السياسة الخارجية، أهم ما يحتفي به القارئ العربي سيكون ثمة انعكاسات لا بد منها لهذا التحول الكبير، ربما ليس من المنطقي انتظار تغيرات جذرية وسريعة في هذا المجال، سيما أن التطبيق العملي لن يبدأ قبل نهاية عام 2019م، وأن السياسة الخارجية التركية تصاغ وفق محددات مهمة، وتساهم فيها مؤسسات معروفة لن يطرأ عليهما الكثير من التغيير في فترة وجيزة.
بيد أن الزخم الذي حصل عليه الرئيس التركي والحزب الحاكم سيتيحان هامش مناورة أكبر لتركيا في العلاقات الثنائية والملفات المشتركة، خصوصاً مع الولايات المتحدة؛ الأمر الذي سيلقي بظلاله بلا شك على القضية السورية والعراق تحديداً، هنا يبدو أن خطط تركيا المتعلقة بمعركة الرقة ومدينة منبج (وربما عفرين) ستفعَّل وتُسرَّع، بينما يجري الحديث عن الإعداد لعملية «درع دجلة» في العراق على غرار «درع الفرات» إذا استمرت سيطرة منظمة حزب العمال الكردستاني على منطقة «سنجار» في محيط مدينة الموصل.
ولعل العلاقات التركية - الأوروبية ستتأثر بشكل خاص بنتيجة الاستفتاء إذ زادت الحملة الانتخابية والمهرجانات التي منعت بعض الدول الأوروبية عقدها على أراضيها من توترها، بعد إعلان النتيجة الأولية، صدرت تصريحات أوروبية كثيرة تشكك في نزاهة الاقتراع و/أو ديمقراطية العملية الانتخابية وتساوي الفرص في الحملات الانتخابية أو حاولت على الأقل الضغط على الحكومة التركية بسببه.
وعليه؛ فالمتوقع للعلاقات التركية الأوروبية زيادة التوتر نوعاً ما على المدى القصير، دون الوصول إلى القطيعة الكاملة، لكن ولأن تركيا ما تزال تملك الكثير من أوراق القوة - خصوصاً في القضيتين السورية والعراقية وفي ملف اللاجئين تحديداً، إضافة لما يضيفه تمرير التعديل الدستوري من قوة معنوية لـ«أردوغان» والحكومة - فإن أوروبا ستضطر للعودة إلى طاولة الحوار مع أنقرة وسيكون «أردوغان» مرة أخرى هو ممثلها وعنوانها.
وعليه، فإن شئنا الاختصار في هذه العجالة، يمكننا القول: إن تركيا قد أنهت عهداً وافتتحت عهداً جديداً، إلا أن لهذا العهد الجديد تحدياته الخاصة به التي تحتاج أنقرة للتعامل والتفاعل معها كما فعلت دائماً حتى الآن.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عقب التصديق عليه.. خبراء ينتقدون قانون الجمعيات الأهلية بمصر ويعتبرونه عقاباً للفقراء
نشر في العدد 2109
17
السبت 01-يوليو-2017

