; رسائل الإخاء.. بين إجمال وتفصيل تعليق على من «طَعن يُطعن» | مجلة المجتمع

العنوان رسائل الإخاء.. بين إجمال وتفصيل تعليق على من «طَعن يُطعن»

الكاتب الشيخ نادر النوري

تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1993

مشاهدات 19

نشر في العدد 1060

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 03-أغسطس-1993

لعل في المقالة السابقة عموم وإجمال يحتاج إلى تفصيل وضوابط في هذا الشأن الخطير، حتى لا يتسرع الإنسان ويحكم بخلاف علمه وإن شهد عنده بذلك العدول، فالحكم ذاك وهو القتل بشأن المجاهر في ردته وكفره وفساد عقيدته وتكذيبه لدين الله واستهانته به مع ما اعتضد معه من الاستخفاف بحرمات الله والاستهانة بفرائض الله، فهذا لا يقبل منه مجرد ما يظهر من الإسلام مع ثبوت هذه الأمور عليه، وما ينبغي التوقف في قتل مثل هذا، ولا يسقط عنه القتل بما يظهر من الإسلام.

ولكن قد يتستر الانسان بما يظهر من الأقوال والأعمال ما يدل على انقياده ظاهرًا ولكن يبطن نفاقه وزندقته خداعًا واحتيالًا ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ (سورة التوبة: 62) ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (سورة التوبة: 95) ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ*اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (سورة المنافقون: 1-2) ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (سورة التوبة: 65-66)

فهؤلاء المنافقون ملعونون أينما ثقفوا فضحهم الله تعالى في القرآن وهتك أستارهم لشدة بلية الإسلام وأهله بهم، إذا عاهدوا لم يفوا، وإن وعدوا أخلفوا، وإن قالوا لم ينصفوا، وإن دعوا إلى الطاعة وقفوا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والرسول صدفوا، وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أغراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا ﴿صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ (سورة التوبة: 127).

وفي الآية ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا*مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ (سورة الأحزاب: 60-61).

إنه جعل انتهاءهم عما يفعلون سببًا في حقن دمائهم قبل الإغراء بهم وتقتيلهم وفي قصة حاطب بن أبي بلتعة قال عمر: «دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله اطلع على

أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». 

وفي حديث الإفك.. «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: من يعذرني من رجل «أي من عبد الله بن أبي بن سلول» بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا.. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. 

فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلًا صالحًا ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه إنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت» متفق عليه.

وحينما ضرب رجل من المهاجرين أنصاريًا تداعوا وقالوا: يا للأنصار! يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية بين ظهرانيكم دعوها فإنها منتنة، وقال عبد الله بن أبي بن سلول: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال عمر: ألا نقتل يا نبي الله هذا الخبيث (عن ابن سلول)» فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه!!».

وقد منع النبي من ذلك لأن النفاق لم يثبت عليه بالبينة وأنه حلف ما قال.

وكان هو وأمثاله يظهرون الإسلام، ونفاقهم يعرف بما يتكلمون أو يكتبون فيؤولون أو يحلفون كذبًا، وتارة يعرف بمعارضتهم لأحكام الله أو كراهتهم لها، أو في لحن القول ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ*وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ (سورة محمد: 29-30) ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ (سورة التوبة: 101).

والخلاصة من المقالين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة مستضعفًا هو وأصحابه عاجزين عن الجهاد أمرهم الله بكف أيديهم والصبر على أذى المشركين، فلما هاجروا إلى المدينة وصار له دار عزة ومنعة أمرهم بالجهاد وبالكف عمن سالمهم وكف يده عنهم، لأنه لو أمرهم إذ ذاك بإقامة الحدود على كل منافق لنفر عن الإسلام أكثر العرب، إذا رأوا أن بعض من دخل فيه يقتل. وأمر بأن لا يطع الكافرين والمنافقين ويدع أذاهم ويتوكل على الله، فلا يكافئهم ولا يعاجلهم بعقوبة لما يتولد عن ذلك من الفتنة، ولم يزل الأمر كذلك حتى فتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وكملت شرائع الدين ونزلت براءة وفيها أمر الله بنبذ العهود ومجاهدة الكفار والمنافقين والإغلاظ عليهم، فحيثما كان للمنافق ظهور وتخاف من إقامة الحد عليه فتنة أكبر من بقائه عملنا بآية «دع أذاهم»، كما أنه حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح، وحيث ما حصل لنا من القوة والعز خوطبنا بقوله »جاهد الكفار والمنافقين» الصارم المسلول لشيخ الإسلام: 356.

وهذا إذا كان هناك من يقيم الحد، وتوجد دولة تحكم بالدين، أما إذا عدمت مثل هذه الدولة، ولم يحكم بما أنزل الله، فإن الأمر ليس على إطلاقه، إذ إن إطلاق الإذن بقتل المرتد حتى وإن ظهرت كل علامات ردته، ينبني عليها في ظل هذه الحكومات التي لا تحتكم لشريعة الله فتنة عظيمة بأخذ الأبرياء بجريرة ذلك القاتل للمرتد، كما هو حادث الآن في بعض الدول العربية، ويضاف إلى ذلك أن معظم شباب الحركة الإسلامية بالرغم من حماستهم إلا أنهم لا يملكون أدوات العلم الشرعي التي تؤهلهم للحكم على ارتداد فلان أو علان، ومن أجل ذلك يرجأ قتل المرتدين في ظل مثل هذه الحكومات لما يترتب عليه من فتنة عظيمة والله أعلم.

الرابط المختصر :