; المشهد السياسي المغربي.. بين الوعي الديمقراطي و«كاريزما» ابن كيران | مجلة المجتمع

العنوان المشهد السياسي المغربي.. بين الوعي الديمقراطي و«كاريزما» ابن كيران

الكاتب عبدالغني بلوط

تاريخ النشر الاثنين 01-مايو-2017

مشاهدات 755

نشر في العدد 2107

نشر في الصفحة 28

الاثنين 01-مايو-2017

أعلولال: إعفاء ابن كيران أكد أن نتائج صناديق الاقتراع وحدها غير كافية لتشكيل الحكومة

العثماني كان مطلوباً منه تشكيل الحكومة بمنهجية جديدة في إطار التعامل الإيجابي مع بلاغ الديوان

عبدالعالي: جل الأحزاب لن تتمكن من التخلص من أثر ما سمي بـ«البلوكاج» الحكومي

الهلالي: العدالة والتنمية يعيش حالة نقاش غير مسبوقة سيكون لها أثر على توسيع الخيال السياسي

ما زالت تداعيات زلزال إعفاء عبدالإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من تشكيل الحكومة المغربية واختيار سعد الدين العثماني، زميله في الحزب، بدلاً منه؛ تخيم على المشهد السياسي المغربي، حيث إن تشكيل الحكومة قد توقف لمدة ستة أشهر؛ بسبب فرض شروط مسبقة من قبل «حلفاء» العدالة والتنمية في الحكومة لم يقبلها ابن كيران، بسبب ما رآه تدخلاً في اختصاصاته وفرْض نوع من التحكم في قراراته.

اختير سعد الدين العثماني لتشكيل الحكومة، وقَبِل بكل الشروط أو جلها، وأهمها دخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى التشكيلة الحكومية، وهو الذي كان خطاً أحمر لابن كيران؛ بسبب مواقفه من الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر 2016، كما تنازل العثماني عن عدد من الوزارات الإستراتيجية، وقَبِل بدخول شخصيات تكنوقراطية، بعضها صبغ بصبغة حزبية؛ مثل ما وقع لمحمد حصاد، وزير الداخلية السابق، بصفته تكنوقراطياً، والذي أصبح وزيراً للتربية الوطنية عن حزب الحركة الشعبية (يمين إداري).

معادلة من متغيرين

اختيارات سعد الدين العثماني بررتها عدد من القيادات المعروفة سيما تلك التي تمت إعادة استوزارها، ويشرحها بلعيد أعلولال، البرلماني عن العدالة والتنمية، في تصريح لـ«المجتمع» بالقول: إن إعفاء ابن كيران أكد أن نتائج صناديق الاقتراع وحدها غير كافية لتشكيل الحكومة، وبعدها تم الانتقال إلى الرجل الثاني من الحزب الأول في احترام تام من قبل ملك البلاد للدستور وليس للحزب الثاني، وكان مطلوباً من العثماني تشكيل الحكومة بناء على منهجية جديدة في إطار التعامل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي كما قررت هيئات الحزب، ولتشكيل حكومة من ستة أحزاب لا بد أن يكون هناك تنازل من جميع الأطراف؛ لأن مصلحة البلاد تقتضي ذلك؛ وبالتالي كان لهذا التشكيل أثر على مجموعة من الأحزاب.

أما المحلل السياسي إمحمد الهلالي، فيقول في تصريح لـ«المجتمع»: إن ما جرى يتم التسويق له على أنه رعاية للتوازن، لكنه في العمق هو تدبير مركزي لفائض الوعي الديمقراطي، وفائض «الكاريزما» لأول رئيس حكومة أعطى للسياسة معنى شعبياً، ورفع الشأن العام إلى مستوى الخدمة العمومية التي يتابعها الجميع، وفي هذا الإطار، العدالة والتنمية بحكم جوهره الإصلاحي ومنهجه المعتدل، وحساسيته من أي صدام خاصة مع الدولة، وميله الطبيعي إلى البحث عن المشترك والتوافق سيكون في نطاق معادلة من متغيرين؛ صيانة المكتسبات في الوعي والبناء الديمقراطيين، واستمرار الإصلاح دون أي إمكانية للتفريط في الاستقرار، وهو الخيار الإستراتيجي الذي بات يتقنه بصموده على ما يراه يندرج في خانة المبدئي والقيمي وبراجماتيته ومرونته فيما ينتمي إلى خانة التدبيري والسياسي.

توسيع الخيال السياسي

إن غياب ابن كيران عن المشهد السياسي الرسمي أظهر رأيين مختلفين، ففي نظر المحلل السياسي د. عبدالعالي الحور، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ«المجتمع»، فإن هذا المشهد خلال هذه الولاية التشريعية الحالية قد يتسم بالرتابة، وسيفتقد لتلك الحيوية التي عاشها خلال الولاية السابقة؛ وذلك بسبب غياب أو تواري أهم الشخصيات التي وسمت تلك المرحلة بخطابها الشعبي المعروف، على الرغم مما يتوقع بشأن التوترات التي قد تنشب بين مكونات الأغلبية، خاصة أن جل الأحزاب لن تتمكن من التخلص من أثر ما سمي بـ«البلوكاج» الحكومي، في حين يرى د. عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ«المجتمع» أن المشهد السياسي قد يزداد تشويقاً واحتداماً، سيما إذا لبى ابن كيران مطالب فصل العمل الحزبي عن العمل الحكومي، ولم يوغل في شخصنة آرائه.

إن حزب العدالة والتنمية، حسب الهلالي، يعيش حالة نقاش غير مسبوقة، سيكون لها أثر كبير على توسيع الخيال السياسي الوطني للانتقال إلى مرحلة جديدة تكون فيها الأولوية لتدبير الندرة والنقص في البناء الديمقراطي، وسط موازين قوى راجحة لغير صالح الإصلاح والبناء الديمقراطي، وفي نطاق ذلك فهو يعي أن صيانة استقلالية الأحزاب وحرية إرادتها هي اللبنة الأساسية لصيانة الاختيار الديمقراطي.

إن العدالة والتنمية الذي قاد التجربة الحكومية لمدة خمس سنوات وضع بصمتها الكبرى ابن كيران بخطابه الصريح ومواجهته لقوى تحكمية في القرار السياسي للأحزاب والحكومة، ارتفعت داخله أصوات متعددة تطالب بضرورة فصل العمل الحزبي عن العمل الحكومي، والبقاء بجانب الشعب ومطالبه، ومن هذه الأصوات قيادات حزبية وأخرى برلمانية.

وعكست الكلمة التي ألقاها كل من رئيس فريق الحزب بالغرفة الأولى (مجلس النواب)، ورئيس فريقه بالغرفة الثانية (مجلس المستشارين)، بعضاً من صدى هذه الأصوات، إذ ذكرت أنه لا تنمية بدون تحقيق الإرادة الشعبية.

لكن المشهد السياسي المغربي بقي يتسم بحيوية غير مسبوقة، لا تفسر إلا في إطار ما يعرفه المجتمع المغربي وتوقه إلى تحقيق التنمية المنشودة.

ويشير أعلولال في السياق ذاته إلى أن ظهور نقاش خارج مؤسسات الحزب في الفضاء الأزرق تنفخ فيه جزء الصحافة الإلكترونية والمكتوبة وتتبناه، فربما تهدف من ورائه إلى أن يخرج الحزب عن منهجه في التعامل مع مؤسسات الدولة، وخاصة أن أساس بعض الأفكار المطروحة للنقاش ما زالت سجينة أن «صناديق الاقتراع وحدها كافية لتشكيل الحكومة»، علماً أن مجموعة من الأحزاب فاقدة لاستقلاليتها، فالمهم حالياً هو العمل على المحافظة على استقرار الوطن الذي تتربص به الدوائر من كل جهة، والاستمرار في طريق الإصلاح في ظل الاستقرار، والعمل في إطار التدرج وبشراكة مع جميع القوى الحية في الوصول إلى تلك الأهداف السامية التي نصبو إليها جميعاً بعيداً عن أي مغامرة أو عناد طفولي لا يراعي مآلات الأمور.

فصل الحزبي عن الحكومي

يرى الهلالي أن حزب العدالة اختبر خيار الممانعة ومواصلة إصلاحات المرحلة السابقة كحزب، والقبول بقيادة الحكومة من قبل الرجل الثاني في الحزب د. العثماني، وفي الوقت نفسه تفويت الفرصة على القوة الثالثة التي تدفع في اتجاه الصدام من جديد بين الأحزاب الوطنية الديمقراطية والدولة، وهو ما تم الوعي المبكر به.

ويرى عبدالعالي الحور أن دعوى فصل الحزبي عن الحكومي هي دعوى أقل ما يقال عنها أنها لا تمت للسياسة ولا للديمقراطية بأي صلة؛ فالحكومة مشكّلة من أحزاب، ويفترض في هذه الأحزاب أن تقدم في النهاية حصيلة عملها للناخب ليقوّم عملها ويصوّت لها أو ضدها، أما أن يفصل العمل الحكومي عن العمل الحزبي فمعناه أننا أمام حكومة تكنوقراطية وليست حكومة سياسية، ولن تتم محاسبة أي أحد.

لكن مع ذلك، هذه الدعوى قد تجد مبرراً لها لدى حزب العدالة والتنمية، يضيف الحور، خاصة أن بعض أعضائه وأنصاره يعتبرون أن هذه الحكومة بالشكل الذي خرجت به قد تم فرضها؛ وبالتالي فإن ترك مسافة بين الحزب والحكومة قد يساهم في الحفاظ على تماسك صفوف الحزب، ويجعل قيادته متحررة شيئاً ما في انتقادها لأداء الحكومة، لكن هذه الحجج تبقى ضعيفة وغير مقنعة.

ويبرز العلام أن هذه الدعوى مقبولة ومشروعة وإن جاءت متأخرة، لأنه لا يمكن أن يتماهى العمل الحزبي مع العمل الحكومي الذي له إكراهات معينة، وأشار إلى أن هذا التماهي في السابق كان بسبب وجود ابن كيران رئيس الحكومة على رأس الأمانة العامة للحزب، والذي كان يأخذ الحزب أينماً ذهب بقوة غير مسبوقة.

 وفي سياق آخر، يؤكد الحور أن رئيس الحكومة سيستمر في مهامه إلى نهاية الولاية، لكن قد يجد في طريقه الكثير من العراقيل وخاصة في الملفات الاجتماعية التي قد تعزز من شعبية العدالة والتنمية؛ لأن الهدف هو الوصول إلى حزب عدالة وتنمية ضعيف بنهاية الولاية التشريعية.>

الرابط المختصر :