; هل تلطخ الرحلات الفضائية بالممارسات الجنسية؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل تلطخ الرحلات الفضائية بالممارسات الجنسية؟

الكاتب عبدالقادر عبار

تاريخ النشر الثلاثاء 21-نوفمبر-1989

مشاهدات 731

نشر في العدد 942

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 21-نوفمبر-1989

ألفان وأربعمائة يوم (2400) أي ست سنوات وسبعة أشهر بليلها ونهارها وفصولها الأربعة.. أو بحساب الساعات ما يعادل: 57600 ساعة قضاها الإنسان خارج الجاذبية الأرضية: متنزهًا في أرجاء الفضاء العميق الشاسع، عبر رحلات علمية: دراسية واستطلاعية، منذ أول رحلة فضائية قام بها يوري فافارين عام 1961 ومرورًا بالرحلة الكبرى التي أتيح فيها للإنسان عام 1969 أن تلامس أقدامه أرض القمر.. إلى اليوم!

وباختصار: فإن أكثر من مائتي شخص من قوميات مختلفة بمن فيهم مواطنان عربيان: انطلقوا إلى الفضاء الخارجي في إطار هذه الرحلات.

السيد ليفين.. غاضب!

ولكن رغم هذا الحشد الهائل من الإنجازات التي أصبحت علامة القرن العشرين ومفخرة الإنسان المعاصر.. فإن السيد روي ليفين- المستشار في معهد الأبحاث الطبية البيولوجية الفضائية بجامعة شفيلد يبدو غاضبًا إلى حد ما ومتوترًا بعض الشيء! ومن يدري! فلربما يترجم احتجاجه عبر إضراب جوع مفتوح، في صورة مواصلة زملائه التسويف في تنفيذ رغبته- فماذا يريد السيد: ليفين؟!

تصدير الممارسة الجنسية إلى الفضاء!

فقد أعلم العالم البريطاني عن قلقه لنقص الأبحاث عن ممارسة الجنس في الفضاء.. وطالب بإجراء مزيد من التجارب في هذا الصدد.. وقال -روي ليفين- المستشار في معهد الأبحاث الطبية البيولوجية بجامعة- شفيلد- لصحيفة «صنداي إكسبريس»: يجب أن نخطط من الآن للإقامة في الفضاء لفترات طويلة، ومن أجل ذلك يجب أن نحيط إحاطة تامة بمسألة الحياة الجنسية للبشر في الفضاء. ويريد- ليفين- أن تجري البعثة البريطانية السوفيتية المشتركة التي ستنطلق إلى الفضاء عام 1991 اختبارات على إحصاء عدد الحيوانات المنوية وتأثير السفر في الفضاء على الأداء الجنسي.

وقال ليفين في ورقة بحث نشرتها إحدى الصحف المتخصصة: إنه رغم قضاء رواد الفضاء الأمريكي والسوفييت نحو 2400 يوم في الفضاء منذ أول رحلة فضائية قام بها السوفييتي فافارين عام 1961 فإن المعلومات المتاحة عن تأثير السفر في الفضاء على الجهاز التناسلي وعلى الممارسة الجنسية للبشر قليل جدًّا، وتكاد تكون معدومة!

الخطأ والصواب في دعوة ليفين

هذا الاقتراح الذي أفصح عنه السيد ليفين بقوة وحماس نابع أساسًا من اختصاصه، وبالتالي فهو يشكل لديه همًّا مهنيًا بدرجة أولى، وهذا من حقه طبعًا.. إلا أنه ليس همًّا إنسانيًّا عاجلًا يستبيح تأييدنا وتشجيعنا..

وواضح من كلام السيد ليفين أنه يتهم مبرمجي الرحلات الفضائية السابقة في إغفالهم لهذه المسألة الحساسة والمهمة حسب زعمه! وهو إن كان يعذرهم لا محالة فيما سلف من ماضي الرحلات؟ فإنه لن يتسامح معهم في ضرورة جدولتهم مستقبلًا، باعتبار أن الإقامة قد تطول بالرواد في الفضاء الخارجي، ومن حقهم التمتع بمواصلة حياتهم الجنسية، كما هو الشأن لزملائهم في الأرض. وعليه فمن الضروري أن تسبق ذلك تجارب جادة ومتنوعة لتوفير معلومات ومعطيات دقيقة وشاملة في هذا المجال.

وعندما نبسط القول- دون التوغل في محاكمة النوايا واتهام المقصد- نرى أن السيد- ليفين- يطلب من رواد الفضاء أن يمارسوا الجنس ممارسة صريحة وعادية! مع من؟! ليس هذه قضية من وجهة النظر الغربية.. المهم أن تتوفر معلومات عن طعم «الرذيلة» خارج الجاذبية الأرضية، وعن طعم «الجنس» خارج الإطار الأرضي المألوف: ما لونه؟ ما ذوقه؟ ما درجة انخفاضه وارتفاعه؟ ما درجة حرارته وبرودته؟! حتى يتجمع لدى القوم ألبوم من الصور الملونة والأفلام الحية الناطقة تكون في النهاية مادة فريدة وغريبة في نفس الوقت، كافية لعملية إشهارية مغرية حول رحلات فضائية جنسية، بعيدة عن الرقابة الأرضية ومغايرة للنمط الأرضي المألوف.. يسيل لها لعاب الزبائن وتفتح شهيتهم النووية للرذيلة والشذوذ.. وتساهم في النهاية في توسيع دائرة الانخراط في الفساد والإفساد!!

 ومن التجارب ما قتل!

وهنا قد ينفعل أحد المتحمسين فيقول معترضًا: الاقتراح بريء والرجل عالم ويعرف ما يقول.. فما الداعي إلى تهويل الأمر بمثل هذا التحليل التآمري والاتهام المتخلف!

دعوا القوم يقترحون ويعملون.. إنهم هم السادة! هم الذين ابتدأوا هذا الأمر- غزو الفضاء- وملكوا ناصيته ورسموا خرائطه وصنعوا أدواته. وبذلوا من أجله الكثير! واكتفوا أنتم إن شئتم بالمشاهدة والاستهلاك! فقط المشاهدة والاستهلاك! وينسى أمثال هؤلاء المعترضين في غمرة حماسهم أن التجارب علمتنا أن كثيرًا من المقترحات والنظريات والإنجازات تولد بريئة.. ولكن حصيلتها في النهاية: دمار وفجائع وفساد! بما أن العقلية التي تحتكر إنجازها وتنفيذها والبيئة التي تحتضنها وتتبناها.. لا تولي اهتمامًا للقيم والأخلاق، ولا تمتلك رؤية واضحة وصالحة للحد الفاصل بين الحلال والحرام والطيب والخبيث.. وهي تصر على النظر بعين واحدة: عين المتعة والمصلحة.. والغاية عندها تبرر الوسيلة.. وليست مستعدة أن تبسط خارج ذاتها غير يد واحدة: يد الاستغلال والاستكبار وشواهد الأمس واليوم على ذلك أكثر من أن تحصى. ودعونا نذكر في هذا المجال بقول العالم «أوتوهان» حينما علم أن تلاميذه استغلوا الطاقة الذرية في صناعة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي: «إنها غلطتي! لقد علمتهم العلم، ولم أعلمهم الأخلاق»!

والخطأ في اقتراح- ليفين- أنه نظر إلى الجانب العلمي، وأهمل الجانب القيمي الأخلاقي الإنساني!

مصيبة البشرية المعاصرة:

ولعل من سوء حظ البشرية في عالمنا المعاصر: أن الذين يمسكون بقيادها، ويتحكمون في مناطق الضغط فيه، ويحتكرون أزرار النفع والضر وإشارات الحرب والسلم.. لا يعترفون بصيغ الحلال والحرام في الفعل والسلوك.. ولا يعتمدون المعيار الأخلاقي فيما ينظرون ويطبقون، وفيما يخترعون وينجزون.. ومن ثم تتالت الويلات والمصائب، وتنوع التدمير والفساد، واتسعت خريطة المعاناة الإنسانية؛ لتشمل تضاريسها الجوع والحرب والاستعمار! صحيح أننا نعيش في عصر العلم! إلا أن الحقيقة- كما يقول: رينود بو: «هي أن الميدان العلمي كما يدار الآن ليس فيه توازن يسمح للعلم بأن يكون ذا فائدة تذكر في إدارة أمور الإنسان. لقد جمعنا كمًّا هائلًا من المعلومات حول المادة، وتقنية قوية لضبط واستغلال العالم الخارجي، ومع ذلك لا يزال جهلنا فاضحًا بالآثار التي قد تنتج عن التعب بمهاراتنا هذه.. ونتصرف غالبًا وكأننا آخر جيل يعيش على هذه الأرض!» أو كما نقل عن رئيس بلدية- كليفلند- قوله: إذا لم نكن واعين فسيذكرنا التاريخ على أساس أننا الجيل الذي رفع إنسانًا إلى القمر.. بينما هو غائص إلى ركبتيه في الأوحال والقاذورات!

وبعد هذا، يؤسفنا أن يفكر العلماء في تلطيخ الفضاء بممارسات الرذيلة!

الرابط المختصر :