; إنترنت: فقه المعلوماتية | مجلة المجتمع

العنوان إنترنت: فقه المعلوماتية

الكاتب د. عمر عبد العزيز مشوح

تاريخ النشر الثلاثاء 03-مارس-1998

مشاهدات 18

نشر في العدد 1291

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 03-مارس-1998

  • مقياس الأمم أصبح بما تمتلكه من معلومات ...ونظم الكمبيوتر صارت تسيطر على كل مناحي الحياة من قطاع الخدمات حتى الجيش والاستخبارات. 

أصبح الحديث في هذه الأيام عن التقدم العلمي والتطور الهائل للتكنولوجيا في شتى المجالات هو مادة الإعلام والصحافة وحتى المجالس الخاصة، وأصبح هناك سباق محموم بين الدول لإظهار آخر ما توصلت إليه مصانعهم وعقولهم، لأن ذلك سيجعلهم في المقدمة ولا شك، والأمر الغريب في هذا الموضوع هو أن هذا التسارع العلمي الرهيب لم يحدث إلا في العشرين سنة الأخيرة فقط، ومع ذلك فهو تقدم نقل العالم من ضجيج الثورات المسلحة والاستعمار العسكري إلى هندسة الجينات البشرية وتغيير خصائص الأفراد الوراثية إلى الاستعمار الثقافي عن طريق خطوط التليفون، وكان ذلك التقدم كفيلًا بأن يكون نقطة تغيير مسار للبنية التحتية لجميع الدول والمجتمعات من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الاجتماعية والثقافية.

 ومن هذه العلوم التي أصبحت حديث الكل ومجال اهتمام الجميع تقنية المعلومات Infor mation Technology وهذا المصطلح كان في الماضي لا يعدو كونه من المصطلحات المجهولة والغريبة التي تتداول في قواميس التعامل الحضاري، بل كان المصطلح عبارة عن كلمة معلومات فقط والتي تعبر عن مجموعة من الوثائق المكتوبة والمسموعة والمرئية عن موضوع معين ومع التطور الهائل أضيفت له «تقنية» ليعبر عن مدى المرونة والتشكل وإمكانية الاستفادة الكبيرة من هذا المصطلح «معلومات».

 ولهذا المصطلح «تقنية المعلومات» كثير من الصور والأشياء وكل منها تعبر عن المجال الذي تتداول فيه مثل البنية المعلوماتية، وأنظمة المعلومات وأنظمة المعلومات الإجرائية أو التنفيذية،  والحرب المعلوماتية»، و«مراكز المعلوماتية»، وهي مراكز تجميع وتنقيح وأرشفة المعلومات بطرق معينة للاستفادة منها في مجالات مختلفة.

وقد أصبح هذا المجال «المعلوماتية» في هذا العصر محط أنظار الكثيرين ونقطة انطلاق الكثير من القرارات سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الاجتماعية.

وأصبحت الأمم في هذا العصر تقاس بكمية المعلومات التي تملكها وطريقة تعاملها مع هذه المعلومات.

 تمتلك معلومات إذن أنت قادر على السيطرة واتخاذ القرار الصحيح تجيد تنقيح وتقنين المعلومات التي تملكها.. إذن أنت قادر على اختراق العمق الحضاري للمجتمعات الأخرى.

 هكذا سوف تكون صورة الصراع القادم بين الأمم والبقاء لمن يملك البنية التحتية المعلوماتية الراسخة، ولم يكن الصراع الذي دار بين أمريكا والاتحاد السوفييتي سابقًا في الثمانينيات وهو ما يسمى بـ «حرب النجوم» ما هو إلا صراع معلوماتي بحت المنتصر فيه من استطاع الحصول على أكبر قدر من المعلومات التي تخص غزو الفضاء والمجال العسكري وطورها لصالحه، وبذلك أصبحت هذه المعلومات عند الطرف الآخر قديمة لا يمكن الاستفادة منها.

 إن «المعلوماتية» هي العمود الفقري في هذا العصر لكل دوائر الاستخبارات العالمية، وتعتمد عليه اعتمادًا كليًا في جميع قراراتها وعملياتها فإذا أزلت هذا العمود الفقري فسوف تتساقط أطراف هذا العملاق الأسطوري.

من هذه المنطلقات ومن غيرها كان لزامًا علينا نحن المسلمين أن نفقه «نفهم» المعلوماتية فهمًا إسلاميًا دقيقًا وشاملًا لنعرف كيف نجاري العصر في سيره ونعرف كيفية اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وللأسف نحن في هذا المجال نعتبر مقارنة بالدول الغربية كمن يملك لبنة صغيرة في جدار المعلوماتية الكبير الذي تسيطر عليه أمريكا والدول الغربية كالعادة في بقية المجالات.

 أصالة التطبيق وحداثة المصطلح

كعادتنا حين ننبهر من التقدم العلمي الذي حظي به الغرب فإننا نفغر أفواهنا لهذا التقدم المعلوماتي الذي يسير فيه الغرب، ولكنني سوف أمدكم بومضة من عزة المسلم التي فقدناها بتخلينا عن المنهج الأصيل الذي سار عليه أسلافنا، ولأوضح لكم من خلال النقاط القادمة أن هذا المصطلح «المعلوماتية» كان موجودًا بتطبيقاته لا باسمه فقط في القرون الماضية:

١-إن القرآن الكريم قد احتوى موسوعة معلوماتية كاملة عن اليهود وأخلاقهم وصفاتهم وطريقة تعاملهم مع الآخرين وكيف يخططون، ومع ذلك فنحن لم نأخذ بعين الاعتبار هذه المعلومات ولم ندرسها ولم نستفد منها في اتخاذ القرارات الصحيحة مع يهود القرن العشرين.

2- ما قصة الخضر مع موسى عليه السلام إلا ترسيخ وتأصيل لمبدأ المعلوماتية، فلقد أثبتت القصة بغض النظر عن الجانب الغيبي فيها أن الذي يملك المعلومات يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح ويكون واعيًا لما يدور حوله، والذي لا يملك المعلومات لن يستطيع أن يتعامل مع الواقع الذي يعيشه ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾(الكهف:٦٨)

٣-يروى في السيرة عند ذكر غزوة بدر أنه جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم  بغلامين لقريش يسقيان الماء فسألهما قائلًا: أخبراني عن قريش. قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما: كم القوم؟ قال: كثير! قال: ما عددهم؟ قالا: لا ندري.. قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف» (الرحيق المختوم من٢٣٤ )، فانظروا كيف أن النبي  صلى الله عليه وسلم استطاع أن يحلل المعلومات التي حصل عليها من هذين الغلامين ليستنتج منها عدد العدو.

 ٤-وفي السيرة أيضًا عند ذكر غزوة الأحزاب «وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش عرمرم يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل جيش ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ ولو بلغت هذه الأحزاب المتحزبة والجنود المجندة إلى أسوار المدينة بغتة لكانت أعظم خطر على كيان المسلمين مما يقاس ربما تبلغ إلى استئصال الشاقة وإبادة الخضراء ولكن قيادة المدينة كانت قيادة متيقظة لم تزل واضعة أناملها على العروق النابضة تتجسس الظروف وتقدر ما يتمخض عن مجراها، فلم تكد تتحرك هذه الجيوش عن مواضعها حتى نقلت استخبارات المدينة إلى قيادتها بهذا الزحف الخطير» الرحيق المختوم ص ٣٤٠

فالذي رد الخطر عن المدينة بعد حماية الله لها، هو توافر المعلومات عن جيش العدو، وكيفية تعامل النبي  صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع هذه المعلومات واتخاذ القرار الصحيح الذي كسبوا به المعركة.

 وهناك أمثلة كثيرة في القرون الماضية تثبت كيف أن هذا المصطلح كان حاضرًا بتطبيقاته وطريقة تنفيذه، وغاب المصطلح باسمه، ولا مشاحة

في الاصطلاح.

 فالأصالة موجودة في هذا المصطلح، ولكن الغرب في هذا العصر استطاع أن يستفيد منها وطورها بما يحقق له أغراضه وخططه وبقينا نحن الأب الشرعي لهذا الابن نتفرج على هذا التقدم الهائل.

المعلوماتية في ثوبها الجديد

«الإنترنت»

وقد حدثت طفرة معلوماتية في الخمسة عشر عامًا الأخيرة، قلبت كل موازين التقدم العلمي وقلبت البنية الثقافية والأخلاقية للمجتمعات وأعطت ثوابت ودعائم أكثر لمبدأ المعلوماتية الأصيل، إنها «ثورة الإنترنت» الثورة المعلوماتية التي أدخلت العالم بأخباره وأفراحه وأحزانه كل بيت وكل مكتب، وتحول العالم إلى قرية معلوماتية صغيرة كل دولة فيه عبارة عن حارة في هذه القرية.

إن عصب المعلوماتية في الوقت الحاضر هو الإنترنت، فتشير الإحصاءات إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت عام ١٩٩٠م هو مليون شخص، أما في عام ١٩٩٦م فارتفع إلى ٥٠ مليون شخص، وهو في ارتفاع مطرد، ونسبة العرب ضمن هذه الأرقام لا يتجاوز ٢٠٠ ألف مستخدم فقط...

سئل «ديفيد شوم»  من شركة «ديجيكاش شركة تطوير أنظمة كومبيوتر» عن أهمية الإنترنت خلال الخمس سنوات القادمة قال على الأقل بمستوى أهمية الهاتف وأجهزة التلفزيون والراديو والمطبوعات وأجهزة الكومبيوتر الشخصية (مجلة بايت الشرق الأوسط – ديسمبر١٩٩٦).

لأضرب لكم بعض الأمثلة على بعض المجالات التي تعشعش فيها الإنترنت:

ألم تسمعوا عن المكتبات الإلكترونية؟ إنها تحوي نفس الكتب التي تحويها مكتباتنا العادية، ولكن الفرق الوحيد هو أنك بدل أن تمسك الكتاب بين يديك لتقرأه سوف تقرأه من شاشة الكومبيوتر وتستطيع أقراص ليزر صغيرة أن تحوي جميع الكتب التي لديك بل وكتب جارك أيضًا. متصور أنك عندما تجلس أمام شاشة الكمبيوتر أنك جالس أمام مكتبة تحوي آلاف الكتب، تستطيع أن تتصفحها وأنت جالس مكانك وهناك موقع في الإنترنت يديره شخص واحد يحوي٥ آلاف كتاب..!  أين التراث الإسلامي الأصيل عن هذا التطور الهائل؟ 

 وقد بدأت الصحف تقوم بهجرة واسعة نحو الإنترنت تقدم خدماتها المعلوماتية بشكل واسع وسريع فالصحفيون يستقبلون آلاف المراسلات عبر البريد الإلكتروني من مصادر أكثر تغطي قطاعات أكبر ليوسعوا ويعملوا أخبارهم الصحفية. «عندما قامت صحيفة نيويورك تايمز، باستطلاع  الآراء حول إنتاج الأحجام الصغيرة من البضائع».

على مدار أسبوع كامل نظمت الصحيفة مؤتمرات عدة في مواقعها على الشبكة العالمية وأيضًا مغامرة شركة مايكروسوفت «عملاقة البرامج في العالم اليوم» مع محطة إن بي سي «محطة أخبار أمريكية» والتي مزجت بين الأخبار التلفزيونية والمعلومات التي تحتل مواقع الإنترنت (مجلة بايت الشرق الأوسط ديسمبر١٩٩٦م).

٣-فتح البريد الإلكتروني مجالًا واسعًا لتبادل الرسائل والمعلومات بين أقطار العالم وضيق المسافات بين الدول واختصر الوقت اللازم لوصول المعلومات وأصبح إرسال الأفكار والمعتقدات بكل سهولة ويسر.

هذا غيض من فيض، وما خفي كان أعظم هل تتوقع أن دولة ستستعمر دولة أخرى فكريًا وعقائديًا وثقافيًا عن طريق الإنترنت؟ تابع معي السنوات العشر المقبلة.

 إن جماعة «عبدة الشيطان» التي ظهرت في الفترة الأخيرة، كان أحد أسباب تغلغلها داخل المجتمعات العربية هو أنها تملك ثلاثة آلاف موقع على شبكة الإنترنت بأسماء مختلفة ونفس المضمون، وذلك لضمان اطلاع أكبر عدد ممكن من المستخدمين على هذه المعلومات إن هذا العدد أكبر من عدد المواقع العربية والإسلامية على نفس الشبكة فأين المسلمون من هذه الثورة المعلوماتية؟ وأين هم من هذا التقدم العلمي الهائل؟

إنني أعتبر الإنترنت لو استخدمناها حق الاستخدام وسخرناها لخدمة هذا الدين سوف تكون مصداق قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزًا يعز الله به الإسلام وذلًا يذل به الكفر» (سلسلة الأحاديث الصحيحة ج١/ رقم ٣)

ولقد أصبحت النظم الكمبيوترية تسيطر حاليًا على كل مناحي الحياة سواء في قطاع الخدمات وتجهيزات الكهرباء والغاز وإدارة الأسواق المالية والاستخبارات والجيش وجميع الوزارات المهمة ولذلك فإن الدول تبقى مهددة بهجوم إلكتروني مباغت لكل أجهزتها في أي لحظة.

 ويستشهد رئيس اللجنة بعدة حوادث منها الروسي الذي اخترق مصرف سيتي بنك وسرق مبلغ ۱۰ ملايين دولار عام ١٩٩٤، كما تسلل شاب إنجليزي في السادسة عشرة من عمره نحو عدة كمبيوترات في العالم ودخل إلى ملفات الأبحاث السرية في روما ونيويورك، وكذلك تمكن متسللون من الدخول إلى شبكات الكمبيوتر في شمال فلوريدا مما أدى إلى توقف عمل من النظم الكمبيوترية في العام الماضي، وقد اقترحت اللجنة زيادة تخصيصات الميزانية لمقاومة الإرهاب المعلوماتي أربع مرات وذلك لمواجهة الطوارئ «المصدر السابق بتصرف»، والأخبار في هذا المجال أكثر من أن تحصى وتذكر. 

إننا نتفق جميعًا على أن العالم محتاج إلى التغيير، وأن المجتمعات الحالية يجب أن يطرقها التغيير، التغيير الإسلامي المنشود، التغيير الذي يطرق كل مجالات الحياة، ويستخدم الأساليب والأدوات التي تؤثر في المجتمعات.

ولقد اتبعت وسائل كثيرة للتغيير من العمل السياسي الديمقراطي إلى العمل المسلح مرورًا بالعمل الإغاثي والعمل التربوي...إلخ.

ولقد جاء دور المعلوماتية لتكون سلاحًا من أسلحة التغيير ونظرية جديدة تضاف إلى تلك النظريات ونحن لا نلغي الدور الذي تقوم به النظريات السابقة فلكل نظرية أهميتها ووقتها والإطار الذي يصلح لها، ولكن هناك أيضًا أطر جديدة تتطلب التغيير لا تصلح معها النظريات السابقة، فلماذا لا نعطي هذه النظرية نوعًا من الاهتمام والدراسة حتى تستطيع أن تصل بها إلى الشكل الذي يناسبنا للتغيير؟

إنني أدعو الدول الإسلامية والدول العربية والأفراد الذين يريدون خدمة هذا الدين إلى تبني هذه النظرية والتعمق فيها، وإقامة مراكز الدراسات والبحوث التي تعيد صياغة هذه النظرية صياغة إسلامية فعالة ومؤثرة .

 

الرابط المختصر :