; إصلاح النفس نقطة الانطلاق لصناعة الأمة | مجلة المجتمع

العنوان إصلاح النفس نقطة الانطلاق لصناعة الأمة

الكاتب ابتهال قدور

تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992

مشاهدات 1801

نشر في العدد 1003

نشر في الصفحة 38

الأحد 31-مايو-1992

كم من الأحيان نشعر أننا مقيدين على الرغم من أن أننا طليقو الأيدي، وكم من الأحيان نشعر أننا سجناء على الرغم من عدم وجود أسوار تحيط بنا، وكم من الأحيان نشعر أننا أسيرو خيار معين، مع أن الخيارات متعددة أمامنا ولا أحد يفرض علينا واحدًا منها.

لعلها هي تلك القيود المنبعثة من داخل النفس، بل إنها هي بعينها تلك التي تصر على أن تحدد لنا مساراتنا، وتفرض علينا أنماطًا من السلوك، وأن نستسلم لضغوطها، وربما لا يخطر ببال معظمنا التفكير في: نوعية، وهدف، ومبعث، ومنشأ تلك النداءات قبل تلبيتها، لكننا لو فكرنا مليًا لوجدنا أن استجابتنا المستمرة لأوامر النفس قد تتعارض أحيانًا -إن لم يكن غالبًا- مع مهمة أساسية فرضت علينا، وهي: إصلاح هذه النفس، فقد جعلَنا إنصاتنا المستمر لما تمليه علينا ننسى أننا نحن المطالبون أصلًا بتغييرها، وليست هي المطالبة باستعبادنا، وأننا نحن المطالبون بإصلاحها لكي ننطلق بها من ثم إلى إصلاح تتسع رقعته على أرض الواقع، إلا أننا يجب أن نعترف أننا كثيرًا ما نتبادل الأدوار والمهام معًا، ولكن مواجهتنا لأنفسنا شئنا أم أبينا كانت ومازالت من أولى المواجهات التي يقع علينا عبء تجاوزها، فإن لم نؤد دورنا كاملًا أمامها، لن يكون لنا حق المشاركة في المواجهات التي تلي، كما أننا إن لم نستطيع كسب الجولة الأولى فسنبقى في الصفوف الخلفية، ولا نقدر أبدًا على خوض الجولات التالية، إضافة إلى أن العون الإلهي لنا متوقف على مدى ما نبذل من جهود في جولتنا الأولى تلك، فقد ربط القرآن الكريم ربطًا مباشرًا بين إصلاح الفرد لنفسه وبين إصلاح الله للأمة التي ينتمي لها هذا الفرد كذلك في الآية العظيمة: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11). وتغيير ما بالنفس ليس أمرًا سهلًا، بل لعله من أشق الأمور التي ستهون بعدها معظم أنواع التغيير؛ لأن الذي يستطيع القضاء على رواسب قديمة قدم سنوات العمر ولربما أطول لأنها تمتد لتتصل بأعمار آبائنا وأجدادنا- أقول إن الذي يستطيع القضاء على رواسب قديمة مدت جذورها داخل أنفسنا فتعمقت وتأصلت ونمت معها، فكونت بها جزءًا لا يتجزأ، وظلًا يصعب فصله، سيكون قد تسلح بأهم المتطلبات التي تؤهله لأية مواجهة مهما كان حجمها ونوعها، فالنفس بما علق بها من شوائب خلفتها مختلفة المراحل الزمنية التي مرارنا بها، ومختلف التأثيرات الدخيلة التي تركت بصماتها -وإن بشكل غير مباشر على جدرانها- العائق الأول أمام أي تحول، وأمام أية رغبة في تحقيق الأهداف العظيمة، فقط شاءت الحكمة الإلهية أن تسبق عملية استصلاح المكان كل مهمة بناء أو غرس، إذا ما أردنا للبناء أن يعلو وللغرس أن يثمر.

كذلك كانت عملية إصلاح النفس وتغيير ما بها من مساوئ هو المدخل الرئيسي لصناعة أمة، ولبدء عملية التغيير، هذا المصطلح الذي لم يجد بعض المفكرين أفضل منه كتعريف سليم للتاريخ، فلنقبل أذان أن صناعة التاريخ تبدأ بأنفسنا، ولنواجه العالم بنفسيات محررة من كل قيد يمكن أن يؤثر على صفاء النبع الذي ننهل منه، ليس هذا بالأمر والسهل، كما لا ينبغي أن يصعب على أناس اختارهم الله ليكونوا خير أمة، وأن صعب فهو لا يستحيل؛ لأن أحدنا حين يعكف على نفسه يصلحها ويهذبها فهو أقدر عليها، عليه فقط أن يحرك تلك القوة الكامنة داخلة، عليه أن يحرك إرادته.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

دور الفكر في عملية التغيير (1 من 2)

نشر في العدد 1228

22

الثلاثاء 03-ديسمبر-1996

ففروا إلي الله

نشر في العدد 1988

17

الجمعة 10-فبراير-2012