العنوان أيهما سيحتل أفق المنطقة.. الحرب أم التسوية؟
الكاتب عبد الرحمن فرحانة
تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010
مشاهدات 48
نشر في العدد 1915
نشر في الصفحة 66
السبت 14-أغسطس-2010
تبدو سماء المنطقة ملبدة بغيوم الحرب التي تهب رياحها بين الفينة والفينة، بينما ما زالت المحاولات قائمة وحثيثة لإنعاش المفاوضات بغية اختراق الانسداد في أفق التسوية.. الآليات القادمة ستكون مختلفة نسبيًا، لكن جوهر المواقف للأطراف سيبقى ثابتًا نسبيًا، ولا جديد فيه عدا الموقف الفلسطيني المتحرك حتى الميوعة!
أصوات الحرب تعلو وتخفت، وخطوات التسوية تحبو وتتعثر، ورغم ذلك تحركت الأطراف الدولية والإقليمية بخطى حثيثة لإحياء مسار التفاوض خوفًا من حال الانفجار الذي قد يصل لحرب إقليمية واسعة في نظر بعض المراقبين.. من جهة أخرى، تشكل التسوية ضرورة لمعظم الأطراف؛ إذ هي مرتكز وجود سلطة«رام الله» وعماد بقائها، بينما ترغب بها بعض العواصم العربية لستر عجزها.
أما«تل أبيب» فيوفر لها انطلاق التسوية الغطاء السياسي اللازم لتنفيذ مخططات التهويد والاستيطان، ويمنحها صورة«الدولة» الراغبة والمنشغلة بـ«السلام»، فضلًا عن المكاسب الاقتصادية التي تمنحها عملية التسوية للاقتصاد«الإسرائيلي»!
وبشأن الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، فتحتاج التسوية كأداة لإدارة الصراع وتسكينه، وتتخذها واشنطن خاصة كرافعة المعالجة قضايا أساسية تهمها أكثر في العراق وأفغانستان وإيران.
ويمكن اختزال الموقف«الإسرائيلي» من التسوية بما خرج به إستراتيجيو مؤتمر«هرتسليا» الأخير؛ إذ اعترفوا بعدم قدرة«إسرائيل» على فرض الحل بالقوة العسكرية، وقرروا كذلك أنه من غير المتوقع حصول تقدم حقيقي في المسيرة السياسية، ولا فرصة الآن للوصول إلى تسوية للصراع على أساس حل الدولتين، وذلك بسبب ما أسموه قوة«تيار التطرف الإسلامي»، وعجز السلطة الفلسطينية عن تفكيك بنية«الإرهاب التي يمثلها هذا التيار»!
أما واشنطن فجوهر موقفها الراهن هو التحرك على قاعدة البناء على أنه «لا يمكن لـ«نتنياهو» أن يقدم أكثر مما قدم في ظل ائتلافه القائم.. ومادامت السلطة الفلسطينية تريد دولة تحت أي مسمى، فعلى أبو مازن أن يبدي مرونة أكثر لقيام هذه الدولة المنشودة، وإلا فإن تلكوه سيمنح «إسرائيل» الزمن لتغيير الوقائع على الأرض، وبالتالي لا فرصة للمفاوضات أصلًا».
وفي الإجابة عن سؤال المقال، فإنه لا يمكن التغاضي عن خيار الحرب في ظل جهد اللوبي اليهودي في واشنطن متعاضدًا مع اليمين الأمريكي (المحافظون الجدد) الساعي لتسعيرها... وكمثال على ذلك مقال كبير المحافظين الجدد«دانييل بايبس»-أحد مسعري الحرب على العراق-الذي كتبه في صحيفة«جيروزاليم بوست» «الإسرائيلية» اليمينية، وحث فيه الرئيس«أوباما» على إصدار أوامره للجيش الأمريكي بتدمير القدرة الإيرانية على إنتاج الأسلحة النووية، مؤكدًا أن بادرة كهذه من جانب «أوباما»، سوف تغير النظرة العامة إليه بأنه سياسي خفيف الوزن.
ويشي التغير النسبي في خطاب«هيلاري كلينتون»، وعلو نبرته، واقتراب إدارة«أوباما»، عمومًا من أجندة«نتنياهو» إلى تطور في موقف الإدارة قد يتحول إلى خيارات تؤيد الحرب برغم مشكلات واشنطن المعقدة.
وبشأن موقف الأطراف الأخرى، فدمشق وطهران لا ترغبان في الحرب على وجه الحقيقة، ومن باب أولى كافة العواصم العربية، وحتى دول أوروبا، فضلًا عن«حماس» و«حزب الله» لا ترغب كلها في اشتعال الحرب الآن.
وفي القراءة الفاحصة، يمكن النظر إلى التصريحات السورية التي تضمنت القول بحرب شاملة، وتحركات طهران في المنطقة، ولقاءات دمشق التي ضمت رموز المقاومة مع دول الممانعة بأنها جاءت في سياق كبح خيار الحرب، باعتبار ذلك كله رسالة ردعية، وليست عن رغبة حقيقية في الحرب.
ويمكن القول: إن التسوية ستنطلق من جديد في ظل توفير«لجنة المتابعة العربية للسلام» الغطاء اللازم لعباس؛ ما سيخفض من احتمالات الحرب مرحليًا، ذلك أن عملية التسوية التي ستجري ستكون حسب مقاس«نتنياهو»، ووفق قواعد اللعبة التي فرضها على«أوباما»، بمعنى تراجع الإدارة عن وضع التسوية على رأس أجندتها، وعن ربطها بمصالحها القومية ما يعني تبرير أحد دوافع«نتنياهو» للحرب.
من جهة أخرى، ينظر للرسالة الردعية التي أطلقتها كل من قوى المقاومة ودول الممانعة بأنها عامل كبح للحرب كذلك، ناهيك أن«نتنياهو» قد نجح في حرف التوجه الذي سار فيه«أوباما»، في بداية ولايته؛ إذ أصبحت واشنطن تقترب من نظرة«تل أبيب» التي تقول: إن المشكلة ليست القضية الفلسطينية، إنما هي في المسألة الإيرانية، مع وجود «فوارق في المنظور»، بين الطرفين تجاه المسألة الأخيرة بحسب تعبير «باراك»، والتقدير هنا بشأن الحرب يخص جبهات لبنان وغزة وسورية.
أما بشأن إيران، فما يجري بحسب ساحة واشنطن هو تفاعل بين توجهين خيار الحوار وخيار الحرب، ويبدو أن خيار الحرب تغلب نسبيًا في المرحلة الراهنة، ولكنه يحتاج إلى مدى زمني كاف لإنضاج الحالة ليعالج«أوباما»، خلالها مسائل متعلقة بأفغانستان والانسحاب من العراق والأزمة المالية حتى انتخابات الكونجرس النصفية.
وبحسب مراقبين، فقد كان عام ۲۰۰۹م هو عام محاولة الحوار مع طهران، وعام ۲۰۱۰م سيكون عام الضغط، وإذا لم تنجح العقوبات في إقناع إيران وجرت محاولات الإنضاج كما ينبغي؛ فقد تكون الحرب في العام المقبل، مع أن هنالك مقاربات أمريكية خافتة تتحدث عن التعاطي مع حقيقة أن«إيران نووية»، ولا يمكن التنبؤ بمسار هذه المقاربة ومستقبلها خلال الفترة المقبلة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل