; الغرب يسعي لتقويض انتصارات المسلمين في البوسنة والهرسك | مجلة المجتمع

العنوان الغرب يسعي لتقويض انتصارات المسلمين في البوسنة والهرسك

الكاتب أسعد طه

تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994

مشاهدات 14

نشر في العدد 1125

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 15-نوفمبر-1994

  • المسلمون واجهوا بالأسلحة الخفيفة دروع الصرب القوية وهزموهم في عدة مناطق.
  • المسلمون نجحوا في إعادة تشغيل عدد كبير من مصانع السلاح التي تذخر بها البوسنة.
  • المسلمون استولوا في بيهاتش على أكبر قاعدة يوغسلافية مكتظة بالأسلحة والذخيرة.

فاجأت الانتصارات المتتالية التي حققتها القوات البوسنية في الفترة الأخيرة العالم وخاصة الفاعليات الدولية المعادية للبوسنة والتي كانت تركز كل جهودها في الفترة الأخيرة على إجهاض أي محاولة لفك حظر التسلح عن المسلمين وتجميد الأوضاع على ما هي عليه كمثال متكرر لقضايا دولية عالقة يعني فيها المعتدي ثمرات عدوانه المؤيد من قِبَل المجتمع الدولي الصامت على جرائمه وأفعاله.

وفي الجهة المقابلة فإن الشعب البوسني استقبل أنباء الانتصارات بمزيج من السعادة والأمل في الثأر من العدو الذي احتل الأرض وهتك العرض، غير أن هذه الانتصارات لم تمثل للمسلمين مفاجأة، فهي في النهاية حصيلة تراكم جهود مضنية بذلتها قيادتهم العسكرية والسياسية ويمثل الجنود البسطاء والأشداء عمودها الفقري.

 ويمكن إعادة أسباب هذا التقدم الذي أحرزه المسلمون إلى عدة عوامل منها: نجاحهم في إعادة تشغيل عدد كبير من مصانع السلاح التي تذخر بها البوسنة والتي تمثل حوالي أربعين بالمائة من مجمل مصانع السلاح في كل جمهوريات يوغسلافيا السابقة الست، وساهم مشروع الفيدرالية بين المسلمين والكروات في تسهيل تهريب شحنات من السلاح إليهم عبر الأراضي الكرواتية، وإن كانت لم تتعد السلاح الخفيف والمواد الخام اللازمة للتصنيع الحربي، وغنم المسلمون كذلك كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر خلال معاركهم مع الصرب أو الكروات على حد سواء، والانتصار الأخير الذي حققه المسلمون في منطقة بيهاتش استطاعوا خلاله السيطرة على أكبر قاعدة عسكرية في يوغسلافيا كلها كانت مكتظة بالسلاح والذخيرة. وإذا كانت هذه الأسباب قد ساهمت في إرساء البنية التحتية للجيش البوسني فإن قيادة هذا الجيش أحسنت رسم سياستها العربية التي تعتمد في المقام الأول على أسلوب حرب استنزاف طويلة الأمد لا تملك المليشيات العربية مقوماتها.

واعتمدت قيادة الجيش البوسني كذلك على استخدام عنصر المشاة الوفير لديها بمهارة في مواجهة ما تعانيه المليشيات الصربية من نقص شديد في عدد الرجال وفي تدني معنوياتهم وعمدت إلى الزج بحشودات كاذبة في مناطق متفرقة دفعت بالصرب إلى تشتيت قواهم البشرية القليلة، وفي نفس المجال فتحت القوات البوسنية النار على كل جبهات القتال في وقت واحد بما لم يدع للصرب إمكانية تركيز قواهم البشرية القليلة على محور ما، حيث يعمدون إلى الاستعاضة عن ذلك بالاعتماد على الأسلحة الثقيلة. ويمكن القول إن الخلاف الناشب بين الصرب أنفسهم يلعب دورًا أيضًا سلبيًا على قواهم العسكرية، فالوقائع البوسنية تشير إلى تفاقم الخلاف بين جهتين صربيتين: 

الأولى: يمثلها رئيس صربيا سلوبودان مليوشفتش، والذي استمال إلى جانبه راتكو ملاديتش قائد مليشيات صرب البوسنة المسلحة والمصاب من شظية قنبلة مسلحة. 

والثانية: يمثلها رادوفان کاراذیتش زعيم صرب البوسنة والمدعوم من الكنيسة الأرثوذكسية الصربية التي عقدت أسبوع تضامن في مدينة بانيالوكا المحتلة انتهى يوم السبت ١١/ ١٩٩٤م أدانت فيه الرئيس الصربي لتهاونه في دعم الجنود الصرب في البوسنة سعيًا إلى رفع كامل العقوبات الاقتصادية على بلاده.

ويمكن وصف المعارك الدائرة الآن بـ«حرب المحراث» والتي تهدف خلالها القوات البوسنية إلى قطع كل الطرق التي تسلكها قوافل الإمدادات القادمة من صربيا إلى المناطق التي يحتلها صرب البوسنة.

كما تسعى القوات البوسنية كذلك إلى فتح الطرق المؤدية إلى الجيوش المسلمة المحاصرة والمعزولة تمامًا في شرق البوسنة وهي جيبا وجوراجدي وسربيرينتسا، وكذلك ربط منطقة بيهاتش الواقعة في أقصى الشمال الغربي للبلاد والمحاصرة تمامًا بمنطقة الوسط التي تعد قلب الدولة البوسنية المحررة. 

من ناحيتها فإن المليشيات العربية لا تملك الآن إلا الدفاع عن نفسها وفي أحسن الأحوال شن هجمات معاكسة لاسترداد ما فقدته من أراضٍ احتلتها على مدى شهور الحرب الطويلة.

ولوحظ أن قيادات القوات الدولية في البوسنة بدأت الحديث عن «حدوث توازن عسكري بين المسلمين والصرب»، وهو حق أريد به باطل وهو الحيلولة دون فك حظر التسلح عن المسلمين، والواقع أن نوعًا من التوازن العسكري قد وقع بالفعل غير أن الجيش البوسني يدفع ثمنه غاليًا من أرواح جنوده الذين يواجهون بصدورهم وأسلحتهم الخفيفة الدروع الصربية وأسلحتها الثقيلة، وفي المقابل فإن المناصرين للقضية البوسنية يبدون قلقهم من احتمال أن تكون هذه الانتصارات انتصارات مؤقتة وليست علامة على تحول حقيقي في ميزان القوى، والواقع اليومي على جبهات القتال يفيد عكس ذلك، بمعنى أن تحولًا إيجابيًا لصالح المسلمين قد وقع بالفعل، غير أن ذلك لا يعني أن مؤشر الصعود المسلح سوف يستمر دون حدوث انحناء ما في وقت ما فالحرب كر وفر ووقوع نتائج سلبية في بعض المواجهات لا يعني انتكاسة وفي نفس الوقت يجب ألّا نتوقع نهاية سريعة أو قريبة للحرب. 

ويتخوف البوسنيون من جهود قد تبذل على الصعيد السياسي لوقف تقدم المسلمين عبر طرح مشاريع جديدة للسلام لإجهاض انتصاراتهم وهو احتمال قائم، غير أن الأغرب هو الشعور الذي بدأ يسود المناصرين للقضية البوسنية والتوقف عن دعمها بحكم أن نجم المسلمين بدأ في الصعود، والواقع يفيد أن حاجة البوسنيين الآن للدعم هي أكثر من أي وقت مضى، وأن سيل الدماء النازف لا يجب أن يكون وحده السبب في دعم الوجود الإسلامي في مكان ما يواجه خطر الإبادة من العدو وربما من المجتمع الدولي وأن توقف النزيف لا يعني توقف الحاجة للدعم.

الرابط المختصر :