; جهاد العلماء في البوسنة والهرسك | مجلة المجتمع

العنوان جهاد العلماء في البوسنة والهرسك

الكاتب خليل إبراهيم مهدي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992

مشاهدات 15

نشر في العدد 1022

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 27-أكتوبر-1992

للإمامة الدينية في ديننا وأمتنا مقام عظيم، والريادة في الخير والعمل هي صفة من صفات طلاب العلم والدعاة وهنا في البوسنة والهرسك انتصب العلماء والخطباء والمؤذنون والدعاة روادًا للدفاع عن الإسلام والمسلمين وإننا لنفخر بعصبة الدين هؤلاء.. إنهم تحملوا التبعات والمسؤولية في تنهيض الناس للإسلام ورفع راية الإسلام للدفاع عن الناس وإذا كان مركز المسلمين هنا في مدينة زينتسا شاهدًا على ما بذله هؤلاء الشباب والرجال من طلبة خريجي الجامعات الإسلامية في سراييفو وخريجي البلدان الإسلامية في العالم العربي فإن الجبهات ومعسكرات الاعتقال تحكي لنا قصصًا كثيرة لهؤلاء الأبطال.. لقد شكل هؤلاء الرجال تسع عشرة كتيبة لقتال على الجبهات وكانوا حقًا قدوة لأبناء بلدهم وبشكل خاص في مدينة تورجدا التي سقطت الآن بيد المسلمين.

كان للعلماء والخطباء الدور الأساسي في الهجوم وصد الأعداء وعلى جبهات كثيرة سالت دماء رجالنا العلماء والخطباء، وإذ كانت الذكرى عزيزة فإني أذكر أحد رجالنا من خريجي كلية الشريعة في القاهرة وهو مدرس وإمام وأمير لجبهة كونيتشي في الهرسك حيث تلقى كتب شكر من رئيس الجمهورية وحكومة البوسنة والهرسك على بطولاته الرائعة للانتصارات التي سطرها مع إخوانه على الجبهة.

وقد يحزن قلبي أن أستثير عطفي وحزني أمامكم على أخي الإمام مصطفى موركانوفيتش وهو من مدينة زهورنيك وذلك لصبره وثباته حتى نال الشهادة، حيث قامت زمرة الصرب المجرمين بجمع المصلين في مسجده الذي هو إمامه وفتحوا فيه وأفرغوا الخمر فيه إمعانًا وإذلالًا، وذلك بعد أن رفض ذلك طواعية، وبعدها بدأوا بضربه وطلبوا منه أن يصلب نفسه أي (يرسم الصليب) ورفض حيث طلبوا منه أن يرفع أصابعه الثلاثة وهي العلامة المميزة للانتماء للصرب إلا أنه رفع بدلها شارة النصر، وأمام الناس قاموا بذبحه من الرقبة إلى الرقبة.

أما أخي إمام جامع براتوناشي فإن الصرب ذبحوا ابنه أمام المصلين وأجبروه أن يشرب دم ابنه، وفي كوزر بالقرب من مدينة بريدور أجبروا الإمام حامد سوفيتش بأن يأكل كل جبن فاسد فأفرغ معدته فضربوه وقطعوا رجله وأمروه بالصلاة وبعد ذلك كذبوه وذبحوه من الأذن إلى الأذن وقاموا بقتل زوجته وقد تبقى لها خمسة عشر يومًا عند ولادتها ودمروا بيته بالدبابات.

هذا الثبات على الدين رغم العذاب هو سمت هؤلاء الرجال، وفي معتقل صربي بالقرب من مدينة باينالوكا هناك اثنان وعشرون إمامًا معتقلًا، أخص بالذكر منهم البطل الشاب حسن ماكجلي وهو خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام ۱۹۸۲ وهو الأول على دفعته، وقد لاقى حسن هذا أبشع صنوف التعذيب وكان لمحبة إخوانه وخوفهم عليه يقومون بالارتماء عليه وتغطيته حتى لا يضربه الصربيون، وكان الصرب ينقشون على صدره علامة الصليب، وهو أول إمام يعتقل هو وزوجته من مدينة بريدور وبنته أيضًا اعتقلت في معتقل آخر.

أما بطولات هؤلاء الرجال فهي كثيرة ففي أحد المعارك على جبهة كراداجاتشي قام إمام مقاتل بالتصدي لدبابة وهجم عليها ووضع داخلها قنبلة أدت إلى انفجارها.

وقبل أيام قام إمام آخر بمهاجمة موقع صربي بسلاح (زويكا) ووضعها على كتفه واتجه تجاه المدفع الرشاش وهو يكبر (الله أكبر، الله أكبر) ولم يهمه ما يطلقه المدفع ودمر الموقع ورجع لإخوانه المقاتلين وهو يحمد الله.

لقد كان رجالنا العلماء والأئمة قدوة ومثالًا رائعًا من الجهاد والتضحية والثبات، إن عددًا كبيرًا منهم استشهد فهو عند الله كريم وآخرين معتقلين في معسكرات الاعتقال وهؤلاء يهيبون بالعالم الإسلامي أن يحرك لجانه الإنسانية لاستنقاذهم هم وأبناء شعبنا لقد علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الرائد لا يكذب أهله[1].

______________________

[1] ورد في الأصل خطأ: الرائد لصيرق أهله.

الرابط المختصر :