; البوسنة بين تواطؤ الأعداء وعجز الأصدقاء | مجلة المجتمع

العنوان البوسنة بين تواطؤ الأعداء وعجز الأصدقاء

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1993

مشاهدات 11

نشر في العدد 1038

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 16-فبراير-1993

الافتتاحية

رغم أننا أشرنا مرارًا على صفحات «المجتمع»، منذ بداية الحرب في البوسنة، بأن جميع الغربيين قد التقوا على هدف واحد هو إبادة المسلمين في البوسنة والهرسك إلا أن بعض الواهمين ظلوا تارة متعلقين ببطرس غالي والأمم المتحدة، وتارة أخرى متعلقين بفانس وأوين والمجموعة الأوروبية، وتارة ثالثة بالرئيس الأمريكي الجديد وما سوف يقوم به حينما يعتلي منصبه في البيت الأبيض.

والان قد بدا واضحًا لكل ذي عقل وبصيرة بأن ما أعده فانس وأوين طوال خمسة أشهر لم يكن سوى ما عرض على المسلمين من البداية فرفضوه فالخريطة التي يسعون الآن لفرضها عبر مجلس الأمن بعدما فشلوا في فرضها على المسلمين في جنيف، ليست سوى إقرار بكل الجرائم التي ارتكبها الصرب في حق المسلمين، ومكافأة لهم على جرائمهم، كما أنها تدعيم لأحلام صربيا الكبرى التي يسعون لإقامتها، وخطوة في طريق تكوينها، كما أنها مرحلة من مراحل إبادة المسلمين بعد وضعهم بين فكي الصرب والكروات، في مساحة محدودة ومحاصرة من أرض البوسنة والهرسك مع تمييع وضع العاصمة سيراييفو ولنا أن نتصور حجم الإجحاف الذي لحق بالمسلمين إذا تصورنا النسب التالية، فمع أن المسلمين حسب آخر الإحصاءات التي نشرت قبل بداية الحرب يمثلون اثنين وخمسين في المائة من عدد السكان، إلا أن المساحة التي أعطيت لهم من الأرض حسب خريطة فانس وأوين لا تتعدى عشرين في المائة من مساحة البوسنة والهرسك، ومع أن الصرب لا يمثلون حسب هذه الإحصائية أكثر من ثلاثين في المائة من عدد السكان، إلا أن فانس وأوين منحاهم ما يقرب من خمسة وأربعين في المائة من مساحة البوسنة والهرسك ومنحت النسبة الباقية للكروات، وفيما تمثل الخريطة تمزيقًا للمسلمين وتدعيمًا لكل من الصرب والكروات فإنها تحوي كذلك إجحافًا في حق المسلمين في الاستفادة من ثروات البوسنة الطبيعية والصناعية ومقومات السيادة الأخرى، ومع حصول الصرب على نصيب الأسد من الأرض فقد حصلوا معها على ثروات طبيعية هائلة من التي تتمتع بها أرض البوسنة واقتسموا مع الكروات الغنائم الاقتصادية التي تتمثل في مصانع الحديد والصلب والكيماويات ومناجم الفحم والحديد ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، فيما منح المسلمون أفقر المناطق! ورغم القتال الدائر بين الصرب والكروات في بعض المناطق فإن الحديث يتزايد عن صفقة سرية أبرمت بين الطرفين ويجري تنفيذها تهدف في النهاية إلى حرمان المسلمين من كل مقومات السيادة، وتضييق الخناق عليهم وعدم منحهم أي فرصة للسيطرة، سواء كانت اقتصادية أم سياسية وقد أدرك المسلمون أبعاد هذه اللعبة فأعلنوا رفضهم لخطة فانس وأوين وتعديلاتها وطالب الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش الرئيس الأمريكي بيل كلينتون برفض خطة الوسيطين الدوليين فانس وأوين واصفًا إياها بأنها إقرار لسياسة التطهير العرقي أما كلينتون فقد تغيرت نبرة تصريحاته النارية التي أطلقها في حملته الانتخابية لصالح مسلمي البوسنة وطرح هو الآخر خطة بديلة لخطة فانس وأوين يمنح بها الصرب مكافأة أخرى وفرصة من الوقت لزيادة القتل والتنكيل بالمسلمين، وإحكام قبضتهم على مزيد من الأرض وأصبح واضحًا أن أمريكا تراعي روسيا التي تدعم الصرب وتقف بجوارهم بقوة، انطلاقًا من كونهم امتدادًا للأصل السلافي والكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها الروس والصرب، وقد أعلن الروس أنهم سيستخدمون حق الفيتو في مجلس الأمن إذا عرض أي قرار يدعو لاتخاذ خطوات عسكرية ضد الصرب وهذا ما يجعل الصرب يقومون بمجازرهم وجرائمهم دون اعتبار لأحد، مدركين أن اللعبة الروسية الأوروبية الأمريكية تصب في النهاية لصالحهم ضد المسلمين.

أما الحكومات الإسلامية فرغم توصياتها الست والعشرين التي أصدرها وزراء خارجيتها في مؤتمرهم الذي عقدوه في جدة في بداية ديسمبر الماضي وتوعدوا في هذه التوصيات بالويل والثبور وعظائم الأمور لمجرمي الصرب ومنحوهم مهلة تنتهي في منصف يناير الماضي كموعد نهائي لهم وإلا هدموا صربيا والبوسنة فوق رؤوسهم . فقد مرّ الخامس عشر من يناير دون أن يتحرك أحد بل إن الخامس عشر من فبراير قد جاء دون أن يتخطى الأمر بعض الشجب والإدانة التي تعودنا على سماعها من آن لآخر منذ بداية الأزمة، فيما تستمر نداءات مسلمي البوسنة إلى إخوانهم دون جدوى وأصبحوا الآن في وضع لا يحسدون عليه بعد ما تآمر عليهم الأوغاد، وخذلهم الأصحاب إلا أنهم مع ذلك لم يملوا النداء ولازال عندهم أمل فقد وجه الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش نداء إلى الدول الإسلامية في الثامن من فبراير الجاري دعاهم فيه إلى كسر حظر السلاح المفروض على بلاده، وحذر من مأساة فلسطين جديدة في أوروبا وقال بيجوفيتش في ندائه الذي وجهه إلى الحكومات الإسلامية عبر صحيفة «الأهرام» القاهرية في الأسبوع الماضي: «إن الغرب قد سمح بإبادة شعب أوروبي لأنه «شعب مسلم»، ودعا بيجوفيتش الدول الإسلامية إلى عدم احترام حظر إرسال الأسلحة إلى البوسنة وأن تقوم بإرسال السلاح لمسلمي البوسنة للدفاع عن أنفسهم وإعلان ذلك على الجميع. 

فهل يجد نداء بيجوفيتش هذه المرة استجابة من الدول الإسلامية أم سيذهب كما ذهب غيره أدراج الرياح؟

الرابط المختصر :