; المرأة المسلمة الداعية | مجلة المجتمع

العنوان المرأة المسلمة الداعية

الكاتب محمد حسن بريغش

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1976

مشاهدات 14

نشر في العدد 322

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 26-أكتوبر-1976

إن مرحلة الزواج مهمة، إذ تشكل منعطفًا خطيرًا في حياة الفتى والفتاة وكثيرًا ما كانت هذه المرحلة نقطة الانحراف أو الاعتكاف، أو مرحلة الانطلاق والاستقامة، ومع هذا فإن أمر الزواج لم يعط الاهتمام الكافي، ولم ينظر إليه بالمنظار الإسلامي الصحيح. 

وأمر الفتاة هنا يختلف عن المرحلة السابقة، إذ تجد نفسها بعد حين مرتبطة بشريك لها، يقاسمها الهموم والآمال، ويتصرف بشؤونها أحيانًا تصرف السيد المطاع وهي مضطرة لأن تصوغ حياتها- رضيت أو كرهت- بشكل يتناسب مع شريكها الجديد.

وهي أيضًا تكون قد بلغت سنًا يقربها من النضج والوعي، ويضعها أمام مسؤوليات جديدة لم تمارسها من قبل، وتدنو رويدًا رويدًا من الاستقرار والطمأنينة، ومن الصعب أن تتحول الفتاة بعد الزواج، من واحدة تستهلكها الاهتمامات الدنيوية وتستهويها المظاهر الخادعة إلى امرأة واعية داعية إلى الله، يستغرقها التفكير بالإسلام وتربية أبنائها تربية إسلامية.

وهذا ما يدعونا إلى الحذر والانتباه عند اختيار الزوجة الكفء، التي تملك المؤهلات للعطاء المطلوب، فالرجل المسلم الذي يرنو  إلى تكوين بيت مسلم- عليه أن يتحرى الدقة في البحث عن المرأة المسلمة الواعية، مفضلًا ميزات الإيمان والتقوى والوعي والطاعة والالتزام بالإسلام على كل الميزات الأخرى.

 وليس مهمًا أن تحوز المرأة على الشهادات العالية، بل يكفيها أحيانًا أن تكون ملمة بقدر من العلم، قادرة على القراءة والفهم، واعية على أهمية الدراسة والمدارسة والاطلاع. 

أما إذا بحث المسلم عن زوجته المنتظرة بعيون الجاهلين، وحسب أذواق المدنية المعاصرة، فإنه بهذا يرتكب جريمتين. 

  • أولاهما: أنه لم يساهم في بناء بيت إسلامي.
  • وثانيهما: أنه ساهم في أزمة الفتاة المسلمة التي تشعر بالإجحاف والتنكر لها، ويحرمها من التكريم الذي تستحقه حين صمدت لأعاصير الإغراءات وتمسكت بدينها رغم الفتن.

ومن المؤسف أن نرى الأخطاء تتكرر كل يوم لدى شباب الإسلام، حيث نشهد كثيرًا منهم ينتقون زوجاتهم من الوسط الذي يؤثر التظاهر الخادع والتبرج المغري. 

ولن تكون نتيجة هذا الاختيار إلا تحطيم الرجل ذاته، واستهلاكه في الحياة الجديدة الممتعة إذا كانت الفتاة لعوبًا تستطيع فتنة الزوج وجلبه، أو يقع الرجل في أزمة التناقض بين ما كان يحلم وما رأى حين يصحو فيجد أن زوجته ليست إلا واحدة من هذه المدنية. تطلب وتحلم وتريد ما لا يرضى الله عنه. فتشغله بالقلق، وتستهلك وقته بالندم والهم والخلاف.

 لهذا فكل ادعاء يدعيه الشباب الباحث عن زوجة في وسط جاهلي مرفوض سلفًا. إنه لن يستطيع إصلاح زوجه. بل ليس من المهم أن يفعل ذلك الآن، لأن في هذا مخاطرة لا يعرف أبعادها، واحتمالات فشله وانحرافه تساوي احتمالات إصلاحها ولهذا لا ضرورة لهذه المخاطرة سلفًا.

وإذا كانت للشباب شروطهم في اختيار الزوجة- فإن هذه الشروط ينبغي أن تخضع للمقاييس الإسلامية ويجب أن ترتب حسب الأولويات المهمة. 

أما حين نجد الشروط ترتب ترتيبًا معكوسًا فتبدأ بشروط الجمال والدعابة والعصرية والتعلم تم الخلق والتدين.. فإن الأمر يصبح هزلًا.

أما حين تكون الشروط التي ينبغي توفرها بهذا الترتيب مثلًا من حيث الأهمية: المسلمة، المثقفة، الواعية الخلوقة. ثم تأتي شروط الشكل والجمال، فحينها تبين هذه الشروط عن منحى نفسي قويم عند الشاب المسلم، لأن هذا الترتيب يقتضي تحقيق الشروط الأولى كضرورة لازمة، ويمكن التنازل عن بعض الشروط الأخيرة إن لم يتوفر منها إلا قدر معين.

ومن المحزن حقًا أن نرى كثيرًا من الشباب ينحرفون بعد زواجهم- أيضًا- نتيجة لاختيارهم الخاطئ، لا سيما حين يتبع بعضهم وسائل الجاهلية في البحث عن الزوجة، ويغرقون في المظاهر والزينة والاهتمام بالمادة ثم يخرجون عن دائرة الالتزام بإسلامهم رويدًا رويدًا.

وإن توفر صفات الإيمان والوعي عند الزوجة يعين الزوج ويوفر له المناخ الصحي لحياة هانئة وبيت إسلامي، ويمنحه قدرة على تحمل أعباء الحياة لأن شريكته ستتحمل معه هذه الأعباء وتشد من أزره.

 وأمثلتنا من التاريخ الإسلامي كثيرة لمن شاء أن يدرس ويتعظ ويقتدى. 

والفتاة المسلمة مسؤولة أيضًا في هذا، وإن كانت المسؤولية الكبرى تقع على الشباب، فهي جديرة بأن تكون واعية تقف الموقف الصحيح في قبولها ورفضها لشريكها وزوجها.

 يجب ألا تترك الأمر بيد الوالدين والإخوة كيفيا يريدون، ولو أخطأوا يرفضون ويقبلون من يتفق أو يختلف مع أذواقهم وعاداتهم، ويناسب موازينهم إن أصابت أو أخطأت.

لا. إنها جديرة بأن تشعرهم بأن مصيرها بيدها، تقبل طاعتهم إن كانت في رضاء الله، وترفض ذلك إن كان في معصيته. أي إنها تشعرهم بأن زواجها لن تخضعه إلى مقاييس العصر، وأنها تقبل المسلم الخلوق المناسب لها مهما كانت أوضاعه وتضرب بالتقاليد المتحجرة عرض الحائط.

أما بعد الزواج. فهناك مرحلة جديدة. ومحاذير جديدة: لأنه مهما كان التزام الزوجة بإسلامها فإنها لا تخرج عن كونها امرأة، تشغلها الزينة. وتفتنها المظاهر، ولذا فإن كان التزام الزوجة بإسلامها. فإن مطالب الحياة الزوجية ومشاغلها سوف تأخذ حيزًا كبيرًا من حياتها، وربما يهددها بالاستغراق الكامل في الأمور اليومية، والشؤون الزوجية.

وعلى الرجل أن يتعهد الزوجة بالرعاية المستمرة التي تحيي روح الإسلام الصحيح عندها بالمدارسة والسلوك. حتى تدفعها للعمل والاطلاع والدعوة. 

وقليل من كلمات التوجيه والتشجيع من الزوج تؤدي أحيانًا لإذكاء روح الحماس في قلب الزوجة المؤمنة فتندفع للعطاء، وتهتم بإسلامها. فكيف إذا أعطاها الرجل شيئًا من وقته يدارسها في الأمور الإسلامية: في القرآن والحديث والسيرة، في أوضاع المسلمين. في الثقافة.. إلخ مما يجده مناسبًا وملائمًا لها. إنه ولا شك سوف يضعها في طريق البناء الصحيح للأسرة الإسلامية الواعية، والرجل مسؤول أيضًا عن إعطاء الصورة الصحيحة عن الزوج المسلم. في خلقه وتصرفه وتعامله مع الناس ومع زوجه حتى يغدو لها مثلًا وقدوة، يقبل منها النقد ويناقشها الخطأ. ويترفق في التوجيه والوعظ. 

ثم لا بد له من أن يضعها بعد ذلك أمام مسؤوليتها في الحياة وذلك بإلزامها ببرنامج محدد يزيد من ثقافتها واطلاعها. وينمى وعيها، ويفتح أمامها سبل الدعوة والتربية والالتزام بالإسلام عقيدة وعملًا. 

وهذا المنهج إذا ما كان مناسبًا فسيعطي ثمراته، لأنها ستجد فيه حياتها الحقيقية وآمالها، وستجد الصورة الإسلامية في بيتها ذاته، لذلك تعمل على توسیع دائرة اهتمامها، والتأثير على الأخريات فضلًا عن اهتمامها ببيتها وأطفالها. 

إن الواقع يفرض علينا ذلك. وكلما كنا واعين لما حولنا ولمتطلبات واقعنا، نجحنا في اختيار المنهج المناسب.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل