; فلسفة المكتبات في الإسلام | مجلة المجتمع

العنوان فلسفة المكتبات في الإسلام

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992

مشاهدات 24

نشر في العدد 1022

نشر في الصفحة 54

الثلاثاء 27-أكتوبر-1992

بقلم د. عبد الرحمن العمراني - الرياض

تعتبر المكتبات الإسلامية من أهم المؤسسات الثقافية التي يفخر بها الإسلام، والتي كان لها دور كبير في المعرفة والعلم والثقافة بين المجتمعات البشرية في مختلف أنحاء المعمورة وتتسم المكتبات الإسلامية بطابع فريد يستحق الدراسة للتعرف على حضارتنا العربية والإسلامية وسنحاول التعرف على فلسفة المكتبات في الإسلام من خلال هذا الحديث القصير.

فلسفة المكتبات في الإسلام هي في الأساس ترتكز على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والإسلام كدستور سماوي حث على تحصيل العلم وبيان فضله ومكانة العلماء ومنزلتهم عند المولى -عز وجل- وبالرجوع إلى كتاب الله وسنه رسوله سنطلع على الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتكلم عن العلم والتعليم وأهمية الكتاب والمكتبة والقرآن في حياة الإنسان. قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق:1-5) وفي منزلة العلماء قال تعالى: ﴿‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة:11)، وقال تعالى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف:76)  وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاثًا على طلب العلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين». ويروى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في مسند الإمام أحمد بن حنبل: «إن طلب العلم فريضة على كل مسلم» ولا مجال لنا هنا لحصر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت حول هذا الموضوع حيث إن فهارس القرآن الكريم وكتب الأحاديث الصحيحة كالبخاري ومسلم وغيرهم غنية بالتعاليم الإسلامية التي تحث الناس على طلب العلم وبيان فضله والعلماء ومنزلتهم بين المسلمين فالشريعة الإسلامية قد حرصت على التعليم والعلم والمعرفة.

أما كيف كان شكل هذا التعليم وما مصادره وطرقه فهذا ما سنحاول الحديث حوله بإذن الله، وقد ثبت لنا أن الدراسات العلمية تدل على أن العرب قبل الإسلام كانوا يعرفون الكتابة، وكانوا يؤرخون أهم أحداثهم على الحجارة، وكانت الكتاتيب في الجاهلية وكان فيها معلمون والكتابة في صدر الإسلام كانت منتشرة أكثر مما كانت عليه في الجاهلية وقد اقتضت طبيعة الرسالة أن يزداد عدد المتعلمين والقارئين والكاتبين فالوحي يحتاج إلى كتاب وأمور الدولة الإسلامية من مراسلات وعهود ومواثيق تحتاج إلى قارئين فكان للرسول -صلى الله عليه وسلم- كتاب للوحي بلغ عددهم كما جاء في كتب التاريخ أربعين كاتبًا، وكان له أيضًا كتاب للصدقة وكتاب المعاملات وكتاب للرسائل يكتبون بمختلف اللغات وكان لانتشار الكتابة أثر كبير في تدوين العلم وحفظه، وأول ما دون في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما كان ينزل به الوحي من القرآن الكريم والوثائق والمعاهدات والكتب إلى الولاة وغير ذلك مما تحتاج إليه الدولة، كما تم تدوين جانب من الحديث النبوي في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على يد بعض الصحابة الذين سمح لهم بكتابته مثل: عبدالله بن عمرو بن العاص ثم ما لبث أن ارتكز أهل العلم على تدوين كل ما كان له صلة بعلوم الشريعة الإسلامية.

وقال ابن خلدون: «طما بحر العمران والحضارة في الدولة الإسلامية في كل قطر وعظم الملك وانتسخت الكتب وأجيد كتبها وتجليدها وملئت بها القصور والخزائن الملوكية».

ومع هذه الثروة العلمية التي تستند إلى فلسفة تربوية أساسها القرآن الكريم والسنة النبوية كانت الانطلاقة الكبرى للحضارة الإنسانية التي انتقل أثرها إلى جميع الأمم والشعوب عبر هذه الكتب التي عبر عنها أحد الباحثين أنها جامعات كل العصور وقد أكدت لنا الدراسات أن هذه المكتبات التي أولاها الإسلام عناية فائقة والتي انبثق فجرها في صدر الإسلام كانت هي المرتكز الأساسي لنقل البشرية من عصر الجهل والأمية والتخلف إلى عصر العلم والتعليم والمعرفة والثقافة.

وثبت لنا من خلال الدراسة والتحليل أن الإنسان لم يبدأ رحلته مع الكتاب والمكتبة وإعداد المجموعات وحفظ المعلومات بالمعنى المتعارف عليه اليوم إلا جاء الإسلام وحث الناس على العلم والتعليم وجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة فمن هنا بدأت الرحلة الحقيقية بين الإنسان والكتاب والعلم والمكتبة وبدأ هذا المشوار الطويل بنزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

وكان أمر الله لرسوله بالقراءة في أول آية نزلت من القرآن الكريم حيث قال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (العلق:1).. هذا الأمر يبين لنا عظمة العلم وأهمية القراءة عند الإنسان وبدأ الإنسان منذ ذلك الوقت يركز كل اهتماماته في مختلف ضروب المعرفة وأصبح يقرأ ويكتب ويجمع ويسجل حتى يومنا هذا وبالرغم من التطور الذي وصل إليه الإنسان في مجال المكتبات وتنظيم المجموعات وحفظ المعلومات إلا أنه مازال يعتبر في بداية الطريق ولم يوف المكتبة الإسلامية حقها نسبة للدور الهام الذي قامت به في حضارة الأمم والشعوب وباعتبارها هي الركيزة الأساسية في بناء البشرية علميًا وحضاريًا واللبنة الأولي للعلم والمعرفة للإنسانية في جميع أنحاء المعمورة.

__________

المراجع:

(1) المرجع في الحضارة العربية الإسلامية -الدكتور إبراهيم سلمان الكروي - الدكتور عبد التواب شرف الدين - ذات السلاسل - ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤م.

(2) المكتبات في الإسلام نشأتها وتطورها. الدكتور محمد ماهر حمادة. مؤسسة الرسالة الطبعة الخامسة - ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧م.

(3) لمحات من تاريخ الكتاب والمكتبات - الدكتور عبداللطيف العوضي - دار طلاس الطباعة النشر دمشق - ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧م الطبعة الأولى.

4- المكتبات في العالم تاريخها وتطورها- الدكتور محمد ماهر حمادة - دار العلوم للطباعة والنشر ١٤٠١ هـ - ١٩٨١م – الرياض.

الرابط المختصر :