; الحلقة الثالثة والثلاثون إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة: الإمام محمد بن عبد الوهاب يحدد الأهداف ويقيم الأسس | مجلة المجتمع

العنوان الحلقة الثالثة والثلاثون إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة: الإمام محمد بن عبد الوهاب يحدد الأهداف ويقيم الأسس

الكاتب أ.د. عجيل جاسم النشمي

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980

مشاهدات 37

نشر في العدد 494

نشر في الصفحة 45

الثلاثاء 26-أغسطس-1980

  • يرى الإمام أن داء الخلافة والمسلمين في انحرافهم عن العقيدة الصحيحة.
  • أسَّس الإمام دعوته على التوحيد والعمل والجهاد.

كان الإمام محمد بن عبد الوهاب يرى أن ضعف وفساد الخلافة الإسلامية من ضعف وفساد عقيدتها وانحرافها، هذا الفساد الذي أقعد الأمة الإسلامية عن الحركة الجهادية ومواجهة الكفار من الصليبيين وأعوانهم، وجعل همهم أنفسهم وتكريس ضلالهم وانحرافهم في واقع سيئ يعكس تلك العقيدة المنحرفة والمتمثلة في التبرك بالقبور والتوسل بالموتى، وتغلغل الشرك وسريانه في نفوس وواقع المجتمع الإسلامي كله، سواء في الجزيرة أو خارجها من الديار التي زارها الشيخ أو سمع عمَّا بها، ويكفي دليلًا على هذا الانحراف أن يتمركز في الأرض المقدسة في مكة والمدينة منشأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومبدأ دعوته وقاعدتها.

وكيف تقوى الأمة وتنهض ما دام مصدر قوتها مفقودًا وهو العقيدة السليمة، وكيف تستعيض دولة الخلافة الإسلامية أو الرجل المريض في الأستانة قوته وصحته وداؤه في عقيدته، ما لم تصحح هذه العقيدة وتُنقى من الشوائب وتُصفى مما علق بها.

ومن هنا كان لا بُد من تخطيط وتحديد الهدف وفق هذا التصور، فتحدد هدفها من هذا… في تصحيح عقيدة المسلمين وممارسة الشرك وإعادة التصور العقدي السليم ومن ثم الواقع الإسلامي السليم، ووقتئذٍ تعود لدولة الخلافة الإسلامية هيبتها ويستعيد الرجل المريض قوته وصحته، لتترجم بعد ذلك هداية ودعوة وجهادًا في سبيل الله تعالى.

أما عن أصول وأسس حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فكانت أصولًا نابعة من الهدف الذي يرى الوصول إليه ونستطيع تلخيصها في الآتي:

التوحيد والعلم به والعمل بمقتضاه، والدعوة والجهاد والصبر على الأذى بينهما. 

فقد جعل الشيخ محور دعوته وصلبها بيان معنى التوحيد، وهو ركن الإسلام الرئيس، وهو الإسلام كله، وهو السبيل إلى إعادة الناس إلى صفاء العقيدة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.

وحصر الشيخ جهده في بيان هذا المعنى الكبير للإسلام، أو لبيان الإسلام ذاته سواء فيما كتب أو فيما قام به من خطوات ووسائل لنشر هذا المعنى. 

ولقد اعتمد في هذا البيان على الآيات القرآنية الصريحة وعلى فهم السلف الصالح لها، مستعينًا إلى حد كبير على فهم الشيخ المجاهد الإمام محمد بن تيمية وابن القيم ومدرستهما. 

واعتمد أيضًا على النقل الصحيح من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم. 

ولذا جاء مصنفه المسمى «كتاب التوحيد» غاية في الوضوح في بيان معنى التوحيد، فبنى كتابه على مقدمة تنتظم آيات خمس، وحديث معاذ بن جبل. أما الآيات فقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات: الآية: 56).

 وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ﴾ (سورة النحل: الآية: 36).

 وقوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (سورة الإسراء: الآية: 23) «۳».

وقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ﴾ (سورة النساء: الآية: 36).

وقوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (سورة الأنعام: الآية: 151) إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة الأنعام: الآية: 152).

 وأما حديث معاذ -رضي الله عنه- فقوله: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدونه ولا يشركون به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا. قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس به؟ قال: لا تبشرهم فيتكلون».  (أخرجه البخاري في باب اللباس، ومسلم).

إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة

ثم يبدأ الشيخ -كطريقته وطريقة الأقدمين من علماء الأمة- باستخراج المسائل والمقاصد من الآيات والحديث حتى بلغت أربع وعشرين مسألة.

ولا نريد الاستطراد هنا -في الجانب النظري- بأكثر مما يقتضيه المقام، ويكفينا ابن عبد الوهاب مؤنة الاستقصاء، فيحدد أصول وأسس دعوته التي ذكرنا بشكل واضح مع ذكر الاستنباط والدليل في رسالة سماها «ثلاثة أصول» قال فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:
الأولى: العلم.
وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
الثانية: العمل به.
الثالثة: الدعوة إليه.
الرابعة: الصبر على الأذى فيه.

والدليل قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر: الآية: 1-3).

قال الشافعي رحمه الله تعالى: «لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم».

وقال البخاري رحمه الله تعالى: «باب العلم قبل القول والعمل».

والدليل قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ (سورة محمد: الآية: ۱۹).

فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. 

اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث والعمل بها. 

الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملًا، بل أرسل إلينا رسولًا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار. 

والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا «15» فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ «16» (سورة المزمل: الآية: ١٥)

الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

والدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ (سورة الجن: الآية: ١٨).

الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب.

والدليل قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾  (سورة المجادلة: الآية: 22).

اعلم أرشدك الله لطاعته، أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين. 

وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات: الآية: ٥٦).

ومعنى يعبدون: يوحدون، وأعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة. وأعظم ما نهى عنه الشرك، وهو دعوة غيره معه.

والدليل قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ﴾ (سورة النساء: الآية: ٣٦).

فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟

فقل: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم. فإذا قيل لك: من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العاملين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه. 

والدليل قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (سورة الفاتحة: الآية: 1) وكل ما سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم. فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته، ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار، والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهما.

والدليل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (سورة فصلت: الآية: ٣٧).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ﴾ (سورة الأعراف: الآية: ٥٤).

والرب هو المعبود.

«الأصل الثاني»: معرفة دين الاسلام بالأدلة، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد لله بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب:

الإسلام والإيمان والإحسان وكل مرتبة لها أركان، فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.

ثم يستدل على كل ركن من الكتاب والسنة.

«الأصل الثالث»: معرفة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبيًّا رسولًا.

جيء «باقرأ»، وأُرسِل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد، والدليل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)﴾ (سورة المدثر: الآية: ١-٧). ومعنى «قم فأنذر»: ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد، و«ربك فكبر» أي: عظِّمه بالتوحيد، و«ثيابك فطهر» أي: طهر أعمالك عن الشرك والرجز فاهجر الرجز بالأصنام، وهجرها تركها والبراءة منها وأهلها.

أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أُمر بالهجرة إلى المدينة.

والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.

والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (سورة النساء: الآية: ٩٧-٩٩).
وقوله تعالى: ﴿یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ أَرۡضِی وَ ٰ⁠سِعَةࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱعۡبُدُونِ﴾ (سورة العنكبوت آية: ٥٦).

قال البغوي رحمه الله تعالى: سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان، والدليل على الهجرة من السُنة قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».

فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وغير ذلك من شرائع الإسلام. أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه ودينه باقٍ، وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دل عليه: التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه، والشر الذي حذر منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه، بعثه الله إلى الناس كافة وافترض الله طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس. أمة بعث الله إليها رسولًا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت.

والدليل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِی كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلطَّـٰغُوتَۖ﴾ (سورة النحل: الآية: ٣٦).

وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئًا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله.

ومع هذا البيان الجلي الواضح لأسس دعوته وأصولها، فإنه لم يكتفِ بذلك، بل بيَّن القواعد التي يتحرك على ضوئها، وهي القواعد التي تعكس لنا تصور الإمام محمد بن عبد الوهاب للناس في عصره ولمجتمعه وتركيبته سواء في العادات والتقاليد المنحرفة أو في فساد الولاة والسلطة. 

وهذا ما نلقي عليه الضوء في المقالة اللاحقة بعون الله.

من ملامح حركة الإمام

فنقول إذًا إن الخلاف أمر ضروري لا بُد منه، «وليس العيب في الخلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم» «۳۲».

- الحب يسع المتخالدين:

من هذه النظرة السليمة للفقه الإسلامي المستمدة من الفقه الحركي، جاء الأصل الثامن من الأصول العشرين التي وضعها الإمام البنا لدعوته- يحدد فيه قضية الخلاف الفقهي وطرق علاجها فيقول:\

«الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره».

لقد صدق والله، كيف يكون خلاف في فرع يؤدي إلى شحناء وكراهية مع الاتفاق في الأصول؟ وكيف يؤدي لدى بعضهم إلى المفاصلة والكره؟ علمًا بأن «المفاصلة في الإسلام لا يجوز أن تكون على أساس الفروع الفقهية، ولكن على أساس الأصول العقيدية». «۳۳».

وليس معنى هذا الحجر على العقول ومنعها من البحوث العلمية، كلا فإنه «لا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراد المذموم والتعصب».

وهذا هو طريق الأخوَّة، بحث الخلفيات والأمور العلمية تحت غطاء من المحبة والأخوة.

وبعد:

فهذه هي دعوة الإمام البنا، هادئة ولكنها أقوى من الزوابع العاصفة، متواضعة ولكنها أعز من الشم الرواسي، محدودة ولكنها أوسع من حدود هذه الأقطار الأرضية جميعًا، خالية من المظاهر الزائفة والبهرجة الكاذبة، ولكنها محفوفة بجلال الحق وروعة الوحي ورعاية الله.

مجردة من المطامع والأهواء والغايات الشخصية والمنافع الفردية، ولكنها تورث المؤمنين بها والصادقين في العمل لها «السيادة في الدنيا والجنة في الآخرة».
وبها الهداية والرشاد والحكمة والسداد، إنها حقًّا نشوة البذل ولذة الجهاد، إنها الكتيبة الخرساء التي لن تضرها فتنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الهوامش

(۱۸) المؤتمر الخامس.
(۱۹) مجلة الدعوة/ ٦٧ نقلًا من المنطلق/ ٢٤٧.
(۲۰) المؤتمر الخامس.
(۲۱) الظلال/ مقدمة الأنفال وفصل الجهاد في المعالم.
. راجع الأحياء ٥٢/١ وفتح الباري ١٦٣/١ «الطبعة السلفية».
(۲۲) تاريخ الخلفاء/ ٢٤٠.
(٢٣) المنطلق/ ٢٤٧.
(٢٤) الظلال ٩٣/٣.
(٢٥) المؤتمر الخامس.
(٢٦، ۲٧) المؤتمر الخامس.
(۲۹) المؤتمر الخامس.
(٣٠) الرسائل/ ٢٥٢.
(۳۱)، (۳۲) الرسائل/ ٢٥٢.
(۳۳) المدخل إلى دعوة الإخوان.

الرابط المختصر :