; كيف يرى المسلمون الغرب؟.. وماذا يخشى الغرب من الإسلام؟ | مجلة المجتمع

العنوان كيف يرى المسلمون الغرب؟.. وماذا يخشى الغرب من الإسلام؟

الكاتب أ.د. زغلول النجار

تاريخ النشر الثلاثاء 02-يونيو-1998

مشاهدات 15

نشر في العدد 1302

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 02-يونيو-1998

  • صورة الغرب تاريخيا ونفسيا عند المسلمين
  • الغرب يرى في الإسلام خروجا على مسيحيته وهو ما يمكن أن يؤدي إلى شيء من الصدام الحضاري 
  • دعوة صريحة لوقف تيار هجرة المسلمين إلى الغرب بدعوى صعوبة انصهارهم في بوتقة الحضارة الغربية ،،

 

في العدد الماضي تناول الدكتور زغلول النجار بالتحليل ما جاء في بعض كتابات الغربيين الحديثة الطاعنة في الإسلام، والداعية لصدام عاجل مع المسلمين، وقد ركز الدكتور النجار تحليله على الفصل الأول من كتاب "الإسلاك والغرب" لجراهام فوللر، وإيان ليسر.. وفي هذا العدد يستكمل د. النجار حديثه:

في الفصل الثاني استعرض الكاتبان "تصورات الغرب التاريخية عن الإسلام وتراثه السياسي على واقع الأرض باعتبار أن الغرب قد واجه الإسلام منذ ظهور دعوته، وأن الإسلام قد جسد المشكلة الاستراتيجية للأوروبيين على مدى ألف عام من الزمن تقريبا، وظلت هذه المواجهة الإسلامية الأوروبية ممتدة في المكان من إسبانيا والبرتغال إلى روسيا، وفي الزمان بين القرن السابع الميلادي وأوائل القرن العشرين.

ويذكر الكاتبان أنه على الرغم من أن علاقة الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي لم تبدأ بصورة جديدة إلا في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي إلا أن الانطباعات الذهنية والنفسية للأوروبيين عن الإسلام والمسلمين قد عبرت المحيط الأطلسي إلى الأمريكيين، ويلخصها الكاتبان في النقاط الأساسية التالية:

  1.  أدت المظالم البشعة التي تعرض لها المسلمون إبان حرب البوسنة والهرسك وتقاعس الغرب عن حل المشكلة إلى صحوة إسلامية كبيرة في منطقة البلقان.
  2.  أنه مع النمو المتصاعد الإسلامي في منطقة البلقان، ومع التقائه بالحركات الإسلامية السياسية عبر كل من الشمال الإفريقي والمشرق العربي تتعاظم إمكانية الإسلام كقوة توحيدية في منطقة البحر المتوسط وبخاصة مع الإيمان السائد بزيف الحدود الجغرافية التي صنعها الاستعمار.
  3.  إحساس الغرب بأن العرب والمسلمين لن يقبلوا أبدا باغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين، ولن يستسلموا أبدا لابتزاز الغرب لهم، ولا لمؤامرته عليهم، ولن يرضخوا أبدا لوجود هذا الجسم الغريب في قلب عالمهم، وانطلاقا من ذلك كله يصر الغرب دوما على اتخاذ مواقف منحازة في النزاع العربي- الصهيوني، مضحيا في ذلك بكل مصالحه وعلاقاته مع العالم الإسلامي.
  4.  يتخوف الغرب من سلسة الأحداث المتلاحقة في العالمين العربي والإسلامي خلال العقود القليلة الماضية، وفي مقدمتها الانقلابات العسكرية (وإذا كان الغرب- وفي مقدمته الولايات المتحدة- هو مهندس الغالبية العظمى من سلاسل الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة في المنطقة العربية والإسلامية)، وتأميم قناة السويس، والحظر العربي على النفط سنة 1973م والجهاد الأفغاني، والثورة الإيرانية، والانقلاب الإسلامي في السودان، وتصاعد الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية والإسلامية، وحرب الخليج (وإن كانت أمريكا هي مهندستها ومن ورائها باقي الدول الغربية)، والتمرد الإسلامي في شمال إفريقيا (وإن كانت كل المخابرات الأمريكية والفرنسية، ومخابرات باقي الدول الأوروبية والعصابات الإسرائيلية هي من وراء المذابح البشعة والعمليات الإرهابية العشوائية بعلم الحكومات العميلة في المنطقة من أجل تشويه صورة الإسلام وإيجاد المبررات لضرب كل عمل إسلامي كريم)، والنشاط الإرهابي في داخل الولايات المتحدة (والذي ينسب خطأ لعدد من الحركات الإسلامية المتشددة، وإن كانت الأيام قد أثبتت نسبته إلى حركات غربية ليبرالية متشددة، وميليشيات شبه عسكرية منظمة من أمريكيين رافضين لنظم الحكم الأمريكية ومتمردين عليها)، وأخيرا وليس آخرا عمليات التمرد المصطنعة على الإسلام (والتي يمولها الغرب ويدافع عنها) إما من قبل غربيين حاقدين من أمثال الكاتب الإسباني المأجور "خورسيه ماريا خورونيا" أو من قبل عدد من أشباه المسلمين المرتشين من أمثال الهندي المرتد "سلمان رشدي" والبنجلاديشية الساقطة "تسليمة نسرين".

في الفصل الثالث من الكتاب يناقش الكاتبان "صورة الغرب تاريخيا ونفسيا عند المسلمين" والتي لخصها في النقاط التالية:

  1.  شعور المسلمين المعاصرين بأنهم يعيشون منذ فترة طويلة تحت حصار مفروض من الغرب، وأنهم يعملون من موقع الضعف والهوان، والتعرض الدائم للخطر، والذي يحرص الغرب على إبقائهم فيه بعد أن تآمر على حضارتهم، وعمل جاهدا على إسقاط خلافتهم، وعلى تمزيق وحدتهم، واستعمار غالبية بلادهم، ومن هنا فإن الكاتبين يقرران بأن ظاهرة ما أسمياه "بالإسلام السياسي" جاءت كرد فعل لهزيمة الأمة الإسلامية، ومحاولة للعودة بها مرة أخرى إلى أسس وبذور العقيدة الإسلامية التي يمكن للأمة أن تستعيد بها عظمة الماضي التليد، ومن هنا فإن الرؤية الإسلامية للتاريخ تختلف اختلافا جذريا عن الرؤية الغربية.
  2.  لا يرى المسلمون ضرورة لصدام حضاري على أساس من الدين "لأن الأصل في الإسلام أنه لا إكراه في الدين"، بينما يرى الغرب في الإسلام خروجا عن مسيحيته مما يمكن أن يؤدي إلى شيء من الصدام احضاري، "ومن هنا فإنه في الوقت الذي تقرر فيه سماحة الإسلام أن يترك لكل إنسان حرية التدين بعد البلاغ المناسب له، يحاول الغرب تنصير مسلمي العالم بالإكراه، أو بالمساومة على الدين في حالات الأزمات والحاجة إلى لقمة العيش أو قطرة الدواء أو خيمة الإيواء"، وضرب الكاتبان نماذج من التاريخ لهذا الصراع الحضاري على أساس من العقيدة بالصدام بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، وبالحروب الصليبية، وبالتآمر على دولة الإسلام في الأندلس، كما ضرب مثلا بمحنة المسلمين في الهند بعد حضارة إسلامية رفيعة دامت لأكثر من قرنين من الزمان، حكم طوالها المسلمون كافة الهند، ثم أسقط الاستعمار البريطاني دولتهم.

كذلك خطط الغرب لقرون عديدة من أجل إسقاط الخلافة الإسلامية، وتشتيت المسلمين في عدد من الكيانات الهزيلة المتناثرة مما مكن للغرب من استعمار غالبيتها، واستعباد شعوبها، وحيك العديد من المؤامرات للحيلولة دون إعادة توحدها، وخلق الكثير من المشاكل التي عاشها ولا يزال يعيشها المسلمون انطلاقا من مظالم الغرب وكيدهم واضطهادهم للمسلمين.

  1.  يدرك المسلمون أن الغرب قد تآمر ولا يزال يتآمر للحيلولة دون توحد الدول الإسلامية، ويقرر الكاتبان أن إحساس المسلمين بانتمائهم إلى أمة واحدة لا يزال يمثل إلى يومنا هذا صورة مميزة للتكوين النفسي عند غالبية المسلمين، كما يشكل أعظم مخاوف الغرب من الإسلام.
  2.  كذلك يتذكر المسلمون بمرارة شديدة حقبة الاستعمار الغربي لغالبية بلادهم لفترات تراوحت بين عدة عقود وعدة قرون ومدى الظلم، والقهر، والاستبداد، والفساد، والتعتيم، والتجهيل، والتخلف الذي فرضه المستعمر على الشعوب المسلمة.
  3.  يشكو المسلمون من إصرار الغرب على تصدير قيمه المتهالكة، وأخلاقياته الهابطة، وسلوكياته المتسيبة إلى المجتمعات الإسلامية تحت عدد من الدعاوى الزائفة من مثل التمدين، والحرية، والعالمية، والليبرالية السياسية، وحقوق الإنسان، ويخشى المسلمون من آثار عملية التغريب تلك بناء على تجاربهم السابقة مع الغرب منذ بدايات القرن الثامن عشر، حين بدأت حملات التنصير ومحاولات إخراج المسلمين من ضوابطهم الأخلاقية والسلوكية تحت دعاوى التحضر، ويذكر الكاتبان أن ذلك قد تكرر في القرن العشرين تحت دعاوى حقوق الإنسان، والتطبيق الديمقراطي، ومطالبة كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهي مطالب ظاهرها باسم القيم العالمية، وهي في الحقيقة ما هي إلا قيود للمحافظة على المصالح الغربية، ولابتزاز العالمين العربي والإسلامي ضمن باقي دول العالم الثالث.
  4.  يشكو المسلمون كذلك من إصرار الغرب على إلغاء كل قيادة فاعلة للعالم الإسلامي، فالغرب كان من وراء مؤامرة المدعو مصطفى كمال لإسقاط الخلافة الإسلامية، وتغريب تركيا، كما كان من وراء كل الانقلابات العسكرية التي حذت حذو هذا الخائن العميل، وعملت على نبذ الماضي الإسلامي، والقيم الإسلامية، وتأميم أوقاف المسلمين، وتدمير مؤسساتهم التعليمية من مثل ما حدث للأزهر الشريف.
  5.  ينظر المسلمون إلى الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين على أنه صورة جديدة من صور عدوان الدول الأوروبية التي شاركت قديما في الحروب الصليبية، واغتصبت تلك الأرض المقدسة، ثم عادت من جديد لتفرض اغتصابها في الساحة نفسها، ويؤكد ذلك أن الغاصب الجديد قد شيد دولته المزيفة بأيدي المواطنين الغربيين الذين فرضوها فرضا على العالم الإسلامي في سنة 1947م- 1948م، ومنذ ذلك التاريخ ظل ذلك الكيان يتلقى كل صور الدعم المباشر والمطرد من جانب الغرب.

وفي ظل ذلك الدعم الغربي غير المحدود توسع الكيان الصهيوني الغاصب مرات ومرات على حساب أراضي الدول المجاورة لأرض فلسطين، وأثار هذا التوسع المدعوم من الغرب المخاوف العربية والإسلامية من نزعة صهيونية توسعية كامنة على حساب كافة دول المنطقة، وعلى حساب المقدسات الإسلامية العديدة، وبخاصة بعد أن ثبت عمليا إغفال الغرب لغالبية قرارات الأمم المتحدة التي تدين مثل هذه الأعمال الإجرامية والمنافية لأبسط قواعد القانون الدولي.

  1.  يذكر الكاتبان أن المسلمين يشكون مر الشكوى من تجرؤ الغرب على التدخل السافر في الشؤون الداخلية لدول العالم الإسلامي، عسكريا وسياسيا واقتصاديا بصورة غير مشروعة، مما يثبت مشاعر الإحساس بالاضطهاد الغربي في فكر المسلمين.
  2.  يذكر الكاتبان أن غالبية الإسلاميين ومعهم غالبية المسلمين مقتنعون بأن سياسات الغرب تستهدف عامدة إضعاف سلطة المسلمين بطريقة مستمرة، مما يؤكد على ان الحروب القديمة التي خاضها الغرب ضد الإسلام لا تزال مشتعلة، ولكن بصورة أكثر مكرا ودهاء، وأن الغرب لن يهدأ له بال حتى يرى العالم الإسلامي مستسلما خائر القوى.
  3. يذكر المؤلفان شكوى المسلمين من محاولات الغرب الدؤوبة لإخضاع العالم الإسلامي إخضاعا كاملا لثقافته عن طريق مختلف وسائل الإعلام، وفرض قيم جديدة لحقوق الإنسان، والإكراه على نظم اقتصادية هدفها الرئيس حماية مصالح الغرب والإضرار بمصالح المسلمين، ووضع قيود عسكرية وتقنية وعلمية صارمة ضد المسلمين فقط، وفرض سلوكيات اجتماعية هابطة وساقطة تحت عدد من الشعارات الزائفة المنادية بالتحديث، والتي هدفها الحقيقي هو هدم كل الأسس الثقافية والأخلاقية والسلوكية للحضارة الإسلامية تحت وطأة هجمة التحديث الشرسة.

 

المعضلات العصرية

وفي الفصل الرابع عرض الكاتبان لموضوع "المعضلات العصرية التي يفرضها العالم الإسلامي على الغرب" ولخصاها في النقاط التالية:

  1.  الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يقرر الكاتبان خطأ أن الإسلام- وإن كان لا يتناقض بالضرورة مع العملية الديمقراطية- فإنه بإمكانه أن يتطور على امتداد خطوط عريضة غير ديمقراطية، وقد توصلا إلى ذلك الفهم الخاطئ من بعض أنماط الحكم في المنطقة، والتي ينتقدها الغربيون على الرغم من دعمهم لها، وتواجدهم من ورائها.
  2.  الهجرة إلى الغرب وصعوبة التلاحم الاجتماعي بين المسلمين المهاجرين والمجتمعات التي هاجروا إليها، ويعتبرا لكاتبان القضية من أبرز قضايا الاحتكاك بين الغرب والمسلمين لدرجة أنهما يصفان محور دراستهما بأنه "الإسلام في الغرب" وليس "الإسلام والغرب".

ولحل هذه القضية، ينصح الكاتبان بضرورة وقف تيار هجرة المسلمين إلى مختلف دول الغرب التي تفتح أبوابها واسعة لجميع أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى، على تباين تلك الديانات، وشذوذ بعض المعتقدات، وذلك بدعوى صعوبة انصهار المسلمين في بوتقة الحضارة الغربية، وإمكانية انعكاس ذلك سلبيا على علاقة الغرب بالدول الإسلامية.

  1.  قضية القوميات والصراع العرقي، وفيها يشير الكاتبان إلى تحرك عدد من القوميات، وحدوث عدد من الاحتكاكات العرقية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي سواء كان ذلك في داخل أوروبا أو على أطرافها، ابتداء من البلقان وانتهاء بجمهوريات آسيا الوسطى، مرورا بالقوقاز، هي صراعات يرى الكاتبان وجود الإسلام في مكان القلب منها بما يتسبب للغرب في قلق بالغ، كما أن إحجام الغرب عن التدخل السريع والفاعل لحقن دماء المسلمين في كل من البلقان، والشيشان، وكشمير، وفلسطين، وأذربيجان، وطاجيكستان، وأفغانستان، وبورما، وسيلان، شجع على ذيوع اعتقاد بين المسلمين بأن الغرب يعتمد سياسة مرسومة تستهدف إزالة آخر بقايا للإسلام من تلك المناطق.
  2.  أغنياء الشمال وفقراء الجنوب: وهي قضية اعتبرها الكاتبان مرادفة إلى حد كبير لتعبير "الغرب والإسلام" ولذلك لم يقبل الغرب كل المحاولات التي بذلت لتقليل الفجوة بين الجانبين، بل وقفت حائلا دون أي محاولة لتكتل فقراء الجنوب في مواجهة أغنياء الشمال، سواء كان ذلك على هيئة دول عدم الانحياز "التي أفقدها الغرب دورها"، أو جامعة الدول العربية "التي مزقتها الخلافات الداخلية"، أو منظمة المؤتمر الإسلامي "التي أبقاها الغرب حبرا على ورق"، أو محاولة اتحاد دول وسط آسيا الإسلامية "التي يحول الغرب دون قيامها"، أو غير ذلك من صور تكتل المسلمين التي يقف الغرب لها دوما بالمرصاد على الرغم من وجود إمكانيات هائلة للتعاون بين أغنياء الشمال وفقراء الجنوب في مجال النفط والغاز الطبيعي وغير ذلك من صور المصادر المختلفة للطاقة، والتبادل التجاري الذي يعد الغرب بالمواد الأولية الخرى، ويساعد على تصريف منتجاته، وبعض الاستثمارات التي يمكن أن تساعد على الخروج من نطاق التخلف الاقتصادي في دول الجنوب، وهو من الأسباب الرئيسة لانتشار التطرف والعنف.
  3.  قضية عدم الاستقرار السياسي في العالم الإسلامي: ويرى الكاتبان أن ذلك يمكن أن يشكل خطرا على النظام العالمي الجديد، علما بأن الغرب يدرك أن مؤامراته وخططه هي من وراء كل حالات عدم الاستقرار في بلاد المسلمين، وأنه هو مهندسها، والمخطط لها، وداعمها، ويتضح ذلك في دعمه لنظم استبدادية، وفي زرعه الكيان الصهيوني، وإشعاله الصراعات والفتن، وفرضه العقوبات العسكرية والاقتصادية على أجزاء عديدة منها، وتآمره على الإسلام عن طريق الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة، ونشره لدعاوى القومية، وإثارته للخلافات العرقية، وتأليبه الحكام على الحركات الإسلامية المعتدلة، وتخطيطه لحرب الخليج، ومقاومة التيارات الإصلاحية.
  4.  خوف الغرب الكاذب من إمكانية تحقيق توازن عسكري بين الشمال والجنوب، وهو وهم بعيد التحقق في الزمن الحاضر على الأقل، ولكنه يستخدم كذريعة لحرمان مختلف دول العالم الإسلامي من حق التسلح للدفاع عن النفس، في الوقت الذي تتكدس فيه الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، بكميات خيالية في ترسانات دول الغرب، والكيان الغاصب لأرض فلسطين التي تمتلك من صنوف الأسلحة التقليدية والنووية والكيمياوية والجرثومية، ما يفوق عدد المطلوب لتدمير المنطقة بأسرها، وفي الوقت الذي لا يستطيع الغرب فيه أن يشير إلى ذلك ولو بالتلميح، يثير الهلع من مجرد إمكانية حصول دولة مثل باكستان أو إيران أو ليبيا على شيء من تلك التقنيات، ويحاول فرض كل صور الحظر والعقاب الدولي عليها، ويدعو المسلمين كافة في زمرة العالم الثالث إلى الحد من التسلح بهدف استمرار الهيمنة الغربية.
  5.  قضية الإرهاب الدولي ومحاولة الغرب دوما وبغير أدنى حق الربط بين الإرهاب الدولي والإسلام، على الرغم من السجل التاريخي الحافل بالإجرام الغربي والذي يؤكد على أن جميع صور التطرف والإرهاب قد ابتدعها الغرب، وأشاعها في العالم من مثل حركات المافيا، والنازية، والنازية الجديدة، والتمييز العنصري، واختطاف رؤساء الدول، والسفراء، ومتابعة المسؤولين عن حركات التحرر الوطني، واغتيال المدنيين العزل، وضرب المدن الآمنة بالقنابل الذرية، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وتسميم مياه الشرب والمواد الغذائية، وحصار المدنيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة، ومعدلات الإرهاب الدولي بأيدي غير المسلمين تفوق في أعدادها وحدتها كل ما يحاول الغرب نسبته زورا إلى المسلمين، وهل حروب البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا الشمالية، والأرثوذكس في يوغسلافيا السابقة من صنع المسلمين؟، وهل المسلمون هم الذين ابتدعوا اختطاف الطائرات والحافلات والقطارات وترويع الآمنين؟ أم كان كل ذلك من ابتداع عصابات الإرهاب الدولية التي غالبية أفرادها من الغربيين؟

ومن الجور البائن أن تجرم الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية كل حركات التحرر الوطني بصفتها حركات إرهابية، بينما تعتبر إرهاب الكيان الصهيوني المتكرر في كل يوم على أرض فلسطين، ومطاردته لكافة المجاهدين في كل دول العالم بفرق الاغتيالات، وباستخدام وسائل محرمة دوليا، عملا من أعمال الدفاع عن النفس، كما تعتبر اختطاف الولايات المتحدة لعدد من رؤساء الدول والسفراء والقيادات الوطنية من أراضي الغير عملا سياديا وهو أبشع صور الإرهاب الدولي.

 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية برمنجهام:

التيار الإسلامي المعتدل لا يشكل خطورة على أوروبا

التعددية في الأفكار والآراء والشخصيات موجودة داخل الحركات الإسلامية، وفي الغرب أيضا ومن الخطأ التعميم

لندن: هشام العوضي

 

دعا الأكاديمي البريطاني ج. نيلسون مؤخرا أوروبا لبذل مسا مهمة لفهم التيار الإسلامي والتحاور معه، وقال في محاضرة له انعقدت بلندن بعنوان "الإسلام وأوروبا" بأن النمطيات الخاطئة عن "الآخر" سمة مشتركة بين الإسلاميين والأوروبيين ولن تزول إلا عبر التفاهم ونبذ سياسة التعميم والإيمان بوجود التعددية داخل الصف الإسلامي والأوروبي، وذكر رئيس مركز الدراسات الإسلامية بكلية "سلي أوك" بجامعة "برمنجهام" البريطانية عوامل الخصام بين الأوروبيين والإسلام، مما ساهم في رواج نظرية صموئيل هنتجتون عن "صراع الحضارات".

أزمة الهوية الأوروبية: ويعتقد نيلسون بأن العلاقة بين أوروبا والإسلام أخذت في السنوات الأخيرة منحى معقدا تداخلت فيه آراء الأكاديميين والسياسيين والقياديين والعلمانيين والدينيين في المجتمع، وذلك بسبب تراكم العديد من الأحداث مثل اندلاع الثورة الإيرانية وقضية الحجاب في فرنسا، وسلمان رشدي في بريطانيا، والصراع في البوسنة، وما أسماه الحرب الأهلية في كل من الجزائر والسودان، وأن التعامل الأوروبي- الغربي مع تلك الظواهر من منطق أنه مقدمة لـ "صراع الحضارات"- كما كتب هنتنجتون- يدل على وجود مرجعيات ونمطيات مسبقة لدى الذهن الأوروبي لكيفية تفسير الأحداث، وإلا لما راجت نظرية هنتنجتون بصرف النظر عن تقييمها، ويضيف أن للذهنية الإسلامية نمطياتها أيضا عن "الآخر" الأوروبي، والتي ترسخت عبر التاريخ.

ويعدد نيلسون أهم العوامل المشتركة بين الذهنيتين الإسلامية والأوروبية بالنسبة للنمطيات عن "الآخر"، فيشير أولا إلى سقوط الاتحاد السوفييتي وتكون الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى قريبا من أوروبا، وإلى الجاليات الإسلامية التي تعيش في اوروبا مواطنة ومقيمة (حوالي 10 ملايين مسلم في أوروبا الغربية): 4 ملايين في فرنسا، ومليونان في ألمانيا، ومليون ونصف في بريطانيا، ومئات الآلاف في بلجيكا، وهولندا، وإيطاليا، وإسبانيا، وعشرات الآلاف في المجر، وسويسرا، والدانمارك، والسويد، والنرويج، وأثر هذا العدد على العلاقة بين أوروبا والإسلام.

ويشير إلى أن معظم الجاليات الإسلامية في الغرب جاءت من الأرياف في بلدانها، ويشكل الإسلام عنصرا مهما في هويتها، بالإضافة لعاداتها وتقاليدها الإقليمي التي قد لا تمت للإسلام بصلة، ويظهر هذا جليا في الجالية التركية في ألمانيا، والجالية من شمال إفريقيا في فرنسا، والجالية الآسيوية (الباكستانية والبنغالية) في بريطانيا، والجيل الثاني من هذه الجاليات تربى أكثره على المفاهيم الغربية- الأوروبية والبعض الآخر نجح في "المفاوضة" أو "الموازنة" بين هويته الإسلامية ونشاته الأوروبية حتى ليمكن القول الآن بوجود تيار "إسلامي أوروبي" قوي له استقلاليته الذاتية.

ويذكر بأن التغيرات الجغرافية التي حدثت في أوروبا الشرقية كشفت عن حقيقة "أزمة" الهوية الغربية ، حيث كان يعتقد البعض أن وجود الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة المبنية على "توازن القوى" أو "توازن الرعب" بالرغم من سلبياتها إلا أنها استطاعت الحفاظ على قدر من الاستقرار والتوازن من مغبة الانجراف لحرب عالمية ثالثة تصطرف فيها الأديان والأطماع، فلما سقط الاتحاد السوفييتي حدث تحول هائل في المفاهيم ونشات نظريات تحاول تفسير الحاضر والمستقبل، فطرح فوكاياما نظريته عن "نهاية التاريخ" إلى أن بدأ البعض يبحث عن "عدو بديل" لـ "الخطر ألحمر" فجاء هنتنجتون وانتقد نهاية التاريخ، وتكلم عن شهود بداية جديدة من "صراع الحضارات" يلعب فيها الإسلام طرفا محوريا.

الصحوة الإسلامية ورموزها

عزز من نظرية هنتنجتون تنامي الصحوة الإسلامية في العالم العربي وتركيا لا سيما تيار "الإسلام السياسي" أو "الإسلاموية" كما أطلقها عليه الفرنسيون، وظاهرة الإسلام السياسي، أو "الشامل" حيث بدأها جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده ورشيد رضا لكنها اليوم "مختلفة" من منطلق أن أتباعها من الطبقة المتوسطة المتعلمة والكثير منها تعلم في الغرب، واستطاعت هذه الصحوة تكوين جيل جديد تخرج من المؤسسات التقليدية سواء الزهر، مثل د. يوسف القرضاوي، ومن الملالي المعممين في إيران، والكثير من هذه الرموز له خلفية أكاديمية علمية وتقنية مثل شخصيات في جبهة العمل الإسلامي بالأردن، وحزب "الرفاه" في تركيا.

واستطاع هذا الجيل بجدارة توظيف مصطلحات عربية قديمة لإعطائها معاني جديدة تخدم أفكارهم كما فعل سيد قطب، والمودودي بـ "الحاكمية"، و"الجاهلية" التي كانت كافية لتأليب رموز من الإسلاميين المتشددين ضد السادات واغتياله.

وفي الغرب يوازي الدارسون للتاريخ بين الصحوة الإسلامية وحركة مارتن لوثر كنج الإصلاحي التي سعت لفك الحصار عن "النص المقدس" من هيمنة تفاسير القساوسة، وأعطت لرموز المجتمع الشعبي الحق في تفسيره وإعادة فهمه، وفي بعض الأحيان تتفاعل قطاعات من المجتمع الغربي مع هذه الطريقة في المماثلة، حيث يرى البعض أن التيار الإسلامي حركة إصلاحية، ويراه بعض الحكومات والدول حركة تهديد خطيرة للمجتمع تعرقله من الدخول لمرحلة "النهضة العلمانية: وبالتالي لا يرحبون بها ويناصبونها العداء.

وعلاقة العداء بين أوروبا والإسلام ليست جديدة، وإنما تضرب بجذورها بعيدا في التاريخ، ولا يمكن مقارنتها بطبيعة العلاقات بين أوروبا والهندوسية أو البوذية، مثلا وساهم العديد من "الأساطير" في تشويه صورة الطرفين معا، فكتب المسيحيون عن الإسلام يصفونه بالهرطقة، وأنه يحفز على حياة الشهوانية والاستسلام السلبي للقدر، وينشر نفسه عبر السيف، وأن الإسلاميين قوة مدمرة تريد السيطرة على كل شيء من خلال الإرهاب، وكتب المسلمون ينددون بالصليبية والإمبريالية منسوبة للغرب المسيحي، وعن التفسخ والإباحية في أوروبا، وعن سعي الغرب "الصليبي الحاقد" إلى ضرب الوجود الإسلامي في الغرب والشاهد على ذلك "البوسنة" ..إلخ.

ويغفل الجانبان- الإسلامي والأوروبي- التعددية في كلتا الحالتين وهي تعددية مهمة وواضحة بشكل يجعل مجرد التعميم النمطي غير مبرر، فالتعددية في الأفكار والآراء والشخصيات والأهداف موجودة حتى في داخل الحركات الإسلامية، فالأب الروحي لحزب الله في لبنان السيد حسين فضل الله كتب كتابا راقيا عن الحوار الإسلامي- المسيحي، والإخوان المسلمون يمثلون شريحة مميزة للتفكير النقدي والإصلاحي الجاد، كما قطاعات من جبهة الإنقاذ الجزائرية.

لكن من الصعب أن يسمع الأوروبيون "صوت المنطق" في تلك التيارات المعتدلة لأن صوت المتشددين قد طغى عليهم، سيما أن هناك حرب "استقطاب" منظمة تتم لاستفزاز المعتدلين أنفسهم لدرجة أن صحيفة هولندية كتبت تصف الإسلامي المعتدل الدكتور كمال أبوالمجد بالمتطرف، والتعددية موجودة أيضا في أوروبا، فالغرب ليس كله "الشيطان الأكبر"، كما يعتقد الكثير من المسلمين، وليست وسائل الإعلام الغربية كلها معادية للمسلمين، بل إن المسلمين أنفسهم ما كانوا ليعرفوا عن حجم ما يجري لإخوانهم المسلمين في البوسنة ولا الشيشان لولا تغطيات الإعلام الغربي للمجازر هناك، حتى في الخارجية الأمريكية هناك شخصيات متعاطفة مع العرب والمسلمين، ومن ثم فمن الخطأ التعميم.

وصحيح أن أوروبا مارست نواع من نكران الجميل لمساهمات العرب والمسلمين التاريخية في تحضير الغرب، وهو نكران استفاد منه المسلمون في تبرير العداوة، فاللغة العربية كانت في فترة من الفترات "لغة كلاسيكية" بالنسبة لأوروبا تماما كما كانت اليونانية واللاتينية، لكن أوروبا- سبب عنصرية الصليبيين- تجاهلت الدور الحضاري الذي لعبه الإسلام في الغرب، لكن هذا السلوك ليس غريبا صرفا وإنما موجود بدرجة ما أيضا فيما يتعلق بتجاهل الدور الأوروبي في "تحضير الشرق"، ومن الصعب الآن تقييم أثر فلاسفة ألمانيا في القرن 19 على الفكر العربي والإسلامي مثلا سواء على المستوى القومي أو الديني، لكنه أثر موجود، ومعظم عناصر الفكر الإسلامي المعاصر تكونت كردة فعل للتحديات الغربية، وحتى الإسلاميين الذين رفضوا الفكر الغربي ونظروا لذلك- مثل سيد قطب- هم في المحصلة يصوغون أفكارهم لمواجهته.

من مصلحة الغرب الاعتراف بتيار الصحوة

بشكل عام، رفض العديد من الأكاديميين والصحفيين الجادين والدبلوماسيين في أوروبا أطروحة هنتنجتون انعكاسا إيجابيا أكثر منه سلبيا لأنها كانت مخيفة بشكل حفز العديد من الشخصيات الفاعلة في المجتمع للدعوة للحوار بين المسلمين والمسيحيين ساحبين البساط من تحت أقدام المتشددين المزايدين على الأطروحة، وتنامت من حينها أعداد المؤتمرات والندوات التي عقدت في الغرب لبحث مستقبل العلاقة بين العالمين، وقد يشكك البعض في جدوى هذه اللقاءات أو في مصداقيتها، لكن المهم أن تنعقد على أي حال، وبهذا العدد والنوعية، وينبغي تشجيع هذه الاجتماعات لتوضح للغرب أن تيار الصحوة الإسلامية لا يمثل خطرا عليه، وإنما يسعى لتحقيق الاستقلالية والكرامة، واحترام النفس للعالم العربي والإسلامي، ومن مصلحة الغرب أن يعترف بأن من مصلحته الوعي بهذا وتجنب مخاصمة هذا التيار، على الأقل للمحافظة على أمنه داخل حدوده.

(*) أستاذ جامعي- مصر.

الرابط المختصر :