العنوان كيف يعمر الإنسان إلى ما بعد المائة؟
الكاتب د. سالم نجم
تاريخ النشر الثلاثاء 17-مارس-1970
مشاهدات 737
نشر في العدد 1
نشر في الصفحة 13

الثلاثاء 17-مارس-1970
﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (سورة الذاريات: 21)
نداء من الخالق جلت قدرته لعباده كي ينظروا في أنفسهم وهي أقرب الملموسات وأيسرها إلى عقولهم وقلوبهم لعلهم يدركون دقيق صنع الله وبالغ قدرته. لقد خلق الله الإنسان وأودع فيه من أسرار الحياة ما يعجز البشر في كل العصور عن إدراك جوانبه أو الإحاطة بمكنوناته وإن كنا هنا نتعرض لبعض صفات الإنسان الوظيفية مما أدركت عقولنا - بما طبعت عليه من صور - فما بقي من علم الله فيه سيظل أعمق وأعظم إلى ممر الدهور.
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
سوف نتفكر معا في هذه العجالة جانبا من حكمة الخالق سبحانه كيف يعيش الإنسان هذا العمر المديد؟ الذي كثيرا ما يصل السبعين عاما وهو قد يتجاوز المائة والمائة والخمسين خريفا.
الإنسان يمر بأطوار عدة:
أولا: أطوار الحمل: «البقاء للأصح» عملية تصفية قبل الولادة وبعدها بقليل:
الجنين في بطن أمه قد يتعرض إلى بعض المؤثرات الضارة «مرضية كانت أو وراثية أو غيرهما» مما قد ينتج عن تعرضها إلى تشوهات خلقية ووظيفية لا تؤهله لاحتمال الحياة والقيام بمتطلباتها؛ فهو إما أن يموت خلال فترة الحمل ويلفظه الرحم وإما يولد ميتا أو يعيش فترة قصيرة لا تتجاوز بضع سنوات.
ثانيا: أطوار الطفولة:
أما إذا استقام الحمل بصورته المعتادة وخرج المولود إلى الدنيا معافى سليما ثم توفرت له الرعاية الواجبة ودفعت عنه عوامل العدوى وعكف ذووه على تنشئته والعناية به حينئذ يشتد عوده، ويبلغ مبلغ الرجال ويصبح قابلا ليعيش عمرا مديدا تحت الظروف الطبيعية «ولا أتعرض هنا لظروف طارئة كالحرب أو الحوادث التي تعصف بالألوف من بنى الإنسان».
ثالثا: أطوار المسئولية والعمل «أطوار الرجولة»:
تمتد هذه الفترة من سن العشرين إلى الستين أو السبعين عاما. وهي تتميز بالكد والعمل المتواصل بدنيا وعقليا هي فترة البناء والإخصاب وهي الفترة التي يعطى فيها الإنسان أضعاف ما يأخذ. إذن كيف يقوى هذا الإنسان على استمرارية هذا النشاط وهذا البذل الدائم المتصل؟ هنا تكمن حكمة الله تعالى وقدرته.
فلقد أمد الله الإنسان بأجهزة دقيقة حساسة تقوم بوظائف الجسم والذهن طوال هذه السنين دون كلل أو توقف وذلك بفضل ما أودع فيها من احتياطي ضخم يفي بحاجات الإنسان في كل حالاته من سكون وحركة، صامدا أمام التحديات الخارجية وقوى العجز والمرض.
ونسوق على ذلك الأمثلة الحية التالية:
القلب:
يعمل القلب بصفة دائمة وبسرعة منتظمة ليلا ونهارا يدفع الدم الشرياني إلى كل خلايا الجسم يمدها بمقومات الحياة الضرورية ثم هو يستقبل الدم الوريدي ليدفعه إلى الرئتين لتتم عملية التنقية وليعود مرة أخرى إلى أعضاء الجسم هذه الدورة تتكرر حوالي ثمانين مرة كل دقيقة.
كل ذلك في جميع الحالات المتغيرة التي يتعرض لها الإنسان في حياته: من حركة وسكون، من أمن وخوف، من صحة ومرض، ومن انبساط وكآبة، ولدى القلب احتياطي كبير فهو يعمل في حالة الهدوء بعشر طاقته فقط ويدخر تسعة أعشار قوتها لاستعمالها في حالة الطوارئ، وتدريجيا يقل هذا الاحتياطي مع تقدم الأيام والسنين طبقا لما يتعرض له الإنسان من آفات مرضية ونفسية واجتماعية.
الكبد:
والكبد معمل كبير له خواص كثيرة لا يحصرها عدد فهو العضو الذي ينقي الدم من
السموم والمواد الضارة بالجسم وذلك بالعمل على التخلص منها نهائيا أو بتحويلها إلى مواد نافعة، وهو العضو المسئول عن عمليات التمثيل الغذائي وهو المصفاة الكبرى التي تتصرف بلباقة بالغة فيما يحمله دم الدورة البابية القادم من الأمعاء والمعدة، وهو المسئول عن إفرازات الخمائر وعن إنتاج قوى المقاومة ضد الغزو الأجنبي أيا كان مصدره وهو المعمل الذي ينتج مواد أساسية لا يمكن لنا أن نأخذها مباشرة من الغذاء بكل أنواعه.
وباختصار فالكبد عضو لا تستمر الحياة بدونه، وهو كالقلب لديه احتياطي كبير فهو يعمل في الظروف العادية بسدس أو ثمن طاقته ويقل هذا الاحتياطي كذلك مع مرور الأزمنة وطبقا لما يتعرض له الإنسان من مخاطر كالتي سبقت مع زميله القلب.
الرئتان والكليتان:
أما الرئتان فالإنسان يستطيع العيش بنصف رئة. تسد حاجاته من التزود بالأكسجين
والتخلص من المواد الغازية الضارة، وكذلك الكليتان فان نصف كلية كفيلة بأن تحفظ على الإنسان حياته فبواسطتهما يتخلص الجسم من السموم الضارة تفرز في البول وتنظم الكثير من عمليات التمثيل وعلى الأخص تمثيل السوائل والاحتفاظ بالعناصر الهامة داخل الجسم.
المخ:
هو مركز الجهاز الإداري والعقلي والإرادي واللاإرادي، الحواس جميعا في قبضته وكل الأعمال والأقوال صغيرها وكبيرها له الكلمة الأولى والأخيرة في تصريفها، هو مخزن المعلومات من كلمات، وصور، وأقوال، وخبرات.
يظل هذا العضو حيا طيلة هذه الفترة تزداد طاقاته وتتكثف حتى تصل إلى القمة ثم
تبدأ بالضمور والتلاشي بعد هذه السن حينما تبدأ المرحلة التالية:
مراحل الوهن والشيخوخة:
يرتد فيها الإنسان ضعيفا كما بدأ فهو الشيخ الطفل الذي لا يستطيع أن يعنى بمظهره أو يطعم نفسه أو يتحدث الحديث السوي أو يفكر التفكير المنطقي السليم.
فتتغير نفسيته كما تتغير نفسية الطفل الصغير، تراه يبكي ويضحك لأتفه الأسباب تماما كما يفعل الصغير، ضاعت ذاكرته وخبا علمه وخارت قواه واضمحلت أعضاؤه وأوشك الاحتياطي أن يستهلك ويتلاشى وحينئذ تأتي النهاية. لقد عبر القرآن عن هذه المراحل تعبيرا يُعجز ذوي الألباب فقال تعالى في سورة الحج:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا...} (الحج: 5).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالمظلومون في تاريخنا (6) ابن النفيس.. واكتشاف الدورة الدموية الصغرى (3من3)
نشر في العدد 1744
34
السبت 24-مارس-2007

أكاديمي وخبير دوائي يؤكدان لـ«المجتمع»: الذكاء الاصطناعي في الطب قـــادم وحتمـــــي
نشر في العدد 2178
739
السبت 01-أبريل-2023

