العنوان الشيخ محمد محمود الصواف فقيد الدعوة والجهاد
الكاتب المستشار عبدالله العقيل
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
مشاهدات 19
نشر في العدد 1022
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
من
منا لا يعرف الأستاذ محمد محمود الصواف؟ ومن من المسلمين يجهل قدره وجهوده
ومساهماته؟ فالأستاذ الصواف علم من أعلام الإسلام وداعية من دعاته ومجاهد من
مجاهديه ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي كله..
لقد صدع بكلمة الحق وأهاب بالمسلمين الرجوع إلى دينهم واستنهض الهمم لإنقاذ فلسطين
حين صدر قرار التقسيم الجائر ١٩٤٧م وأنشأ جمعية إنقاذ فلسطين سنة (١٩٤٨) وسارع إلى
الجهاد.. يعد الكتائب ويجهز المجاهدين ويجمع الأموال لدعمهم، وظل هذا دأبه وشأنه
مع المجاهدين في كل مكان، سواء أكانوا في فلسطين أم في الجزائر أم في أفغانستان أم
في الفلبين أم في كشمير، وكان لجولاته الدعوية في إفريقيا وجنوب شرقي آسيا التي
لقيت كل دعم من الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز آل سعود أكبر الأثر حيث أحيت روح
التضامن الإسلامي ووطدت العلاقات بين المسلمين قادة وشعوبًا.
ولقد
كانت له مواقف بطولية أمام تجبر الطغاة والمستعمرين تمثلت فيها العزة والإباء،
والصلابة، والرجولة، والجرأة، والصراحة.. تلمس هذا في خطبه ومحاضراته وأحاديثه
وكلماته وتآليفه ومصنفاته التي تلهب الحماس وتستجيش المشاعر، فقد كان أول كتاب صدر
له قبل أربعين سنة هو كتاب «صرخةٌ مؤمنة إلى الشباب والشابات» الذي كان له أعظم
التأثير في دعوة الشباب إلى الحق والخير والالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة وسلوكًا
ومنهج حياة حيث أقبلوا على الإسلام إقبال الظمآن على الماء.
ولم
يتأخر الأستاذ الصواف عن موقف من مواقف المروءة والشهامة فقد كان كريم النفس
واليد، يجود بكل ما عنده في سبيل الإسلام والمسلمين وهذا بشهادة كل من عرفه عن قرب
وعايشه أو رافقه في أسفاره ورحلاته، كما كانت مواقفه من ثورة التحرير الجزائرية
ومساندتها متعاونًا مع علمائها أمثال البشير الابراهيمي والفضيل الورتلاني وغيرهما
الذي دعاهم لزيارة العراق وعقد لهم المؤتمرات الشعبية لشرح قضية الشعب الجزائري
وجهاده ضد المستعمرين الفرنسيين وسافر معهم إلى الأقطار العربية.
والأستاذ
الصواف لم يترك مدينة في العراق إلا زارها ودعا جماهيرها وخاصة شبابها إلى منهج
الإسلام وطريق الدعوة، كما زار معظم الأقطار الإسلامية ينشر دعوة الإسلام ويتصدى
للمفسدين في الأرض من أصحاب المبادئ المستوردة وينبري لتفنيد دعاواهم وكشف زيفهم
ودحض شبهاتهم مما جعلهم يهربون من مواجهته ويتوارون عنه حيثما كان.
وفي
السنوات العشر الأخيرة أعطى معظم جهده للجهاد الأفغاني الذي ملك عليه كل جوانب
نفسه وأصبح القضية الأولى والهم الأكبر الذي يسخر له طاقاته ويدعو الأمة الإسلامية
كلها إلى مؤازرة المجاهدين الأفغان والوقوف إلى جانبهم، بل كان لجهوده الإصلاحية
والتوفيقية بين فئات المجاهدين وقادتهم الدور الكبير في وأد الفتن التي يثيرها
الأعداء، وكم كانت خطبه ومواعظه تبكي الحاضرين وتستل السخائم من النفوس ويعود
الجميع إخوة متحابين متعاونين في جو من الصفاء والروحانية، ورغم كبر السن وضعف
الجسم ووهن العظم ولكن روحه كانت روح الشباب والفتوة، وعزيمته لا تلين ولا تضعف
أمام العقبات أو المغريات.
إن
الأستاذ أبا مجاهد مدرسة قائمة بذاتها، هابه الطغاة وأحبه الناس، فقد كان صادق
اللهجة وطيب القلب ودودًا إلى الصغير والكبير يعيش هموم الناس ومشكلاتهم ويتفاعل
مع الأحداث التي تواجه المسلمين في كل أقطارهم، ولقد ترك جيلاً، بل أجيالًا من
الشباب في العالم الإسلامي وخاصة في العراق والمملكة العربية السعودية كلهم يعتز
بالتلمذة عليه ويذكره بكل الخير.
رحم
الله الأستاذ الصواف رحمة واسعة وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي
عباده الصالحين، ووفق الله علماء الأمة ودعاتها لتحمل التبعة وإبلاغ الرسالة فإن
الطريق طويلة والرحلة شاقة والمخلصين قلة، ولكن التوكل على الله والاعتماد عليه
وطلب العون منه والأخذ بالأسباب والعبر والمصابرة كلها كفيلة بتحقيق النصر ﴿وَلَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40).