العنوان الكتاب... والدّعوّة
الكاتب عبد القادر طاش التركستاني
تاريخ النشر الثلاثاء 14-يناير-1975
مشاهدات 15
نشر في العدد 232
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 14-يناير-1975
الكتاب... والدّعوّة
الكتاب وسيلة مهمة من وسائل الحضارة والمدنية، وثمرة من ثمار التقدم والرقي.. وللكتاب دور خطير وأساسي في بناء صرح الأمجاد والبطولات في شتى الميادين. لأنه الأداة الفعالة التي تنقل للأجيال: معطيات العلم ومنجزات الفكر وروافد الثقافة وروائع الأدب والبيان.
وبسبب هذه المكانة التي يحتلها الكتاب في مضمار التحضر والتمدن كان اهتمام الأمم به واحتفالها بأهميته.. بل إن الأمم الراقية العاقلة تجعل الكتاب في ذروة اهتماماتها وأقصى عنايتها.
ونحن المسلمين عبر قرآننا العظيم عن اهتمامه بالكتاب ونتائجه فكانت معجزة محمد- صلى الله عليه وسلم- كتاباً يتلى روحياً يوحى ليبقى ذلك الكتاب مناراً للبشرية وهادياً للإنسانية إلى الطريق القويم والهدي الرشيد والنور المتلألئ. وكانت أول آية تلقى في روع محمد- صلى الله عليه وسلم- فتسرى إلى كيانه سريان النور هي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1) وأن الأمة التي تجعل من الكتاب رمزاً لحضارتها ونبراساً لتقدمها ومشعلاً ينير لها دياجي الحياة وظلمات الجهل لهي الأمة الواعية المستنيرة.. وأما الأمة التي تجعل الكتاب كما مهملاً ونسياً منسياً لهى أمة متخلفة تسير في الحياة سير الضائع الحيران تخبط خبط عشواء.. فتصيب مرة وتخطئ مرات.. وهي في أحسن الحالات تبقى جامدة في مكانها لا تتقدم ولا تتأخر..
وانطلاقاً من هذه الأهمية الكبيرة التي يحملها الكتاب ويمثلها فإن على الإنسان الواعي المتحضر أن يتخذ منه قبساً يسير بهداه إلى هدفه في الحياة.. أما الداعية المسلم فهو أولى الناس بذلك.. لأنه يحمل أمانة تبليغ هذه الدعوة بعد فهمه لها الفهم الصحيح المتكامل الحي.. ولن يكون ذلك إلا عن طريق الكتاب.. ويأتي كتاب الله- سبحانه وتعالى- في رأس القائمة بما يعطيه للفرد المسلم من دفقات الإيمان.. وشحنات الهدى وأنوار التشريع.. وقيم الحضارة والخلق والسلوك... إنه يمنح المسلم كل ما يحتاجه في دنياه وآخرته... ويوضح له طريقه .. ويهديه إلى أقوم سبيل.. وأكرم هدف.. وأنبل غاية . ويزوده بأكمل زاد ليمضي في رحلة الحياة قوياً مؤمناً سعيداً مطمئناً. فليحرص المسلم على قراءة كتاب الله قراءة الفهم والتأمل والتفكر والعمل..
وعندما نتحدث عن الكتاب تثور في أذهاننا أسئلة كثيرة .. كيف تقرأ؟ وكيف نختار الكتاب المناسب؟ وكيف نعمق صلتنا بالكتاب؟ وما هي أهداف قراءة الكتاب؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.
إن عملية اختيار الكتاب المناسب من أهم العمليات التي تواجه القارئ- بل هي أيضاً من أصعب العمليات ومن الضروري أن يكون الكتاب- أولاً- ذا هدف نبيل وغرض شريف يدعو إلى فكرة طيبة أو ينادي إلى خلق صالح أو يزود القارئ بشحنة من الشعر الطيب والأدب الرفيع أو ينفر من فكرة سيئة أو خلق صفيق أو مبدأ خطير أو رأى معوج... و من الحذر المحمود أن يوقى الطيبون من الكتب التي تحمل الأفكار الإلحادية... أو التي تنشر المبادئ الزائفة وتروج للأخلاق الفاسدة وتدعو إلى الرذيلة والفسق والفجور.. ونحن نعلم أن كثيراً من الأمـم أصيبت بالانتكاس والانحطاط بسبب شيوع أمثال هذه الكتب المنحرفة الفاجرة التي تقيم للدعارة والسقوط والفتنة والانحراف سوقاً رائجة.. تزخرف فيها كل ما تدعو إليه بزخرف القول.. وتزينه بأنواع من الحلي المزيفة التي تثير الشهوات وتوقظ النزعات الجنسية. وأكثر أصحاب تلك المبادئ والمفاسد يستغلون وسائل التثقيف من كتاب.. ومجلة... وإذاعة وتلفزيون وسينما في بث سمومهم ونشر أوبئتهم لقد شوهوا قدسية الحرف بنوازعهم الخبيثة... ولوثوا جمال هذه الوسائل برغباتهم المنحطة وشهواتهم الهابطة.
فإن أحسن اختيار الكتاب من حيث المادة والمحتوى فثمة مرحلة أخرى وهي اختيار السن المناسبة فكتب الأطفال غير كتب غيرهم.. وكتب المثقفين تختلف عن كتب المبتدئين.. والكتب التي يتأثر بها الأدباء والشعراء غير تلك الكتب التي تؤثر في العلماء، وهكذا.. فلا بد من النظر إلى هذه النقطة عند الاختيار. وإنني في هذا المجال أميل إلى أن يهتم بجانب الفكر والعلم.. لأن العصر الحاضر فتن أهله بمنجزات العلم وشغفوا بمعطياته.. فمن الطبيعي أن نساير الاهتمام الإنساني المتزايد بهذا الجانب.. وعندما ندعو إلى ديننا ونثبته في نفوس أبنائنا بمنطق العلم وتفكير العلماء والباحثين كان ذلك الإيمان أكثر رسوخاً وأقوى حجة وأملك لفؤاد صاحبة وعقله.. حتى أبناءنا الصغار أدعوا إلى تثبيت وترسيخ المبادئ الإيمانية فيهم بالمنطق العلمي وروح البحث والتفكير وذلك بأسلوب مبسط وحجة مقنعة. حتى لا يأخذوا هذه المبادئ تقليداً عن آبائهم دون وعى أو فهم. ونحن نعلم أن الإيمان التقليدي هش متضعضع يسقط من أقل ضربة ويذهب أدراج الرياح عند أصغر صدمة.. ولقد نهانا قرآننا عن مثل هذا الإيمان وهدد المقلدين بمصير أليم.. وعذاب مقيم...
ثم لا يجب أن ننسى أن نعلم بأن الأسلوب القصصي له دور بارز في التأثير.. وله قدر كبير من القراء والمتلهفين ذلك لأن القصة أقرب إلى النفس من أي نوع آخر من الكتب وأكثر إثارة وأشد تأثيراً ولذلك ينبغي أن نهتم بالقصة في مجال القراءة فنختار القصص الطيبة التي تنمى في الناس روح الحب والشجاعة والإيمان والصبر.. وغير ذلك من المعاني الإنسانية والقيم الخلقية، ومن المهم أن تكون تلك القصص معبرة عن الواقع الوضيء.. منفرة عن الواقع السيئ داعية إلى السمو والرفعة والمثل العليا. وعلينا ألا نكثر من القصص التي تعتمد على الخيالات الوهمية والأحلام المجنحة.. بل نختار منها بقدر يتناسب مع رغبة الإنسان الفطرية في التخيل والحلم.
والملاحظ أن القصة الإسلامية في هذا المجال مقصرة وأن من يستطيعون إبراز هذا الفن قلة.. وإنني أنادى هنا أولئك القصاصين- ممن يحملون روحاً إسلامية صادقة وموهبة قصصية بارعة- أن يساهموا بما لديهم.. وأن الدعوة اليوم بحاجة ماسة إلى ذلك الفن ليؤدي دوره ويقوم برسالته وإذا كان أصحاب الباطل- كما نعلم يستخدمون كل الوسائل الممكنة لنشر باطلهم والدعوة إلى زيفهم؛ أفليس من الواجب على دعاة الحق أن يكونوا أسبق من أولئك إلى استخدام تلك الوسائل للدعوة إلى الحق والنداء إلى النور والهدى.
فإذا أحسن اختيار الكتاب. فكيف نقرأ؟ إن القراءة الصحيحة هي تلك التي تشترك فيها أكثر من حاسة واحدة فيها.. ثم إن من الأسس الأولى للقراءة الجيدة أن يكون العقل واعياً لما يقرأ متأملاً فيما يجده مكتوباً أمامه يحاكم كل فكرة أو رأى محاكمة عقلية ليقتنع بها أو يرفضها أو يناقشها.. ومن المعلوم أن كل كتاب- إلا كتاب الله وسنة رسوله- يحمل في طياته الخطأ والصواب والحق والباطل والسمين والغث والمقبول والمرفوض.. فعلى القارئ دائماً أن يعود نفسه منذ البداية على أن يفكر فيما يقرأ ويتأمل فيه ويناقش الأفكار ويوازن بين الآراء ليخرج بالطيب المقبول ويدع الخبيث المرفوض.. وكم انتشرت بين الناس أفكار وآراء خاطئة ترسخت وانبثت في عقولهم نتيجة لعدم التفكير في تلك الآراء وفهمها الفهم الحقيقي وعدم محاكمتها المحاكمة العقلية الرصينة.. وقد قلنا سابقاً أن التقليد آفة مزرية وخلق سيئ.. فلذلك يجب الابتعاد عنه واستبداله بالتفكير والنقاش والتأمل.. فهذا أدعى لثبات تلك المبادئ التي يسلم بها العقل المفكر وأقرب إلى الرسوخ.
هذه الثقافة التي يحصلها المرء من القراءة المتأنية الجيدة.. وهذا الفكر الذي يقطفه من الكتب وهذا الأدب الذي يثري به وجدانه وأحاسيسه.. كل هذا لا يؤدي ثمرة ولا ينتج أثراً ولا يكون من المكونات الأساسية لشخصية المرء إلا إذا استفاد منها الاستفادة الكاملة.. ومن أهم صور الاستفادة الكاملة من القراءة أن يتحول ذلك المقروء إلى حياة.. وحركة.. وعمل.. فليست الثقافة والأدب معلومات تكتسب وشوارد تسجل وألفاظاً تنمق وصفحات تملأ.. بل الثقافة والأدب روح تسري إلى القراء فتحدث في نفوسهم أثراً وحركة.. وتوقظ فيهم حوافز العمل والإبداع والطموح.. وتنمي فيهم صفات الثورة على الشر والرنو إلى الخير.. ولا خير في الذي يدعـى «الثقافة» ثم لا يحول تلك الثقافة إلى شحنات يستعين بها على الحركة في سبيل حياة أفضل ومجتمع أكمل ومن أجل تقدم إنساني أزهى ورقي حضاري أسمى. إن الثقافة حين لا تكون حية متحركة عاملة تموت في نفس صاحبها.. وتنتحر في أعماقه دون أن يستفيد من معطياتها أو ينهل من منافعها.
تلك أضواء كاشفة أضعها أمام الذين يريدون أن يستفيدوا من قراءاتهم لعلهم يسترشدون في هذا المجال
.. وبعد: فإن الوقت رصيد ضخم يمتلكه الإنسان.. وهو أثمن وأغلى من رصيد المال والمادة.. لأنه هو الحياة.. نفسها.. وكل ساعة تمر من الحياة لا يتعلق بعودتها أمل ولا يناط برجوعها رجاء.. فهي ضياع.. فمن العقل أن تستغل ساعات الحياة قبـل انقضائها وأن تملأ بالخير والنفع قبل فواتها.. وليس أحسن من القراءة استغلالاً للوقت واقتناصاً لساعات العمر... ففيها الخير كل الخير.. واهتمامنا بالكتاب دليل على تحضرنا وتقدمنا.. وعنوان لوعينا لمسؤوليتنا ومعرفتنا لواجبنا.
والله الموفق .
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل