العنوان المنطلق الإسلامي في بيان ولي العـهد
الكاتب جمال النهري
تاريخ النشر الثلاثاء 30-يونيو-1970
مشاهدات 717
نشر في العدد 16
نشر في الصفحة 23

الثلاثاء 30-يونيو-1970
· حريَّة الرأي. • الخطر والانهيار.
البرلمانات التي كانت تنطق إلىَ عَهد قريب باسم شعوبهَا أين هي الآن؟
قضت على نفسها، وعلى الحرياَّت العَامة؟
المتأمل في بيان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر الأحمد يستطيع أن يلحظ بجلاء أمرين:
الأول: المنطلق والتصور الإسلامي للمشاكل وحلها.
الثاني: الخطر الذي يحيط بحياة الكويت.
◘ المنطلق الإسلامي:
فمن حيث المنطلق يرى أن أسس «النظام الديموقراطي السليم التي تضمنها دستورنا لیست جديدة علينا»، بل «مبدأ مقرر في أعرافنا وعاداتنا وفي ديننا الذي يحض على المساواة بين الناس وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين
الجميع».
◘ حرية الرأي:
ثم توكيده على الحق الفردي الجوهري المتمثل في أن «لكل فردٍ منا أن يصارح الحاكم برأيه فيما يتصل بالشئون العامة المتعلقة بالمجتمع وخير الأفراد والجماعة»، بل إنه ينتقل في خطابه من توكيد هذا الحق الفردي إلى المطالبة به فيقول: «إنی أطالب كل واحدٍ منكم بأن «يشاركني» بحق هذه الأمانة، يتحمل نصيبه منها، كأفراد أسرة واحدة».
◘ الخطر، والانهيار، والسؤال الذي ينتظر الإجابة؟
ولا شك أن كلمات البيان قد أفصحت عن إحساس تراكم بالخطر عبر سنواتٍ في أرض الكويت، ينبغي أن تلتفت إليه الفئة الواعية من المثقفين الإسلاميين. فالبيان يقول: «لقد تساءلت منذ حوالي أربعة أعوام وأتساءل مجددًا أین مجتمعنا اليوم من مجتمعنا بالأمس القريب، يضرب به المثل في الجد والشعور بالمسئولية، في المحبة «التآخي»، في حب الخير ومساعدة المحتاج».
والتساؤل الذي يضعه ولي العهد وينبغي أن نضع إجابته هو «ما الذي غير من حالنا ونحن نأخذ مع ذلك بأسباب التقدم؟».
ونعى البيان روح التقليد دون وعي، التي سقط فيها المجتمع الكويتي حتى أصابه المرض، بل تجاوز هذا إلى حد الإنذار من رجل في القمة يقرر بأن المجتمع «سيتفسخ، وليس بعد التفسخ إلا الانهيار». «وهذا ما نرفض أن يكون مهما كلفنا ذلك من جهدٍ وتضحيات».
◘ ولكن كيف يتم النقاش؟ وفي أي إطار.. وحديث عن البرلمانات الأخرى.
رسم البيان أساس النقاش، فجعله من خلال نظامٍ نیابي برلماني دون أن تعنى المفاسد التي تخللت التطبيق البرلماني إلغاءه أو النكوص عنه، مع التحذير من «تجارب» حدثت بدولٍ أخرى يجب أن تكون لنا عبرة، «فأين هي الآن برلماناتها ومجالسها التشريعيَّة التي كانت إلى عهدٍ قريب تنطلق باسم شعوبها».
انصرف أعضاؤها إلى مصالحهم الشخصية، وكانوا مثلًا سيئًا لغيرهم. فقضت هذه المجالس على نفسها، وعلى الحريات العامة.
◘ وأما الإطار العام فهو الإسلام يحيط بهذه المناقشات فلا تتعداه ولا تخرج عنه، وفي سعينا للمستقبل لا ننفصل عن ماضينا. لدرجة أن تحكم هذه القواعد النابعة من الشريعة تفاصيل الحياة في الكويت، وكما يقول البيان «كما عبرت عنه الأوامر والنواهي التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله».
◘ الخيانة من أين؟
وقد بلغ من حرص البيان على الشريعة والتراث أن اعتبر «النشاط المعادي للإسلام»، الذي يهدف لهدم التراث الإسلامي الخالد، هو نوع من «الخيانة»، يقول النص: «وبأن كل محاولة لهدم هذا التراث ومقوماته تحت أي شعارٍ وبأي فعلٍ يعتبر خيانة».
وضح البيان إذن المعيار والجزاء.
المعيار في النظر إلى أي مبدأ من المبادئ الاقتصادية أو الاجتماعية هو الإسلام، نرفض أو نقبل به.
وأما الجزاء فهو الخيانة لمن يقوم بمحاولة هدم هذا التراث.
◘ قضية الكفاح الفلسطيني المسلح
لقد رأى البيان أن الجهاد المسلَّح هو المنطلق الطبيعي لاستعادة فلسطين، فلم يشر البيان إذن إلى أية «تسويات سلمية»، بل تحدث عن تحرير الأرض المغتصبة بالأرواح والأموال، وبذات النظرة أثلج صدورنا الكفاح الفلسطيني المسلَّح، وما أسفر عنه من إشعار العالم أجمع بتصميم أبناء هذا الجزء المغتصب من وطننا العربي على تقديم أرواحهم وأموالهم فداءً في سبيل تحرير أرضهم.
◘ من تؤيد الكويت؟
أما تأييد الكويت فسينصب أساسًا على «أشخاص أولئك الذين يوجهون طاقاتهم إلى أرض المعركة ضد العدو الغاصب»، مع اشتراط ألا يشغلنا عن المعركة «نظريات جدلية أو شعارات مذهبية أو معارك جانبية فيما بين فئات منا». هذه إشارة محددة ينعكس صداها على الداخل والخارج معًا بشأن هذه القضية الجوهرية، ولم يكن لهذه الدماء العزيزة التي أُهدرت على أرض الأردن والعدو الإسرائيلي يباركها دون أن يطلق رصاصة من جانبه، لم يكن لها أن تمر دون أن يذكرها البيان بالأسف «أن تهدر دماء عربية بأيدٍ عربية في هذه الآونة الحرجة».
◘ أساس السياسة الخارجية:
وتناولها البيان بالترتيب التالي:
· مصلحة الأمة العربية
· الأخوة الإسلامية
وأما في المجال الدولي، فإن الكويت لن تميل لليسار ولا لليمين، مع التأكيد بأن الكويت لا تقبل أن يمس أحد «سيادتها» أو يعتدي على حقوقها وكرامتها، كما أنها تقرر وجوب «العمل السريع» على تحديد «موقف عربي جماعي» إزاء مصالح الدول التي ما زالت تؤيد إسرائيل، وهذه بلا شك خطوة رائعة.
◘ وحدة الأمة العربية:
ولعل التحفظ الذي أورده البيان حول «مسألة الوحدة» يشير إلى المنطلق الفكري الذي تنظر منه الكويت إلى هذه المسألة، فهو إن كان يشـير إلى أن الوحدة العربية هي غاية شعوبنا إلا أن الكويت تؤمن في الوقت ذاته «بأن الوحدة بين الأقوياء خير منها بين الضعفاء»، ولم تبخل الكويت، تقتسم مما أفاء الله عليها «لا نمن ولا نبخل ولكننا لا نسرف حتى لا نصبح عالة».
◘ اتحاد الإمارات
ثم عرج البيان على مسألة اتحاد الإمارات، فأبرز تأیید الكويت له بشرط تأسـیسه على «مشاركة الشـعب في إدارته ليكون اتحادًا قويًا».
ذلك هو الأمر البارز، فلا قوة حقيقية للاتحاد ولا قدرة له على ممارسة دوره في المسئولية على الأمن والاستقرار في الخليج وحمايته جعلته من التدخل الأجنبي دون تأكيده بالأساس الشعبي.
ولست أجد ما أختم به هذا الاستعراض للبيان الفاصل في تاريخ الكويت، إلا ما جاء في نهايته: «وسأسعى جاهدًا -بالطريق الدستوري- إلى تعديل كل ما يتعارض مع مصلحة بلدنا فما تناولته أو ما لم أتناوله من مجالات، مستلهمًا واقعنا وتراثنا».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

